العتيبة في حوار: شراكة الإمارات وأمريكا تتجاوز تعاقب الإدارات
تطور «استثنائي» على طريق العلاقات الإماراتية الأمريكية وصل إلى حدّ باتت معه تلك الشراكة نموذجاً يُحتذى به في التعاون الدولي، يجني ثماره شعبا الدولتين والعالم، من الاقتصاد إلى التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، ومن التبادل الثقافي إلى استكشاف الفضاء.
وفي مقابلة حصرية من العاصمة الأمريكية واشنطن سلط يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية، الضوء على العلاقات القوية بين البلدين في مجالات عدة، والرؤية الإماراتية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مستعرضاً الآفاق المستقبلية لتعاون البلدين في عالم سريع التغير.
وكشف العتيبة عن بلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي مستوى قياسياً قدره 31.4 مليار دولار، ووصول حجم الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة إلى نحو تريليون دولار.
الأكثر من ذلك توقع السفير يوسف العتيبة رؤية العلَم الإماراتي فوق القمر قريباً، قائلا «رؤية العلم الإماراتي على سطح القمر خلال السنوات المقبلة ستمثل معلماً آخر في مسيرة دولتنا الفتية نحو استكشاف الفضاء».
وإلى نص الحوار:
تستعد الولايات المتحدة لانتقال السلطة بين إدارتي الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، والرئيس المنتخب دونالد ترامب، فهل تختلف العلاقات الإماراتية الأمريكية بناءً على الرئيس أو الحزب الحاكم؟
من المألوف أن كل إدارة أمريكية جديدة تستصحب معها وجهات نظر وأوليات سياسية جديدة، أما بخصوص العلاقات الإماراتية الأمريكية فإنها ظلت وستظل ثابتة ووثيقة مع تعاقب الإدارات الأمريكية. وكما نعلم فإن كلمة «المتحدة» هي التي نعرّف بها بلدينا: دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن كونها توصيفاً لعمق الارتباط بين بلدينا. فنحن متحدون في هدفنا المتمثل في جعل العالم والمنطقة أكثر استقراراً وأماناً، ومتحدون في هدف تحقيق الازدهار من خلال تعزيز التبادل التجاري والتعاون في المجال التقني مع تقوية الروابط التجارية.
كذلك نحن متحدون في قيمنا المتمثلة في تشجيع التعايش السلمي وفي التبادل الثقافي والعلاقات في مجال التعليم، ولدينا هدف مشترك آخر وضعناه كركيزة لشراكتنا، وهو العمل على تهيئة مستقبل أفضل وأكثر أمانا وازدهارا لشعوبنا، وسنضع هذا الهدف إطارا لعلاقتنا في الفترة المقبلة.
اليوم يشهد الشرق الأوسط تغيرات كبيرة، مع استمرار الحرب في غزة وخطط إسرائيل ضم مناطق من الضفة الغربية. هل تعتقدون أن هذه التطورات تُهدد عملية السلام برمتها في المنطقة؟
لدى دولة الإمارات اعتقاد راسخ بأهمية الحوار والدبلوماسية من أجل تحقيق الاستقرار وتشجيع مسار إيجابي للمنطقة. فبعد أكثر من عام من الدمار الكارثي الذي يصعب تعويضه في غزة، ومع توسع الصراع في أرجاء المنطقة، فإن المطلوب هو وقف إطلاق النار الفوري والدائم وغير المشروط، وإن كان هذا الهدف قد تأخر كثيرا.
وتدعو دولة الإمارات لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة ورسم خريطة طريق على أساس قيام دولتين بخطة مدروسة لا يمكن التراجع عنها، حيث لا يمكننا قبول العودة للوضع الذي كان سائداً قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لنظل عالقين في دائرة التدمير وإعادة الإعمار. ولذا فإنه من الضروري استغلال كافة القنوات الدبلوماسية المتاحة لكسر دائرة العنف والتشجيع على حل الدولتين بحيث تتعايش فلسطين وإسرائيل جنباً إلى جنب في حالة من التفاهم والسلام والازدهار.
يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية
تُعدّ الولايات المتحدة أحد أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، حيث تعد دولة الإمارات الوجهة الرئيسية للصادرات الأمريكية إلى الشرق الأوسط، وأحد أكبر المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي. كيف تصفون قوة العلاقات الاقتصادية بين البلدين اليوم؟ وما توقعاتكم لتطور هذه العلاقات في المستقبل؟
إن الشراكة الوثيقة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة في مجالي التجارة والاستثمار تقف شاهدةً على متانة علاقات البلدين. فقد وصل إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي (2023) إلى مبلغ قياسي قدره 31.4 مليار دولار، كما وصل حجم الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة إلى مبلغ تريليون دولار.
