"لدي ألف بيت شعري لكني أسكن بالإيجار واعيش قصة حب من طرف واحد"..

الشاعر والمُلحن حسين بايعشوت: الفن سلاحي لمواجهة التحديات وهذه قصة النشيد الوطني

"كل بيت شعري أبنيه كأنه لبنة في صرح يعبر عن هويتي وانتمائي، والتلحين ليس مجرد إبداع موسيقي، بل هو رحلة دائمة للبحث عن أصوات تعبر عن قضايا الناس وآلامهم، والفن الحقيقي يولد من رحم التحديات، وكل صوت يُسكَت هو بداية لصوت أقوى ينادي بالحق"؛ - حسين بايعشوت

الشاعر حسين بايعشوت مهندس النشيد الوطني الجنوبي وسفير الهوية الجنوبية - وكالة أنباء حضرموت

حفظ الصورة
وفاء سيود
وكالة أنباء حضرموت

حسين سعيد بايعشوت، شاعر وملحن مميز من مدينة الشحر مركز الثقافة والفن بحضرموت، يعد أحد الأصوات الفنية التي تركت بصمة واضحة في الساحة الجنوبية. ولد ونشأ في بيئة فنية ألهمته منذ صغره، حيث بدأ كتابة الشعر والتلحين في سن 12 عامًا، متأثرًا بذائقة والده الفنية، وبأعمال عمالقة مثل حسين أبو بكر المحضار ومحمد محفوظ سكران. 

يمتلك مخزونًا شعريًا يتجاوز ألف بيت، يجمع بين العامية والغنائية والوطنية، ما يجعله متفردًا في التعبير عن قضايا المجتمع بروح إبداعية عميقة. لم يقتصر إبداعه على الشعر، بل امتد إلى التلحين، حيث نجح في تقديم أعمال مميزة تعكس الهوية الجنوبية وروحها النضالية. 

أحد أبرز إنجازاته كان دوره في إعداد النشيد الوطني الجنوبي، حيث وضع فكرته ولحنه، بينما كتب كلماته الشاعر محمد سالم بن داود. ورغم التحديات الأمنية والاجتماعية، استطاع أن يخرج بهذا العمل ليصبح رمزًا للهوية الجنوبية وملهمًا للأجيال.  

يُعرف بشخصيته المفعمة بالشغف والالتزام الفني، ورغم تجاربه في حياة البسطاء، لم يفقد ارتباطه بجذوره الفنية العميقة، ما جعله نموذجًا للشاعر الذي يجمع بين الموهبة والتحدي في آنٍ واحد. 

وكالة أنباء حضرموت ألتقت بالشاعر حسين سعيد بايعشوت، وخرجت بهذه الحصيلة.

 

مرحباً أستاذ حسين، نرحب بك في وكالة أنباء حضرموت. بدايةً، هل يمكن أن تُعرّف القراء عن نفسك كشاعر، وملحن، وشاب؟ 

مرحباً بكم، يشرفني اللقاء معكم عبر وكالة أنباء حضرموت، كشاعر: أفتخر بامتلاكي ما يزيد عن ألف بيت شعري، لكنني ما زلت أعيش بالإيجار. الشعر بالنسبة لي ليس فقط كلمات، بل هو وسيلة للتعبير عن الحياة والتحديات التي أواجهها، وكملحن: أعيش حالة فنية متصلة، مثل المرشح الانتخابي الذي لا يتوقف عن البحث عن أصوات وألحان جديدة تضيف روحاً إلى ما أقدمه. الإبداع الفني بالنسبة لي رحلة لا تنتهي، وكشاب: للأسف، شعرت بأن مرحلة الشباب قد اختُطفت مني، لكن ما أذكره بوضوح هو أنني كنت باراً بوالدي، محباً لوطني رغم ما يمر به من ظروف صعبة، ومتمسكاً بديني رغم تقصيري. أحببت الحياة بصدق، لكني اكتشفت أن حبي لها كان من طرف واحد.

 

منذ متى بدأت تكتب الشعر وتجيد التلحين؟ وبمن تأثرت؟ 

 

بدأت بكتابة الشعر ومرافقته بالألحان منذ أن كان عمري 12 عاماً. تأثرت في البداية بالذائقة الفنية لوالدي، التي كانت الأساس في تشكيل ميولي الفنية بشكل عام، ومن ثم تأثرت بشكل كبير بالشاعر والملحن الكبير حسين أبو بكر المحضار، وأيضاً بالشاعر والملحن المبدع محمد محفوظ سكران الكالف. كلاهما ينتميان إلى مدينة الشحر العريقة، التي تُعرف بفنونها وأدبها العميقين، والتي كان لها دور كبير في تغذية إلهامي الفني. 

 

 كتبت كلمات النشيد الوطني الجنوبي، هل يمكنك أن تحكي لنا قصته؟ 

في الحقيقة، لم أكتب كلمات النشيد الوطني الجنوبي، لكن يمكن القول إنني "مهندس" هذا النشيد. وأتذكر أن إحدى المجلات الجنوبية وصفتني بهذا الوصف في مقابلة أجرتها معي. فكرة النشيد ولحنه كانا من إعدادي، بينما كتب كلماته الشاعر القدير محمد سالم بن داود. 

