الأسد أمام أزمة مصيرية لكن ورطة إيران لا تقل خطورة
بعد مرور أيام على الهجوم المفاجئ الذي شنته المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا، لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد في وضع حرج، وتقف تصريحاته عند الحديث عن الصمود والتلويح باستعادة الأراضي التي سيطرت عليها المعارضة، لكنه مازال ينتظر دعما فعّالا من الحلفاء ، وبالأساس إيران.
وتجد إيران نفسها في وضع أكثر تعقيدا وخطورة من وضع الأسد نفسه؛ فالهجوم يستهدف وجودها في سوريا، ومن دول تعتقد أنها حليفة مثل قطر وتركيا، وهو الأمر الذي تحاول تلافي الحديث عنه وإلصاقه بالمؤامرة الإسرائيلية.
وقال الرئيس السوري الاثنين خلال اتصال مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن الهجوم في شمال البلاد محاولة “لتقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد،” وإن “التصعيد لن يزيد سوريا وجيشها إلا إصرارا على المزيد من المواجهة.”
الأسد يعرف جيدا خصومه، لكن المشكلة أن حلفاءه الإيرانيين لا يستطيعون إسناده في مواجهة مخططات الدوحة وأنقرة
ويعرف الأسد جيدا خصومه الإقليميين وخططهم، أي القطريين والأتراك، لكن المشكلة أن حلفاءه الإيرانيين لا يقدرون على إسناده في مواجهة الخطط التي رسمت في الدوحة وأنقرة لتحريك الوضع في سوريا بهدف تحقيق أجندات خاصة. ورغم أن المسؤولين الإيرانيين يعرفون من يحرك خيوط اللعبة ضد وجودهم في سوريا ظلوا يميلون إلى الاتهام السهل والجاهز، وهو اتهام إسرائيل.
أما لماذا يتجنب الإيرانيون اتهام قطر وتركيا بتحريك جبهة المعارضة السورية في وقت حساس، فلأن إيران المعزولة دوليا تعتقد أنها نجحت في كسر العزلة إقليميا وبنت تحالفات مع دول مثل قطر لتتبادل معها الزيارات والتنسيق الدبلوماسي والأمني، وفي الوقت نفسه عمل الإعلام القطري، وخاصة قناة الجزيرة، على تلميع أجندة إيران و”تيار المقاومة”.
ولذلك تُعتبر الصدمة الإيرانية مضاعفة، ولا يستطيع المسؤولون الإيرانيون أن يتهموا أقرب الحلفاء إليهم بالتآمر عليهم وتحريك الجبهة السورية لعزلهم.
وفي اتصاله الهاتفي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تجنب الرئيس الإيراني إطلاق تصريحات شديدة اللهجة أو لوم الدوحة، واكتفى بالقول، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا)، إن “انتشار الانفلات الأمني والإرهاب في المنطقة ليس في مصلحة أي دولة، ويجب على جميع دول المنطقة لعب دور بناء في مواجهة هذه الظاهرة الشريرة.”
أما بالنسبة إلى العلاقة مع تركيا فتعقيداتها الكثيرة، الجغرافية والتاريخية والمصلحية، تجعل التصعيد الإيراني ضد أنقرة أمرا مستبعدا، وقد اتضح ذلك خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية في سوريا، حيث استمرت العلاقات الثنائية على وتيرة عادية رغم تناقض الأجندات على أرض الواقع.
وفي زيارته إلى أنقرة لم يدْع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تركيا إلى وقف الهجوم أو رفع اليد عن المجاميع المسلحة، وإنما حث على التشاور والحوار الوثيق لضمان الاستقرار في سوريا، والحفاظ على مكتسبات مسار أستانة.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك عقده الاثنين مع نظيره التركي هاكان فيدان في العاصمة التركية.
وقال عراقجي “المشاورات في المنطقة بشأن سوريا لها أهمية كبيرة. وفي هذا الصدد، فإن التشاور مع تركيا دائما له أهمية كبيرة.”
وعلى العكس من ذلك تماما، وجد فيدان الفرصة مواتية لبسط شروط بلاده في صيغة تبدو وكأنها مقايضة تربط وقف الهجمات بالمصالحة بين الأسد والمعارضة، ما يعني الالتفاف على المصالح التي حققتها إيران من خلال تدخلها المباشر في سوريا، وهي الإبقاء على الأسد والسيطرة الأمنية على الأرض عن طريق الوكلاء وخاصة حزب الله.
هامش المناورة الميداني لدى إيران بات محدودا جدا، مع التضييق على دخول الميليشيات من ناحية العراق وتخوّف حكومة محمد شياع السوداني من ضربات انتقامية إسرائيلية
والمصالحة هنا تعني أن يقبل الأسد بالحوار مع “الإرهابيين” من موقف ضعف، وما يستتبع ذلك من تغييرات على الأرض من بينها سحب الوجود الأجنبي من سوريا، وبلغة أدق انسحاب إيران وأذرعها والتخلي عن المكاسب التي حققتها.
ورفض فيدان “تفسير أحدث التطورات في سوريا بأنها تدخل أجنبي،” وهو يعني أن الدعم التركي والقطري للمعارضة ليس تأثيرا خارجيا، فيما الوجود الإيراني أجنبي وعليه أن يغادر.
ومن غير المعروف ما إذا كانت تركيا وقطر ستقبلان بالعودة إلى مسار أستانة الذي تدافع عنه إيران وروسيا كواجهة لتأمين بقائهما، أم ستدفعان إلى حوار جديد على قاعدة قرار مجلس الأمن لعام 2015 رقم 2254، بهدف خلط الأوراق وإضعاف دور إيران على وجه الخصوص في أي تفاوض مستقبلي بشأن سوريا.
وما يُكسب خطط قطر وتركيا فاعلية هو أن هامش المناورة الميداني لدى إيران بات محدودا جدا، مع التضييق على دخول الميليشيات من ناحية العراق وتخوّف حكومة محمد شياع السوداني من ضربات انتقامية إسرائيلية، وكذلك عجز حزب الله عن خوض حرب جديدة بعد تفكيك جزء كبير من منظومته القيادية والقتالية في الحرب بينه وبين إسرائيل.
وقالت مصادر لرويترز إن حزب الله “ليس مستعدا لإرسال قوات إلى سوريا في هذه المرحلة” بعد أن أنهى وقف إطلاق النار عاما من الأعمال القتالية مع إسرائيل بما في ذلك الاشتباكات البرية المكثفة في جنوب لبنان.