بعد فوز ترامب.. أي حرب تكنولوجية تنتظر الصين؟

وكالة أنباء حضرموت

لندن - منذ سبع سنوات تقريبًا (20 يناير 2017)، افتتح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عهدته الرئاسية بالضغط على الصين اقتصاديًا، مستخدمًا سلاح الشرائح الإلكترونية. عندها لم يكن الذكاء الاصطناعي مصطلحًا متداولًا، ولم تكن OpenAI قد طورت ChatGPT بعد.

في عام 2017، كانت القيمة السوقية لشركة الرقائق الإلكترونية “نفيديا” 60 مليار دولار، وكان سعر السهم الواحد للشركة 2.36 دولار. الذكاء الاصطناعي وحاجة السوق للشرائح الإلكترونية دفع بسعر الشركة للارتفاع ليتضاعف عشرات المرات. والآن، ما أن أعلن عن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية حتى قفزت أسهم الشركة بنسبة 2.9 في المئة ليصل سعر السهم إلى 139.93 دولار، أي خمسون ضعفًا تقريبًا مقارنة بما كانت عليه عام 2017، ووصلت قيمتها السوقية إلى 3.38 تريليون دولار، لتحتل المرتبة الأولى عالميًا متفوقة على آبل.

هذه الأرقام تعطينا فكرة عن أهمية سوق الرقائق المتقدمة خاصة بعد انتشار الذكاء الاصطناعي، وتدفعنا للتساؤل: أي حرب تنتظر الصين؟

أسهل تبرير يمكن أن يقدمه الرئيس الأميركي لموقفه المتصلب من الصين والتضييق عليها في الوصول إلى الرقائق الإلكترونية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، هو الهاجس الأمني. هذا المبرر قد يقنع المواطن الأميركي العادي ولكنه حتمًا لن يقنع حكومات الدول والخبراء.

فجأة اكتشفت الولايات المتحدة إوزة تبيض ذهبًا، كل ما تحتاجه هذه الإوزة هو الشرائح الإلكترونية السريعة المتطورة، وسيعمل ترامب جاهدًا على حجب هذه الشرائح عن الصين، كي لا تضع يدها على الإوزة.

يدرك ترامب، وهو صديق مقرب من أيلون ماسك، أن الذكاء الاصطناعي سيحل قريبًا جدًا محل البترول من حيث الأهمية والمكانة؛ إن كان البترول حتى وقت قريب العنصر المتواجد في كل آلة، فإن الذكاء الاصطناعي سيأخذ مكانه ليس فقط في الآلات، بل سيكون جزءًا في كل سلعة، حتى في الواقع الافتراضي.

ذكرت العلاقة التي تجمع ماسك مع ترامب لأن اسم ماسك حاضر في أي نقاش يجري حول التكنولوجيا، وهو معروف برؤيته الطموحة للمستقبل، بما في ذلك خططه لإقامة مستعمرات في المريخ وتطوير تقنيات الطاقة المستدامة. كما أنه المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة تسلا، التي تُعنى بتصنيع السيارات الكهربائية ومنتجات الطاقة النظيفة. بالإضافة إلى ذلك، أسس شركات أخرى مثل نيورالينك، التي تعمل على تطوير تقنيات الربط بين الدماغ والحاسوب، وذا بورينغ كومباني، التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية للنقل عبر الأنفاق. وبفضل مشاريعه المبتكرة، أصبح واحدًا من أغنى وأشهر رجال الأعمال في العالم.

كان لماسك دور بارز في حملة دونالد ترامب الانتخابية الأخيرة. ماسك لم يكتفِ بدعم ترامب ماليًا بمبلغ كبير، بل ظهر أيضًا إلى جانبه في عدة فعاليات انتخابية. بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، استمر ماسك في دعمه، حيث أبدى تأييده العلني لسياسات ترامب وأهدافه المستقبلية.