القصة طويلة ومليئة بالتفاصيل التي تحدثت عنها في عدة مقابلات، لكن يمكنني اختصارها هنا. بدأت فكرة النشيد معي منذ الشرارة الأولى للثورة الجنوبية عام 2007. كنت أحتفظ بالفكرة واللحن حتى عام 2012، وهي فترة كانت فيها قبضة الاحتلال قوية وحديدية على مدن الجنوب. 

في عام 2012، قررت التوجه إلى الشاعر محمد سالم بن داود وعرضت عليه المشروع. كنا نتحدث في مكان عمله في السوق، وكان الباعة الشماليون قريبين منا. عندما بدأت بالحديث، طلب مني بن داود أن أخفض صوتي وأغلق الأبواب، لأن تلك المرحلة كانت مليئة بالجواسيس ورجال الأمن القومي، ولأنني كنت ناشطاً في الحراك الجنوبي ومراقباً باستمرار. 

أعطيته اللحن ليكتب الكلمات، واستغرق ذلك سنة وستة أشهر. لم يعلم أحد بالأمر سوى أنا وبن داود. وعندما جاءت مرحلة التسجيل، كانت الظروف الأمنية معقدة وصعبة للغاية. كان علي إقناع صاحب الاستوديو وفرقة الكورال بأن هذا العمل ليس نشيداً وطنياً بل مجرد أغنية لقناة عدن لايف، وذلك للحفاظ على السرية. 

في يوم التسجيل، واجهت ظرفاً أمنياً طارئاً، إذ حذرني جندي جنوبي صادق بأنني ملاحق وعليّ الاختفاء. تأخرت عن التسجيل، لكنني تواصلت مع فريق العمل من رقم آخر وطلبت منهم الاستمرار دون ذكر أي تفاصيل عن الظروف الأمنية. بحمد الله، تمت عملية التسجيل بنجاح رغم بعض الأخطاء الناتجة عن غيابي. 

القصة مليئة بالتحديات والتهديدات التي لا يمكن حصرها هنا. النشيد كان له تأثير كبير، إذ نشر ثقافة وهوية جنوبية قوية بين الطلاب والجامعات والمدارس، وكان بمثابة ضربة قاضية لمشروع الوحدة الزائف في أرض الجنوب. النشيد نجح في ترسيخ الهوية الجنوبية وأصبح رمزاً يجمع كافة المكونات الجنوبية المختلفة. نسأل الله النصر القريب لجنوبنا الحبيب. 

أين يجد الشاعر حسين بايعشوت نفسه: في الشعر العامي، الغنائي العاطفي، أم الوطني؟ 

لا أجد نفسي سوى "شويعراً" وليس شاعراً، وملحناً"، في هذا البحر المتلاطم والعميق. برغم ذلك، أنا موجود على جميع الأصعدة التي تفضلتم بها، سواء في الشعر العامي، الغنائي العاطفي، أو الوطني. 

 

هل تتفق مع من يقول إن الشعر الغنائي قد تراجع؟ 

نعم، أتفق تماماً. الشعر الغنائي تراجع بشكل ملحوظ بسبب المتطفلين عليه، الذين شوهوا هذا الفن وأبعدوه عن أصالته وجماله الحقيقي. 

 

هل تشعر أنك تعرضت للتهميش؟ 

لا، لا أشعر بذلك أبداً. ولله الحمد، أمتلك ألف بيت شعري، وكل بيت من هذه الأبيات كأنما يبني شعرة جديدة في رأس شعري الأسود، الذي تحول إلى الأبيض بفعل الدهشة، لا التعب. كيف لي أن أشعر بالتهميش بينما صورتي تتكرر يومياً في القنوات الفضائية، يهتف باسمي ليل نهار؟ 

ومع ذلك، قررت الابتعاد عن حياة الرفاهية والسكن في بيت بالإيجار لتجربة حياة الناس البسطاء. أردت أن أعيش واقعاً مختلفاً بعيداً عن التطبيل والأضواء. لكن القدر كان له حكم آخر، إذ صُدمت بواقع جديد ذكرني بأنني "مُلحناً مجيداً". وكالمرشح الانتخابي، أبحث دائماً عن صوت جديد يلهمني. 

وفي أحد الأيام، وبينما كنت في نوم عميق، حلمت بأنني مرشح في الانتخابات، أسعى لخدمة الناس ووطني. فجأة، سمعت طرقاً قوياً على باب منزلي بالإيجار، فاستيقظت مفزوعاً. نظرت حولي فاكتشفت أنني كنت أحلم. ثم أدركت حقيقة مريرة: لا الشعر له بيت، ولا اللحن له صوت! حمدت الله على النجاة من هذا الكابوس وقلت:  "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور."