حظر إخوان الأردن إحباط ملكي وسياسي من فكرة تأهيل الإسلاميين
أعلن الأردن الأربعاء أنه حظر جماعة الإخوان المسلمين وصادر أصولها بعد ثبوت صلتها بمخطط تخريبي تم الكشف عنه قبل أيام، في وقت يقول فيه مراقبون إن الخطوة الأردنية لم تكن مفاجئة، وإنها تعبر عن إحباط ملكي وسياسي من فكرة تأهيل الإسلاميين.
ولا يتعلق الأمر فقط بمسألة امتصاصهم في التركيبة الحزبية في الأردن، ولكن في تعاطيهم مع المرونة التي تعاملت بها المملكة الأردنية مع وجودهم في محيط إقليمي مال في أغلبه إلى تصنيفهم جماعة إرهابية وواجههم بالخيار الأمني والقضائي فيما سمحت لهم القيادة الأردنية بالنشاط العلني وتغاضت عن أخطائهم بما في ذلك استهداف المؤسسة الملكية بالانتقاد والحملات ضد مؤسسات سيادية مثل مؤسستي الأمن والجيش، وإعطاء الأولوية لحماس والولاء لها أكثر من الولاء للأردن، وهو ما كشفت عنه التصريحات والاحتجاجات التي تمت مع انطلاق حرب غزة في أكتوبر 2023.
وسبق للإخوان في الأردن أن عملوا على استثمار الاحتجاجات الشعبية التي تزامنت مع موجة الربيع العربي وحاولوا عبرها الوصول إلى السلطة كما فعلت فروع الجماعة الأخرى في مصر وتونس. ومع فشل هذه الخطة استمرت الجماعة في تصدر الاحتجاجات بهدف إضعاف هيبة السلطة، ما دفع بالقضاء إلى حلها في يوليو 2020، لكن تم التراجع عن هذا الإجراء ضمن سياسة المرونة التي يتبعها الملك عبدالله الثاني بهدف توحيد الجبهة الداخلية وقطع الطريق أمام التحديات الخارجية في وقت كان فيه الأردن يواجه تحديات أمنية واقتصادية وخاصة مخلفات الحرب في سوريا.
ومن الواضح أن القيادة الأردنية قد نفد صبرها من أساليب الجماعة القائمة على التلون والإيحاء بالموقف ونقيضه، وأن أنشطة الجماعة السرية ونظام تشكيل الخلايا لم يكن ليفاجئ الملك أو الأجهزة الأمنية الأردنية ذات الخبرات العالية.
والمؤكد أن الأجهزة الأردنية كانت تراقب ما يتم في الخفاء إلى أن تحين اللحظة، وهو ما حصل بالكشف عن الخلية الأخيرة وعملية تهريب السلاح والولاء لطرف آخر غير الأردن وجعل البلد منطلقا لأنشطة تتجاوز التزاماته الخارجية بهدف إحراجه، ما يعطي مشروعية لقرارات المملكة بحل الحركة ومصادرة ممتلكاتها كخطوة أولى ومقدمة لتفكيكها ومحاسبتها قضائيا.
وينتهي أيّ حصيف في تتبع التاريخ السياسي للإخوان، وفي أي بلد مارسوا السياسة فيه، إلى نتائج شبيهة، وهي أنهم يعمدون إلى العمل بوجهين واحد مرن بهدف التمويه والثاني خفي وعنيف ومتربص بأمن البلدان التي يعملون فيها، وأن لا أمان لهم مهما تساهلت معهم الحكومات والأجهزة المختلفة.
فشل تأهيل الإخوان في الأردن محطة مهمة من محطات تحجيم نفوذ الجماعة وتنظيمها الدولي في الفضاء العربي
ويقول مراقبون إن حالة الأردن التي كانت تعد خاصة ويسوّق لها قادة الجماعة ومنظروها أنها مختلفة وقوية وسلمية أثبتت الأحداث أنها لا تختلف عن أيّ نموذج آخر للجماعة، سواء بالمركز في مصر أو في مختلف الفروع، من جهة توسلها بالمناورة وارتباطها بخلايا العنف والإرهاب التي تشكلها أو تلك التي تتحالف معها من خارجها، أو من جهة ارتباطها بقوى إقليمية.
وفشل تأهيل الإخوان في الأردن محطة مهمة من محطات عزل جماعة الإخوان وتهميشها وتحجيم نفوذها وتنظيمها الدولي في الفضاء العربي، وهي لا تقل أهمية عن محطة عزلها في مصر ثم في تونس، بالنظر إلى حجم ومستوى حضور الإخوان ونشاطهم في الأردن.
ويرجّح أن تعمل السلطات على عدم منح الجماعة فرص إعادة تشكيل وإنتاج نفسها في المشهد، خاصة أنه لم يعد هناك مجال للتراجع أو التردد أو الوقوف بمناطق رمادية، كون المسألة تتعلق بأمن قومي وبتبعية كيانات لقوى خارجية ولا تتعلق بمجرد رغبة تيار في الحضور في المشهد السياسي والانتصار لقناعاته وأفكاره.
ولم يصدر أيّ تعليق بعد من جماعة الإخوان، التي ظلت تعمل بشكل قانوني في الأردن على مدى عقود ولديها العشرات من المكاتب في أنحاء البلاد.
وأعلن الأردن الأسبوع الماضي القبض على 16 عضوا من الجماعة، مؤكدا أنهم تلقوا تدريبا وتمويلا في لبنان وكانوا يخططون لمهاجمة أهداف داخل المملكة بصواريخ وطائرات مسيّرة. ونسب أيضا مؤامرة أحبطها في عام 2024 إلى خلية تابعة للإخوان المسلمين في الأردن.
وقال وزير الداخلية الأردني مازن الفراية إنه سيتم “حظر كافة نشاطات ما يسمّى بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة، واعتبار أيّ نشاط لها أيا كان نوعه عملا يخالف أحكام القانون ويوجب المساءلة القانونية.” وأضاف أن الحظر يشمل أيّ منشورات للجماعة وإغلاق ومصادرة جميع مكاتبها وممتلكاتها.
ويقول معارضو الجماعة المحظورة في معظم الدول العربية إنها جماعة إرهابية خطيرة يجب القضاء عليها. وتقول الجماعة إنها نبذت العنف علنا منذ عقود وتسعى إلى تحقيق رؤية إسلامية باستخدام وسائل سلمية.
وأصبحت جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة في الأردن، أكبر تكتل سياسي في البرلمان بعد انتخابات أجريت في سبتمبر الماضي لكن معظم المقاعد لا يزال يشغلها مؤيدون للحكومة.
وقال الفراية إن أعضاء الجماعة خططوا لمهاجمة أهداف أمنية ومواقع حساسة في الأردن بهدف زعزعة استقرار البلاد، لكنه لم يكشف عن ماهية هذه الأهداف.
وذكرت قوات الأمن الأسبوع الماضي أنها عثرت على منشأة لتصنيع الصواريخ ومصنع للطائرات المسيّرة يجري فيه تطوير صواريخ قصيرة المدى ووجدت صاروخا واحدا على الأقل جاهزا للإطلاق.
وفي بلد تسوده مشاعر معادية بقوة لإسرائيل، قاد أعضاء الجماعة بعضا من أكبر الاحتجاجات في المنطقة دعما لحركة حماس، التي تنتمي لفرع الجماعة في فلسطين. وشدد الأردن، مثل بعض الدول المجاورة التي تسعى إلى كبح جماح الإسلام السياسي، القيود على الجماعة في العامين الماضيين ومنع بعض أنشطتها.