الحكومة المصرية تعيد تشكيل ظهيرها بحزب يجمع تحالف 30 يونيو

وكالة أنباء حضرموت

بدأت الحكومة المصرية تعيد تشكيل ظهيرها السياسي على وقع تحديات داخلية وخارجية تواجه الدولة، بتمهيد الأجواء لتصعيد حزب جديد يحمل اسم “الجبهة الوطنية” يضم شخصيات ظهرت خلال فترة ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان، لكنها تفرقت بعد أن أصاب الخمول الحياة السياسية.

وأُعلن عن الهيئة التأسيسية للحزب نهاية ديسمبر الماضي، وبدأت مكاتب الشهر العقاري على مستوى الجمهورية استقبال المواطنين الراغبين في تحرير توكيلات لاستكمال الإجراءات القانونية لتأسيس الحزب الجديد، وفقا للدستور الذي يشترط جمع خمسة آلاف توكيل على الأقل لتأسيس أيّ حزب سياسي.

وكشف التسليط الإعلامي على وجود حشود شعبية أمام مكاتب التوثيق لإبرام توكيلات لتأسيس الحزب خلال اليومين الماضيين، وجود رغبة من دوائر فاعلة لتقديم حزب “الجبهة الوطنية” إلى الشارع بصورة مغايرة، وأنه ليس حزب السلطة كما يُسوّق البعض، بل هو كيان تأسس برغبة وقناعة شعبية بدليل مشاركة الناس في إنشائه.

وضمت الهيئة التأسيسية للحزب شخصيات بارزة من أطياف مختلفة، بينها ثمانية وزراء سابقين وثمانية إعلاميين وكتاب وسبعة رجال أعمال و15 برلمانيا ومفتي الجمهورية السابق ورئيس مجلس النواب السابق وعشر سيدات وخمسة شباب، فضلا عن عدد من محافظي الأقاليم السابقين وشخصيات تمثل المجتمع المدني.

وتُجمع التوكيلات لتأسيس الحزب باسم عاصم الجزار وزير الإسكان السابق المرشح أن يكون رئيسا لـ”الجبهة الوطنية”، بينما تضم الهيئة التأسيسية ضياء رشوان رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني وعددا كبيرا من رموز الحوار.

وقال مصدر سياسي مقرب من الحزب الجديد لـ”العرب” إنه لن يكون بديلا عن أيّ من أحزاب السلطة، والهدف الأساسي منه تماسك الجبهة الداخلية، وتحديدا تحالف 30 يونيو، والاستعداد المبكر لانتخابات مجلس النواب العام الجاري، حيث يخطط الحزب ليضم أكبر تكتل سياسي للانتخابات دون أن يحظى بالأغلبية.

وظل حزب “مستقبل وطن” يقدم نفسه كظهير سياسي للحكومة، لدرجة أن البعض اعتبره بديلا للحزب الوطني الحاكم خلال فترة الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، بعد أن سيطر على الأغلبية البرلمانية بـ320 مقعدا.

وظلت مشكلة “مستقبل وطن” في أنه يُركز بشكل أكبر على ضم رجال أعمال وكبار العائلات والشخصيات البارزة في كل منطقة، وينتقي منهم نواب البرلمان وأمناء الأقاليم، دون التركيز على باقي الشرائح المجتمعية، حتى بدا للكثيرين أنه حزب الكبار فقط، بعكس الطريقة التي يريد حزب “الجبهة الوطنية” أن يبدأ بها مساره.

ويوحي المشهد الراهن بأن هناك نية لدى السلطة لإعادة تحسين صورة ظهيرها السياسي في نظر الشارع، بلا إقصاء أيّ من أحزابها خشية حدوث انقسام وتجد نفسها في مأزق، فالخلاف بين الأحزاب المقربة منها أخطر من توحد المعارضة ضدها.

وأكد المصدر ذاته أن حزب “الجبهة الوطنية” خطوة لتحريك المياه السياسية الراكدة، وسوف تشهد الفترة المقبلة ولادة أحزاب معارضة، لتحقيق الحد الأدنى من التوازن، وهذا مسار تدعمه دوائر في السلطة استجابة لشخصيات سياسية عقلانية قريبة منها.

وأضاف أن “انتخابات البرلمان المقبلة لن تُفرز حزبا يحظى بالأغلبية المطلقة، لا مستقبل وطن، ولا الجبهة الوطنية، أو غيرهما، وستكون أغلبية مفتتة، وسوف تخوض الأحزاب القريبة من السلطة الانتخابات تحت مظلة حزب الجبهة الوطنية في تكتل واحد، بمواجهة تكتلات المعارضة“.

