علماء يحذرون من الزراعة غير المستدامة وإزالة الغابات
انطلقت في السعودية الاثنين محادثات برعاية الأمم المتحدة ترمي إلى وقف تدهور وتصحر مساحات شاسعة من الأراضي في المملكة، بعدما أطلق علماء تحذيرا صارخا بشأن الزراعة غير المستدامة وإزالة الغابات.
ويعرّف التصحر في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على أنه “تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك التغيرات المناخية والأنشطة البشرية”.
وتؤدي هذه الظاهرة إلى تحويل الأراضي التي كانت منتجة في السابق إلى مناظر طبيعية شبيهة بالصحراء، مما يؤدي إلى تقليص إنتاجية الكتلة الحيوية وتقليص الأراضي الصالحة للزراعة، وبالتالي تهديد الأمن الغذائي.
وعلى الرغم من أن التصحر يُعتبر في الكثير من الأحيان أزمة صامتة وغير مرئية، إلا أنه يزعزع استقرار المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
في كل ثانية، يتم فقدان مساحة تعادل أربعة ملاعب كرة قدم من الأراضي الصالحة بإجمالي 100 مليون هكتار كل عام
وبينما يكون تأثيره الأكثر وضوحا في شكل عواصف الغبار والرمال، فإنه يؤدي أيضا إلى فقدان التنوع البيولوجي، وارتفاع معدلات البطالة، والنزوح البيئي، وحتى النزاعات.
وتوفر الأرض وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، ما يقرب من 95 في المئة من الغذاء في العالم، ومع ذلك فإن ما يصل إلى 40 في المئة من الأراضي العالمية متدهورة الآن، مما يؤثر بشكل مباشر على 3.2 مليار شخص.
وفي كل ثانية، يتم فقدان مساحة تعادل أربعة ملاعب كرة قدم من الأراضي الصالحة بإجمالي 100 مليون هكتار كل عام، بالإضافة إلى أن حالات الجفاف أصبحت أكثر تواترا وشدة مع زيادة بنسبة 29 في المئة في حدوثها منذ عام 2000.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدورة الـ16 لمؤتمر أطراف الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر (كوب 16) بأنها “لحظة حاسمة” لحماية واستصلاح الأراضي والاستجابة للجفاف.
وأنتج آخر اجتماع لأطراف الاتفاقية، قبل عامين في ساحل العاج، التزاما “بتسريع استصلاح مليار هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول العام 2030”.
لكن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر التي تجمع 196 دولة والاتحاد الأوروبي، تنص حاليا على وجوب استصلاح 1.5 مليار هكتار بحلول نهاية العقد لمكافحة الأزمات بما في ذلك الجفاف المتصاعد.
تدهور الأراضي يعطّل النظم البيئية ويجعل الأرض أقل إنتاجية للزراعة، ما يؤدي إلى نقص الغذاء وتحفيز الهجرة
وعشية انطلاق المؤتمر في السعودية، موطن إحدى أكبر الصحاري في العالم، حذر تقرير جديد للأمم المتحدة من أن فقدان الغابات والتربة المتدهورة يقللان من القدرة على التكيف مع تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.
وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر إبراهيم ثياو في التقرير “إذا فشلنا في الاعتراف بالدور المحوري للأرض واتخاذ الإجراءات المناسبة، فإن العواقب سوف تنتشر في كل جانب من جوانب الحياة وتمتد إلى المستقبل، ما يؤدي إلى تكثيف الصعوبات للأجيال المقبلة.”
ويعطّل تدهور الأراضي النظم البيئية ويجعل الأرض أقل إنتاجية للزراعة، ما يؤدي إلى نقص الغذاء وتحفيز الهجرة.
وتعتبر الأرض متدهورة عندما تتضرر إنتاجيتها بسبب الأنشطة البشرية مثل التلوث أو إزالة الغابات. والتصحر هو الشكل الأكثر شدة من أشكال التدهور.
واتهم ناشطون السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، بمحاولة تخفيف الدعوات إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في محادثات المناخ الأممية في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان الشهر الماضي.
ورغم ذلك، فإن التصحّر قضية مزمنة للمملكة.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر تنص حاليا على وجوب استصلاح 1.5 مليار هكتار بحلول نهاية العقد لمكافحة الأزمات بما في ذلك الجفاف المتصاعد
وقال وكيل وزارة البيئة السعودي أسامة فقيها إن المملكة الخليجية تهدف إلى استصلاح 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، من دون تحديد جدول زمني.
وأضاف “نحن دولة صحراوية. نحن معرضون لأقسى أشكال تدهور الأراضي وهو التصحر. أرضنا قاحلة. وهطول الأمطار لدينا قليل جدا. هذا هو الواقع. ونحن نتعامل مع هذا منذ قرون.”
وأوضح أن الرياض تتوقع استعادة “عدة ملايين من الهكتارات من الأراضي” بحلول العام 2030.
وقال فقيها إنه تم استعادة 240 ألف هكتار حتى الآن باستخدام تدابير، تشمل حظر قطع الأشجار غير القانوني وتوسيع عدد المتنزهات الوطنية من 19 في العام 2016 إلى أكثر من 500. وتشمل الطرق الأخرى لاستعادة الأراضي زراعة الأشجار وتناوب المحاصيل وإدارة الرعي واستعادة الأراضي الرطبة.
وأعرب ثياو عن أمله في أن تسفر محادثات “كوب 16” عن اتفاق لتسريع استصلاح الأراضي وتطوير نهج “استباقي” لمكافحة الجفاف.
وأضاف “لقد فقدنا بالفعل 40 في المئة من أراضينا وتربتنا”، مضيفا أن خسائر مماثلة تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وتحفيز الهجرة.
وتابع أن “الأمن العالمي على المحك فعلا، ويمكنك أن ترى ذلك في كل أنحاء العالم. ليس فقط في أفريقيا، وليس فقط في الشرق الأوسط.”
وقال ثياو إن الآلاف من المندوبين تسجلوا لحضور المحادثات في الرياض بما في ذلك “ما يقرب من 100” وزير.
بدأت المحادثات في الرياض بعد أسبوع على اختتام الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 29) في باكو بأذربيجان، حيث اتُهم أكبر مصدر للنفط في العالم بمحاولة تخفيف الدعوات إلى الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري.
وقد أسفرت مفاوضات تغير المناخ في باكو عن اتفاق مرير لتمويل المناخ بقيمة 300 مليار دولار، رفضته الدول الأكثر فقرا المعرضة للكوارث المتفاقمة ووصفته بأنه مخيب للآمال.
وتهكّم اثيو آرتشر مؤلف كتاب “غير مستدام: القياس والإبلاغ وحدود الاستدامة المؤسسية”، على محادثات مكافحة التصحر.
وقال إن هذه التصريحات “جزء من مسرحية مؤتمر المناخ التي لا تستطيع على الإطلاق تيسير العمل السياسي الذي قد يعالج الأزمات الاجتماعية والبيئية التي نواجهها بشكل كاف.”
وأضاف آرتشر، وهو أستاذ مساعد في قسم دراسات المجتمع في جامعة ماستريخت، “يجدر ألا نتوقع أن يسفر كوب 16 عن حل قابل للتطبيق لمشكلة التصحر.”