وتتعاون الشركات الإماراتية والأمريكية في العمل في قطاعات واسعة ذات إنتاجية عالية وتستشرف المستقبل، منها مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء والتمويل والرعاية الصحية.
وإذ إن الدولتين تعملان على تجاوز التحديات واغتنام الفرص في عالم اليوم، فإن النتيجة المرتقبة هي أن يلعب التحالف الاقتصادي بينهما دوراً حاسماً في تشجيع الابتكارات والاستدامة في مختلف المجالات.
تمضي دولة الإمارات بخطى واثقة نحو التحول إلى عاصمة العالم للذكاء الاصطناعي، خاصة بعد الإعلان عن صفقة التعاون بين مايكروسوفت وشركة «G42» الإماراتية. كيف يمكن للتعاون بين البلدين في هذا المجال أن يُعزز الجهود الدولية لتطوير الذكاء الاصطناعي؟ وهل هناك توقعات لشراكات جديدة مشابهة لهذه الصفقة؟
بالفعل، بتوجيهات القيادة الرشيدة، تعمل دولة الإمارات على التحول إلى مركز عالمي ورائد في مضمار التقنيات من الجيل القادم، مثل مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم الحياة واقتصاد الفضاء، والولايات المتحدة هي أهم شركاء دولة الإمارات في تحقيق هذا التحول.
هذه الشراكة في المجال التقني تحقق فوائد عظيمة للبلدين، ونعمل بنشاط لوضع سياسة مشتركة وإطار تنظيمي لحماية الملكية الفكرية والبيانات، مع تيسير الشراكات التجارية وتأمين المصالح الوطنية وتطوير البحوث العلمية.
وتقوم دولة الإمارات بتأسيس شراكات وثيقة مع الشركات الأمريكية الرائدة مثل مايكروسوفت، ونفيديا، وإيه إم دي، وأوبن إيه آي، وآي بي إم، بهدف تسريع وتيرة الابتكارات وتبنّي تقنيات الجيل القادم، ليس لمصلحة الإماراتيين والأمريكيين فحسب، بل لمنفعة البشرية كلها.
يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية
تقوم السفارة الإماراتية في واشنطن بجهود رائعة لتعزيز التقارب بين الشعبين على المستويات الثقافية والرياضية. ومع تزايد شعبية كرة السلة في المنطقة وزيارات الفرق الأمريكية إلى دبي وأبوظبي، كيف ترون تأثير هذه الأنشطة على تعزيز الفهم المتبادل بين دولة الإمارات والولايات المتحدة في المستقبل؟
في الحقيقة، نحن فخورون بالمستوى الذي وصلت إليه الدبلوماسية الرياضية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، حيث ازداد حجم التبادل الثقافي بين الرياضيين في البلدين، إلى جانب تعزيز القيم المشتركة بيننا من انفتاح وتسامح واحترام الآخرين.
وبالإضافة إلى تبادل زيارات فرق كرة السلة فإننا نفخر بما حققناه من تسهيل الزيارات المتبادلة بين الرياضيين الشباب في مختلف أنواع الرياضة.
وعلى سبيل المثال سافر فريق «ذا واشنطن برايد» النسائي الأمريكي لرياضة هوكي الجليد إلى دولة الإمارات لخوض مباريات مع نظيره الفريق الوطني الإماراتي للسيدات، وبحث أوجه التعاون مع مجموعات شبابية في الدولة، بجانب الاطلاع على الثقافة والتراث الإماراتيَّيْن. وبالمثل زار فريق كرة القدم النسائي الإماراتي الولايات المتحدة لحضور برنامج تدريبي لمدة شهر كامل مع فريق كرة القدم النسائي «فلادلفيا إندبندانس». هذه لمحة من جهود السفارة في مجال الدبلوماسية الرياضية.
نستقبل العديد من الاستفسارات حول برنامج «Global Entry» الذي يُعد خطوة مهمة لتسهيل سفر المواطنين الإماراتيين إلى الولايات المتحدة. هل يمكنكم توضيح طبيعة عمل البرنامج؟ وهل هناك مفاوضات حالية مع السلطات الأمريكية لإلغاء التأشيرة بالكامل للمواطنين الإماراتيين؟
أصبح بإمكان المواطنين الإماراتيين الآن التسجيل في برنامج الدخول العالمي «Global Entry» الذي يسمح للمسافرين الحاصلين عليه دخول الولايات المتحدة دون إجراءات مطولة ومعقدة. وهذا البرنامج عبارة عن مبادرة تديرها مصلحة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية (CBM)، وتهدف لتسريع إجراءات دخول المسافرين الحاصلين على بطاقة البرنامج ممن لا يشكلون خطورة كبيرة عند وصولهم لمنافذ الدخول.
