قضية الرواتب أفاضت الكأس: تلويح كردي بمقاطعة العملية السياسية في العراق

وكالة أنباء حضرموت

 بات طول أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان العراق واستعصائها على الحلّ عنوانا بارزا لتراجع الثقة بين الحكومة الاتحادية وسلطات إقليم كردستان العراق الغاضبة بشدّة من استخدام أطراف سياسية ذات نفوذ في الدولة العراقية للورقة المالية في الضغط عليها ومحاولة دفعها نحو العجز عن تلبية المتطلبات الأساسية للسكان الواقعين ضمن دائرة مسؤولياتها وفي مقدمتها دفع رواتبهم كاملة وبشكل منتظم.

وأصبحت قيادات كردية تعبّر عن غضبها من استخدام مسألة الرواتب كأداة للضغط السياسي عن طريق التلويح بخيارات قصوى تصل حدّ الانسحاب من العملية السياسية العراقية ومقاطعة المشاركة في المؤسسات الاتّحادية.

وتسبّب تشدّد حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني في تمكين الإقليم من حصّته من الموازنة الاتّحادية وتلكئها في تحويل الأموال الكافية لدفع رواتب موظفيه باستخدام ذرائع متنوعة، في اضطراب كبير في دفع تلك الرواتب وخلق أوضاعا اجتماعية صعبة لشريحة الموظفين التي بدأت تعبر عن احتجاجها بشن الإضرابات عن العمل.

وفي مظهر عن حالة الغضب من طريقة تعامل بغداد المالي مع الإقليم، هدد المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هوراماني بالانسحاب من الحكومة الاتحادية “في حال لم تلتزم بصرف رواتب الموظفين بشكل منتظم.”

ويشارك أكراد العراق بمقتضى العرف القائم على تقاسم المناصب بين المكونات العرقية والطائفية والدينية في مؤسسات الدولة الاتحادية من حكومة وبرلمان، بينما يعتبر منصب رئيس الجمهورية أرفع منصب في الدولة واقع ضمن حصّتهم.

وقال هوراماني المنتمي حزبيا إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في مؤتمر صحفي عقده بعد جلسة لمجلس الوزراء في الإقليم إنّ “العراق لم يلتزم بقرار المحكمة الاتحادية والاتفاقات المبرمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، بخصوص رواتب الموظفين.”

وأضاف “إذا استمر التعامل معنا بنفس الأسلوب خلال العام الحالي فسيكون لنا قرار آخر نتخذه خلال الفترة المقبلة.”

وأشار إلى أن “قرار الانسحاب من الحكومة العراقية ليس مستحيلا، ولكن يجب أن يكون هناك اتفاق داخل البيت الكردي بين الأحزاب.”

ويشترك في قيادة الإقليم بشكل رئيسي كل من الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني والحزب الأخير يعتبر مقرّبا من القوى الشيعية القائدة للدولة العراقية، ولذلك فإن توافقه مع شريكه الديمقراطي بشأن الانسحاب من العملية السياسية أمر مستبعد.

وتعليقا على ما ورد على لسان هوراماني، قال صبحي المندلاوي عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني إنّ “التهديد حقيقي وجاء في ظل تنصل وزارة المالية الاتحادية من الاتفاقات المبرمة، وعدم الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية.”

وكانت المحكمة المذكورة قد أصدرت قرارا قبل نحو عام ألزمت فيه الحكومة العراقية بصرف رواتب موظفي ومتقاعدي إقليم كردستان بشكل مباشر على أن يتم “توطين” تلك الرواتب بمعنى تحويلها إلى مستحقيها عبر المصارف الاتحادية.

وتتهم بغداد سلطات الإقليم بعدم الإيفاء بالشروط المتعلّقة بالحصول على استحقاقتها المالية بما في ذلك التصريح بكامل مواردها وتسليمها للحكومة الاتّحادية وضبط القوائم الصحيحة لمتقاضي الرواتب.

وقالت وزارة المالية العراقية في أحدث تعليق لها على المسألة إنها حوّلت إلى حكومة الإقليم مبلغا يقدر بـ340 مليون دولار كرواتب للموظفين عن شهر ديسمبر، معتبرة أنها أوفت بمستحقات عن سنة 2024 وتنتظر قائمة رواتب يناير لتدقيقها.

وعلى الطرف المقابل قالت حكومة إقليم كردستان إنّها أوفت بجميع التزاماتها، وطالبت الحكومة الاتحادية بإرسال المستحقات المالية كاملة.

وخلال اجتماع لمجلس وزراء إقليم كردستان انعقد الأربعاء برئاسة رئيس الحكومة مسرور بارزاني، أشار رئيس ديوان مجلس الوزراء أوميد صباح أثناء تقديمه عرضا حول الوضع المالي لعام 2024 إلى أنه على الرغم من الحق الدستوري ووجود مخصصات في جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية، وقرار المحكمة الاتحادية العليا بصرف مستحقات متقاضي الرواتب في إقليم كردستان أسوة بباقي مناطق العراق وضرورة إبعادها عن الخلافات والمشاكل بين الجانبين، ورغم قرار مجلس الوزراء الاتحادي بتوجيه وزارة المالية الاتحادية للاستمرار في دفع رواتب موظفي الإقليم حتى نهاية العام المذكور، إلا أن الحكومة الاتحادية لم تلتزم بدفع الرواتب كاملة من الموازنة الاتحادية ولم ترسل سوى جزء من المخصصات.

وأوضح صباح أنّه نتيجة لذلك اضطرت حكومة الإقليم إلى سد النقص من إيراداتها الداخلية بالإضافة إلى إرسالها حصة الخزينة الاتحادية من تلك الإيرادات.

وأضاف المندلاوي في تصريحات لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أن “التهديد صريح وحقيقي لأن الطرف الآخر (السلطات الاتحادية) يستغل أزمة الرواتب لأغراض سياسية ولغرض الضغط على حكومة الإقليم وجعلها في موقف محرج أمام شعبها.”

وأشار إلى أن “الحزب الديمقراطي مازال ملتزما بالشراكة مع الأحزاب السياسية في بغداد، ولكن على الطرف الآخر أن يلتزم بقرارات المحكمة الاتحادية الملزمة للجميع لأن الإقليم التزم بكل التعليمات ونفذ كل الطلبات التي طلبت منه.”

وتخشى سلطات كردستان العراق وسكّانه من أن يكون الإقليم مقبلا على سنة جديدة صعبة تتواصل خلالها الأزمة المالية وربما تزداد استفحالا بما يضعه أمام أوضاع اجتماعية صعبة مهدّدة لتماسكه واستقراره في ظلّ ما تقول دوائر كردية عراقية بوجود مؤامرات تحاك ضدّه من أطراف داخلية متواطئة مع قوى إقليمية تعمل على إفشال تجربته في الحكم الذاتي، وذلك في إشارة إلى أحزاب وفصائل شيعية عراقية متحالفة مع إيران وتنظر مثلها إلى قيادة الإقليم باعتبارها صديقة لأعداء الجمهورية الإسلامية ومنافسيها على النفوذ داخل العراق.