ما هي معاهدة مياه السند بين الهند وباكستان؟.. دلالات التعليق وتوقيته

وكالة أنباء حضرموت

في تطور غير مسبوق منذ أكثر من ستة عقود، أعلنت الحكومة الهندية مساء الأربعاء تعليق العمل بـ"معاهدة مياه نهر السند" الموقعة عام 1960.

في خطوة تصعيدية تعكس حجم الغضب الهندي بعد الهجوم الإرهابي الدموي الذي استهدف منطقة باهلغام في كشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، بينهم 25 هنديا ومواطن نيبالي.

جاء القرار خلال اجتماع لجنة الأمن الوزارية برئاسة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حيث أجمعت اللجنة على اتخاذ سلسلة من الإجراءات التصعيدية ضد باكستان، شملت أيضا إغلاق نقطة عبور “أتاّري”، وإلغاء الامتيازات التأشيرية للمواطنين الباكستانيين، وطرد الملحق العسكري.

لكن قرار تعليق المعاهدة تحديدا أثار تساؤلات واسعة، ليس فقط لما تحمله من رمزية تاريخية، بل أيضا لما تعنيه من تداعيات استراتيجية تمس الأمن المائي لباكستان.

معاهدة عمرها 65 عاما
تُعد معاهدة مياه نهر السند واحدة من أقدم الاتفاقيات المائية في العالم، وُقعت برعاية البنك الدولي بين الهند وباكستان في أعقاب استقلالهما، لتقاسم مياه الأنهار الستة الكبرى التي تنبع من الهيمالايا وتعبر حدود الدولتين.

وبموجب الاتفاق، حصلت الهند على حقوق الاستخدام الكاملة للأنهار الشرقية، فيما مُنحت باكستان السيطرة على الأنهار الغربية، التي تشكل شريان الحياة الزراعية والاقتصادية فيها.

ظلت المعاهدة صامدة في وجه أكثر من حرب ونزاع عسكري بين الجارتين النوويتين، واعتُبرت دوما مثالا نادرا على قدرة القانون الدولي على الحفاظ على حد أدنى من التنسيق في خضم الخصومة.

لكن هذه الاتفاقية، التي كانت توصف بأنها “الخط الأحمر الذي لا يُمس”، أصبحت فجأة هدفا مباشرا للرد السياسي الهندي، بعد أن ربطت نيودلهي بين الهجوم الإرهابي في كشمير و”دعم باكستان المستمر للجماعات المتطرفة العابرة للحدود”، وفق البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الهندية.

تصعيد متدرّج
بحسب البيان، فإن تعليق العمل بالمعاهدة سيبقى قائما حتى "تتخلى باكستان بشكل موثوق ونهائي عن دعم الإرهاب".

وهو ما اعتبره مراقبون تصعيدا خطيرا قد يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق في المنطقة، خصوصا أن الاعتماد الباكستاني على مياه نهر السند يبلغ أكثر من 80% من حاجتها الزراعية.

في المقابل، لم يصدر بعد رد رسمي من إسلام آباد على الخطوة الهندية، لكن مراقبين يرون أن التصعيد قد يدفع العلاقات بين الجانبين إلى مرحلة حرجة تتجاوز الأبعاد الأمنية، لتصل إلى أمن المياه وموارد الحياة الأساسية، وهو ما ينذر بفتح ملف “الحروب المائية” الذي لطالما ظل مؤجلا.

رسالة أبعد من المعاهدة
المفارقة أن هذا القرار الهندي يأتي بعد أيام من إشادة المجتمع الدولي بسير الانتخابات في إقليم كشمير الهندي، والتي اعتبرتها نيودلهي دليلا على “الاستقرار والديمقراطية في مواجهة العنف”.

واعتبرت لجنة الأمن الوزارية أن توقيت الهجوم ليس عشوائيا، بل يأتي في سياق "محاولات تقويض الاستقرار عبر الإرهاب العابر للحدود".

الرسالة التي تسعى الهند لتوجيهها عبر هذه القرارات، وعلى رأسها تعليق المعاهدة، تتجاوز الرد الفوري إلى إعادة تعريف قواعد الاشتباك مع باكستان.

فالهجوم على المدنيين في كشمير لم يُقابل فقط بإدانة دبلوماسية، بل بخطوات عملية تهدف إلى تحويل "الدعم المزعوم" للإرهاب إلى عبء سياسي واقتصادي على الجانب الآخر من الحدود.

سيناريوهات المستقبل
لا شك أن هذا القرار سيفتح الباب أمام تساؤلات قانونية وأمنية ودولية بشأن مستقبل المعاهدة، ودور البنك الدولي في الوساطة، ومدى قدرة الأطراف على تجنب انفجار جديد في منطقة مضطربة أصلا.

فبينما تقول الهند إنها "لن تتهاون في مطاردة الإرهابيين ومن يرعاهم"، تتطلع العواصم الكبرى إلى ما إذا كانت الأزمة ستنحصر في حدود الردع السياسي، أم ستتحوّل إلى صدام مفتوح على جبهة المياه.

وأعربت باكستان على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها عن القلق إزاء فقدان أرواح عدد من السياح في الهجوم وقدمت التعازي لأسر الضحايا.

وحاليا، يترقب العالم ما إذا كانت معاهدة مياه نهر السند، التي صمدت 65 عاما، قد دخلت مرحلة الاحتضار، أم أنها ستجد طريقا جديدا للنجاة وسط أعاصير الجغرافيا والسياسة.