قد تكون علاقة ترامب الذي يطلق عليه لقب “قطب العقارات” بالتكنولوجيا محدودة، ولكن علاقته بإدارة الأعمال عميقة وقوية، ومعروفة عنه شراسته في تصيد الفرص والإمساك بها. وهل هناك فرصة أكبر من الفرصة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، تستحق الإمساك بها؟ وهل هناك شخصية أكثر جرأة من ماسك ليكون مستشارًا غير معلن لترامب خلال وجوده في البيت الأبيض؟

وكان ماسك المعروف بنبوءاته العلمية المتطرفة قد قال على هامش أعمال مبادرة مستقبل الاستثمار التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض نهاية شهر أكتوبر الماضي إن عدد الروبوتات المؤنسنة (الشبيهة بالإنسان) سيتجاوز عدد سكان الكرة الأرضية بحلول عام 2040، مؤكدًا أن العدد سيبلغ نحو 10 مليارات روبوت، ستكون كلفة الواحد منها تتراوح بين 20 – 25 ألف دولار أميركي.

وأضاف: “ستكون هذه الروبوتات قادرة على القيام بالمهام اليومية للبشر، وستكون أسعارها في المتناول في ذلك الوقت، وبرمجتها بناء على حاجة المستهلك النهائي لها”.

لابد أن نبوءة مثل هذه ستثير خيال رجل الأعمال في ترامب قبل أن تثير خيال الرئيس فيه، وقد يلجأ لكل الحيل ليضمن أن حصة الصين من جوقة الروبوتات محدودة.

ترامب ليس الوحيد في الإدارة الأميركية الذي يؤمن بضرورة تفوق الولايات المتحدة التكنولوجي. في أكتوبر الماضي، ألقى مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، كلمة حول آفاق الذكاء الاصطناعي في جامعة الدفاع الوطني، من أهم ما جاء في الكلمة أن الولايات المتحدة يجب أن “تفرغ” العالم من الأشخاص القادرين على العمل في هذا المجال وأن تأخذهم “حيثما أمكن ذلك”.

ويمضي سوليفان ليقول: “في هذا العالم، سيحدد استخدام الذكاء الاصطناعي المستقبل، وكما كان سيقول الجنرال أيزنهاور، يجب على بلادنا أن تطور عقيدة جديدة لضمان أن يعمل الذكاء الاصطناعي لمصلحتنا وقيمنا، وليس ضدنا”.

لتحقيق ذلك، يجب أن يتم تصنيع جميع “الرقائق المتقدمة” من قبل الشركات الأميركية أو أن يتم التحكم في توزيعها من قبل الولايات المتحدة؛ ويجب إنشاء بنية تحتية كاملة لتشغيل الذكاء الاصطناعي الحديث في الولايات المتحدة.

الصين التي نجحت بتصنيع كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، لماذا فشلت خلال السنوات الأربع الأخيرة في تصنيع الرقائق الإلكترونية لتحقيق الاكتفاء الذاتي منها

وعلى المسؤولين الحكوميين “العمل بشكل وثيق مع مطوري الذكاء الاصطناعي في القطاع الخاص لضمان حصولهم على خدمات الأمن السيبراني ومكافحة التجسس في الوقت المناسب للحفاظ على التكنولوجيا الخاصة بهم”. و”أما المنافس والخصم الرئيس فهو الصين”.

فهل تبقى الصين بعد أن كشفت الولايات المتحدة عن نواياها مكتوفة الأيدي؟

الصين التي نجحت بتصنيع كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، لماذا فشلت خلال السنوات الأربع الأخيرة في تصنيع الرقائق الإلكترونية لتحقيق الاكتفاء الذاتي منها.

الصين في حقيقة الأمر لم تقف مكتوفة الأيدي، لقد بدأت رحلتها مع تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات منذ 7 سنوات، أي مع بداية عهدة ترامب الأولى. واليوم لا نعلم بالضبط أين وصلت في عملية تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات، ولكن ما نعرفه أن بكين أطلقت صندوق تمويل لتطوير صناعة الشرائح المتقدمة، وتسعى لتطوير قدراتها الذاتية في هذا المجال وتقليل الاعتماد على الواردات، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية، وهي في طريقها لبناء 31 مصنعا جديدا للرقائق قبل انتهاء عام 2024 الذي أوشك على الانتهاء، ردا على قانون أصدرته الولايات المتحدة يعرف باسم قانون “الشريحة الأميركي”.

