الخطوط التونسية في مهب الريح.. سعيد يواجه تركة «فساد» الإخوان
على مدى عقد من الزمن، تحولت مؤسسات الدولة التونسية إلى ساحة عبث لحركة النهضة الإخوانية، التي زرعت الفساد في مفاصلها، لإضعاف الشركات الوطنية وإغراقها في الأزمات المالية، تمهيدًا لخصخصتها وبيعها بثمن بخس.
واليوم، تعيش شركة الخطوط التونسية واحدة من أسوأ أزماتها، بعدما نُهبت مواردها، وتراجع أسطولها، وتضخمت ديونها، في مشهد يعكس إرث الإخوان الثقيل.
وفي هذا السياق، كشف الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال لقائه بوزير النقل رشيد عامري، والمكلفة بالإدارة العامة للخطوط التونسية، حليمة خواجة، حجم الخراب الذي لحق بالشركة جراء السياسات الفاسدة التي انتهجها الإخوان.
وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الناقلة الوطنية من الانهيار واستعادة مكانتها التي فقدتها خلال سنوات من العبث الإداري والمالي.
خسائر متراكمة وأسطول متآكل
وتواجه شركة الخطوط التونسية أزمة خانقة تفاقمت خلال العقد الأخير، حيث بلغت خسائرها المتراكمة نحو 2200 مليون دينار (709.6 مليون دولار). وأوضح الرئيس التونسي أن الشركة، التي يُطلق عليها التونسيون اسم «الغزالة»، شهدت تدهورًا غير مسبوق في أوضاعها التشغيلية والمالية منذ وصول الإخوان إلى الحكم.
وأشار سعيد إلى أن أسطول الخطوط التونسية تراجع من 24 طائرة إلى 10 فقط، في حين أن عمليات الفحص الفني للطائرات، التي تستغرق عادةً عشرة أيام فقط لدى الشركات العالمية الكبرى، أصبحت تستغرق في تونس أكثر من 123 يومًا، مما كبّد الشركة خسائر بمليارات الدينارات، كان من الممكن استثمارها في شراء طائرات جديدة وتحسين الخدمات.
فساد وأزمة كفاءة
وفي حديثه عن إدارة الموارد البشرية في الشركة، شدد الرئيس التونسي على أن الانتدابات خلال العقد الماضي تمت وفق الولاءات السياسية والمحسوبية، دون أي حاجة فعلية، مما أدى إلى تفاقم العجز المالي وتردي الخدمات. وأضاف أن الأوضاع داخل الطائرات «غير مقبولة»، وأن مواعيد الإقلاع والهبوط لا تُحترم، والخدمات المقدمة للمسافرين «يمكن أن تكون أفضل بكثير».
وأكد سعيد خلال الاجتماع على ضرورة «إيقاف هذا النزيف بسرعة»، مشددًا على أن الدولة لن تفرّط في الخطوط التونسية، كما لن تسمح بالتفويت في مطار تونس قرطاج الدولي، الذي وصفه بأنه «محط أطماع اللوبيات»، تمامًا كما حدث مع عدة مواقع استراتيجية في العاصمة تونس، من بينها الحي الأولمبي بالمنزه، وملعب الشاذلي زويتن، والمسبح البلدي بساحة باستور، وحديقة البلفيدير.
وأشار إلى أن مطار تونس قرطاج يتمتع بمواصفات لا تتوفر في العديد من المطارات الأخرى، ما يجعله مؤهلًا للتوسعة وتعزيز طاقته الاستيعابية، داعيًا إلى وضع خطة إنقاذ شاملة لإعادة «وهج» الخطوط التونسية، سواء على الأرض أو في السماء.
الإخوان ومحاولة تفكيك الخطوط التونسية
ويرى مراقبون أن حركة النهضة الإخوانية عمدت خلال فترة حكمها إلى إغراق شركة الخطوط التونسية في الفساد، بهدف إفلاسها وبيعها لاحقًا بأسعار زهيدة.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي التونسي نبيل غواري إن الإخوان تغلغلوا في جميع مفاصل الدولة التونسية بعد 2011، وسعوا إلى إنهاك مؤسساتها الكبرى لتمهيد الطريق أمام خصخصتها لصالح جهات نافذة.
وأضاف، في حديثه لـ«العين الإخبارية»، أن الخطوط التونسية كانت إحدى الأهداف الرئيسية لهذه المخططات، حيث تراجع رقم معاملاتها بشكل حاد، وتكبدت خسائر ضخمة بسبب سوء الإدارة المالية وتضخم نفقاتها التشغيلية، مما أدى إلى تفاقم ديونها وتراجع مكانتها كإحدى أبرز الشركات الحكومية في البلاد.
وأوضح غواري أن الشركة أصبحت مرهقة ماليًا بسبب التوظيف العشوائي الذي تضاعف بعد 2011، ما أدى إلى زيادة مصاريفها التشغيلية مقابل انخفاض عائداتها.
دعوات لتطهير المؤسسات
وفي ظل هذه الأوضاع، دعا خبراء ومحللون السلطات التونسية إلى الاستمرار في تطهير المؤسسات الحكومية من آثار سياسات الإخوان وحلفائهم، الذين سعوا إلى استغلالها لتحقيق مصالحهم السياسية والمالية على حساب المصلحة الوطنية.