ويوجد في مصر نحو 87 حزبا سياسيا، بينهم 14 حزبا فقط لهم ممثلون في مجلسي النواب والشيوخ، بالانتخاب أو التعيين، ولم تنجح الأحزاب الأخرى في الوصول إلى البرلمان، “ولن يتكرر ذلك في مجلس النواب المقبل،” حسب المصدر السياسي. ومن المستبعد أن ترفض المعارضة تلك الصيغة، ضمن تفاهمات جرت مع دوائر حكومية، بحيث تظل موجودة على الساحة “بعيدا عن النهج الثوري” الذي يتبناه المعارض المحبوس حاليا والمرشح الرئاسي السابق أحمد طنطاوي، لأن خطابه يميل، أو يتناغم ضمنيا مع جماعة الإخوان، بضرورة رحيل النظام كليا.

وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن غياب رؤية الحزب الجديد مثيرة للريبة، فلا أحد يعرف هل يقدم نفسه على أنه جبهة أم حزب، والأولى تعني أنه ائتلاف يتم التوافق فيه على برنامج سياسي مؤقت لمواجهة ظروف سياسية معينة، أما الحزب فلديه برنامج سياسي محدد يعمل على تحقيقه، وهذا غير واضح.

وذكر لـ”العرب” أن إعادة صناعة حزب جديد للحكومة يدار بنفس طريقة “مستقبل وطن” لا يبشر بخير، والخطر أن يقوم الحزب الجديد باستقطاب أعضاء ونواب أحزاب السلطة، لأن ذلك يُكرّس بقاء الوضع الراهن من دون تغيير، مع أن التحديات تفرض على السلطة فتح المناخ العام وحرية الحركة أمام المعارضة.

وترغب السلطة في وجود معارضة تناكفها بشكل عقلاني وهادئ، في صورة بيانات مناهضة لسياساتها أو ما شابه ذلك، بعيدا عن تقديم هدايا مجانية لتيارات متطرفة، مثل الإخوان، ومقابل ذلك يُسمح لها بتأسيس أحزاب ودخول الانتخابات والمنافسة.

◙ صناعة حزب جديد يدار بنفس طريقة "مستقبل وطن" لا يمكن أن يقوم باستقطاب أعضاء ونواب أحزاب السلطة

ولفت المصدر السياسي ذاته في حديث لـ”العرب” إلى أن “السلطة لا ترغب في تكرار سيناريو انتخابات البرلمان 2020، فلا هي تريد استئثار حزب واحد بالأغلبية، ولا تقبل ضعف عدد المعارضين داخل المجلس، والمستهدف أن يخوض حزب الجبهة الوطنية الانتخابات بقائمة تضم ممثلين لأحزاب داعمة للسلطة لمواجهة المعارضة“. وبينما تتمسك قوى المعارضة بإجراء الانتخابات البرلمانية بنظام القائمة النسبية، أي يتم توزيع المقاعد حسب ما تحصل عليه كل حزب من أصوات، تتمسك أحزاب السلطة بنظام القائمة المغلقة، لأن المعارضة ليست لها أرضية شعبية، وقد لا تحصل على أصوات تمكنها من أن تحصل على مقاعد برلمانية.

ويرى مقربون من الحكومة أن إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة بنظام القائمة المغلقة يعني أن السلطة تتمسك بوجود معارضة في المشهد، لكن الكثير من المعارضين لا يُدركون حجم تراجع شعبيتهم في الشارع، فخطابهم نخبوي ويستهدف شريحة بعينها، وإذا عُقدت الانتخابات بالقائمة النسبية لن يفوزوا وسيتهمون السلطة بتزويرها.

وحاولت المعارضة تشويه صورة الحزب الجديد (الجبهة الوطنية) مستغلة ظهور رجل الأعمال إبراهيم العرجاني في جلسات تأسيسه، والذي أسهم في تأسيس اتحاد القبائل العربية، لكنه توارى عن المشهد بشكل مفاجئ، ولم يتم ضمه إلى اللجنة التأسيسية للحزب، وجرى ضم ابنه عصام العرجاني.

وأكد جمال أسعد لـ”العرب” أن تبعية بعض أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب الجديد لاتحاد القبائل، ينعكس على صورته بشكل سلبي، لأن هناك معارضة لفكرة القبلية، حيث تهدد سلامة توحيد صف المجتمع المصري الذي يحتاجه الوطن في ظل هذه التحديات، ولا بديل عن ابتعاد السلطة عن إعادة إنتاج "مستقبل وطن".

كما أن الفارق الوحيد بين “مستقبل وطن” و”الجبهة الوطنية” هو أن الأول اعتمد في إنشائه على لغة المال والوجاهة الاجتماعية دون انتقاء عناصر لها خبرة سياسية، ويضم الثاني مسؤولين سابقين وشخصيات تملك وعيا أوضح.

ويتمسك أعضاء الهيئة التأسيسية لحزب الجبهة بالترويج للكيان على أنه “ليس معارضا، ولا مواليا،” ولديه رؤية ونهج قائم على حل المشكلات ونقدها، والأولوية لمن لديه الخبرة الحقيقية في كل ملف بعيدا عن لغة المال، ما يوحي بأن حزب الجبهة أقرب إلى بيت خبرة سياسية قبل أن يصبح كيانا حزبيا.