ويستطيع الحاصلون على رخصة الدخول بموجب البرنامج تفادي الوقوف في طوابير مراقبة جوازات السفر المعتادة مما يقلص مدة الانتظار ويسهل تجربة السفر. وتمتد صلاحية الرخصة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد. ويتمتع حامل الرخصة كذلك بميزة التخليص الجمركي السريع في 15 موقعاً تابعاً لمصلحة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، في ست دول، ومنها مطار الشيخ زايد الدولي في أبوظبي.
ونحن من هنا نشجع المواطنين الإماراتيين البالغين من العمر 18 عاماً فأكثر الراغبين في دخول الولايات المتحدة، على التقديم لحيازة هذه الرخصة بعد الحصول على تأشيرة الدخول.
وفيما يختص بتأشيرات الدخول والجمارك بالنسبة للمواطنين الإماراتيين فإننا على اتصال مستمر بالسلطات المختصة في الولايات المتحدة من أجل توفير أيسر السبل لمواطنينا، وسنزود الجهات المختصة في الدولة بآخر المستجدات بمجرد الحصول عليها حتى يكون المسافرون على اطلاع.
يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية
تُعتبر الإمارات شريكاً رئيسياً في برنامج «أرتميس» لإرسال البشر إلى القمر، مع تعاون وثيق بين وكالة الفضاء الإماراتية وناسا. كيف تسهم هذه الشراكة في دفع الجهود الدولية لاستكشاف الفضاء؟ وهل هناك خطط مستقبلية لرؤية رائد فضاء إماراتي على سطح القمر؟
تعتبر الشراكة الإماراتية الأمريكية في مجال الفضاء من ركائز الإنجاز العلمي والتقدم، حيث إن شراكتنا مع وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) وغيرها من المنظمات والمؤسسات الأمريكية من شأنها أن تعزز التعاون الذي يدعم رؤيتنا وخططنا المشتركة لتحسين مستوى الأمن والسلامة في الفضاء، وتوسيع نطاق البحث العلمي على مستوى العالم، مع تطوير تقنيات جديدة تسهم في تحسين مستوى المعيشة لكافة البشر.
ومن خلال دورنا في تطوير محطة الفضاء الخاصة باستكشاف القمر، فإننا موقنون برؤية رائد فضاء إماراتي يشارك في إحدى مهام وكالة ناسا ضمن برنامج «أرتميس» في المستقبل. ونتوقع رؤية العلم الإماراتي على سطح القمر خلال سنوات مقبلة، ليمثل معلماً آخر في مسيرة دولتنا الفتية نحو استكشاف الفضاء.
============
السفير يوسف العتيبة في سطور
تقلّد منصبه رسمياً وزيرَ دولة وسفيراً لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية في 28 يوليو/تموز 2008، وتمت ترقيته لدرجة وزير في 2017.
قاد السفير يوسف العتيبة جهود تعزيز العلاقات الإماراتية الأمريكية عن طريق زيادة التعاون بين البلدين، وعلى وجه الخصوص في المجالين الاقتصادي والأمني.
كانت لجهوده القيادية دور رئيس في استكمال اتفاقية 123 الخاصة بالتعاون في مجال إنتاج الطاقة النووية السلمية في عام 2009، واستضافة الإمارات لألعاب الأولمبياد الخاص العالمية في أبوظبي عام 2019.
نتيجة لجهوده في إبرام الاتفاق الإبراهيمي، اختارته مجلة «تايم» المعروفة ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم خلال عام 2020.
منذ أن تقلّد منصب سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة ازداد حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة تجاوزت 70 في المائة، مما عزز مكانة دولة الإمارات باعتبارها أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كذلك عمل السفير يوسف العتيبة على زيادة حجم الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة، وافتتحت مؤسسات أمريكية مرموقة فروعاً لها في الإمارات، ومنها مستشفى كليفلاند وجامعة نيويورك.
دشن السفير يوسف العتيبة برامج في مجالات العمل الخيري وخدمة المجتمعات داخل الولايات المتحدة.
قبل تعيينه سفيرا، عمل يوسف العتيبة مديراً للشؤون الدولية في ديوان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، آنذاك.