البحث لن يقودنا لمعرفة أين وصلت الصين في مشروعها الطموح هذا، فهي تلتزم السرية والكتمان في أي أمر يتعلق بالتكنولوجيا. ولكن لن يكون صعبا الاستنتاج بأنها تتعثر في تحقيق طموحها والاستغناء عن الشركات الأميركية.

ولن يكون صعبا الاستنتاج بأن محاولة الصين الاعتماد على نفسها بالرقائق تعترضها عقبات عديدة. أولها إن إنتاج الرقائق المتطورة يتطلب استثمارات ضخمة في المعدات والتكنولوجيا. الصين تعتمد على معدات قديمة ومطورة محليًا، مما يزيد من تكلفة الإنتاج مقارنة بالشركات العالمية مثل TSMC التايوانية.

وباستخدام تكنولوجيا قديمة ستكون نسبة العائد منخفضة، وتنتهي إلى إتلاف عدد  من الرقائق يفوق عدد الرقائق الصالحة للاستخدام بسبب العيوب الناتجة مما يفقد عملية الإنتاج قيمتها.

القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين أعاقت حصولها على المعدات الحديثة اللازمة لإنتاج الرقائق المتطورة. هذه القيود تهدف إلى إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني.

ويبدو أيضا أن الحكومة الصينية تعوزها الخبرات والمهارات العالية في مجال الهندسة والتكنولوجيا، وتواجه تحديات في جذب وتطوير الكفاءات اللازمة لدفع صناعة الرقائق للأمام.

من المتوقع أن يتخذ دونالد ترامب موقفًا متشددا تجاه الصين في مجالات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، في حال اختار الاستمرار في سياساته السابقة. وكان ترامب قد فرض خلال فترة رئاسته الأولى، قيودًا صارمة على الشركات الصينية مثل هواوي، ومنعها من الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المتقدمة.

لن يتساهل ترامب في حماية إوزته التي تبيض ذهبا، ولن يبخل في سبيل تعزيز التفوق الأميركي في هذا المجال من إنفاق مبالغ كبيرة وزيادة الاستثمارات في البحث والتطوير، وفرض قيود إضافية على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين. كما قد يعمل على تعزيز التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ التكنولوجي الصيني المتزايد.

بشكل عام، يمكن أن يؤدي هذا التصعيد إلى المزيد من التوترات بين البلدين، خاصة إذا استمرت الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات تهدف إلى الحد من تقدم الصين في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

هذه السياسة العدائية لا تخلو من مخاطر، وقد  ينقلب  السحر على الساحر، القيود الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، أثرت سلبا على شركات مثل إنتل وكوالكوم التي تعتمد على السوق الصينية لتصريف منتجاتها. وهو ما أدى إلى خسارة كبيرة في إيرادات هذه الشركات.

ومع سعي الصين لتطوير بنيتها التحتية التقنية الذاتية، قد تفقد الشركات الأميركية حصتها في السوق الصينية. وقد يعزز هذا التوجه من قدرة الصين على الاستغناء عن التكنولوجيا الأميركية تدريجيًا، ويزيد من التحديات أمام الشركات الأميركية في الحفاظ على تنافسيتها.

التوترات قد تدفع الشركات الأميركية إلى زيادة استثماراتها في البحث والتطوير لتعزيز قدراتها التكنولوجية والبقاء في الطليعة. هذا يمكن أن يكون إيجابيًا على المدى الطويل، لكنه يتطلب موارد كبيرة ويزيد من الضغوط المالية على الشركات.

وقد تشجع القيود والتوترات على تقليل التعاون الدولي في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي، لتجد الولايات المتحدة نفسها أخيرا في شبه عزلة، خاصة أن الصين بدأت في كسب حلفاء جدد وتسوية خلافاتها مع دول مثل اليابان والهند، في محاولة لتخفيف الاحتكاكات الدبلوماسية والاستعداد لأي تهديدات تجارية محتملة من إدارة ترامب. وهي تتعامل بحذر وهدوء مع فوز ترامب، حيث تسعى إلى تعزيز صناعاتها المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات الأميركية، بالإضافة إلى استكشاف أسواق بديلة لبضائعها.

تحدي الكاوبوي الأميركي للتنين الصيني قد لا يكون في النهاية مأمون العواقب.