المسيرات تفرض واقعا أمنيا مربكا في الأردن

وكالة أنباء حضرموت

أعلن الأردن خلال الأيام القليلة الماضية عن سقوط طائرات مسيرة “مجهولة المصدر” شمال البلاد. وهو إعلان أثار مخاوف أمنية جديدة لدى المملكة، لاسيما مع موقعها الجغرافي المتوسط لصراعات المنطقة، ما يستدعي تعزيز منظومتها الدفاعية.

وكان الأردن كشف خلال السنوات الماضية عن إسقاطه أعدادا كبيرة من المسيرات التي كانت تطلق بقصد التهريب، وخاصة تهريب المخدرات. لكن الواقع الأمني في المنطقة، جراء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 وما تثيره من مواقف مناهضة من جهات مختلفة، يحتم على عمان التعامل مع ما يجري بأسلوب غير اعتيادي.

وهو ما أقر به متحدث الحكومة محمد المومني، في بيان السبت، تعليقا على سقوط ثلاث مسيّرات في ثلاثة أيام. واعتبر المومني أن ذلك “تهديد يتعامل الأردن معه ضمن قواعد الاشتباك العسكرية، ويتخذ الإجراءات الضرورية كافة للتصدي لهذه الانتهاكات”.

وأعلن الجيش الأردني، الثلاثاء والخميس الماضيين، سقوط ثلاث مسيرات “مجهولة المصدر” في مناطق خالية من السكان شمالي البلاد دون إصابات.

وتزامنت الحادثتان مع استمرار جهات مختلفة في شن هجمات على إسرائيل؛ ردا على الحملة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة منذ عام، والتي طالت لبنان.

واقع إقليمي معقد

“فُرض على الأردن أن يكون متأثرا بالواقع الإقليمي المعقد”.. هكذا بدأ الخبير العسكري والإستراتيجي الأردني نضال أبوزيد، الذي قال إن “الموقع الجغرافي للمملكة في قلب صراعات إقليمية وحالة انفلات أمني شمالا في سوريا وشرقا في العراق، تـضاف إلى ذلك إرهاصات العملية العسكرية لإسرائيل جنوب لبنان وفي الأراضي المحتلة”.

وبعد اشتباكات مع فصائل في لبنان، أبرزها حزب الله، بدأت إسرائيل في شن عملية عسكرية في لبنان منذ 23 سبتمبر الماضي، طالت معظم مناطق البلد بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه.

وشدد أبوزيد على أن هذا الواقع الإقليمي المعقد “بدأ ينعكس على الأردن من خلال تهديد المسيّرات التي تسقط داخل أراضيه”. وأضاف أن “خطر المسيّرات بدأ يتصاعد في ظل تبادل الرد بين إيران ووكلائها والجانب الإسرائيلي، حيث لا يعتبر الأردن هدفا لها”.

وأوضح أن “فقدان السيطرة عليها أو فقدان توجيهها، قد يؤدي إلى سقوطها في الأراضي الأردنية كما حصل قبل أيام في محافظتي إربد وجرش (شمال)”.

وأكد الخبير العسكري الأردني أن هذا الأمر “بات يشكل تهديدا واضحا عبّر عنه الأردن أكثر من مرة بخطابه الإعلامي الرسمي برفض أن تكون المملكة ساحة حرب لأي طرف”.

وفيما يتعلق بمصدر المسيّرات، قال أبوزيد “هناك مصدران، فأول اثنتين (في إربد) كانتا من قبل الميليشيات الشيعية المنتشرة جنوب سوريا، والثالثة (في جرش) من الميليشيات الشيعية المنتشرة في العراق وتستهدف الأراضي المحتلة”.

وتابع “برز مؤخرا أيضا مصدر آخر لهذه المسيّرات، وهو جنوب الأراضي المحتلة (إسرائيل)، وتم الإعلان رسميا أكثر من مرة عن إسقاط مسيّرات على الواجهة الجنوبية الغربية”.

ورأى الخبير العسكري أن “هذا التهديد يختلف عن التهديدات السابقة من العراق وسوريا؛ حيث يقتصر على محاولات تهريب المخدرات من جنوب الأراضي المحتلة إلى المملكة”.

وفي الحالة الأخيرة أكد أن “الاحتلال يتحمل مسؤولية ضبط حدوده، بدلا من الاستمرار بالتصريحات الإعلامية عن وجود محاولات إيرانية لاستغلال الحدود الأردنية لتهريب السلاح”.

و”ذلك يندرج في إطار المناكفة الإعلامية الإسرائيلية للأردن، ومحاولة الهروب من واقع انفلات الحدود من الجانب الإسرائيلي واستغلالها بتهريب المخدرات عبر المسيّرات التي زادت مؤخرا”، كما أردف أبوزيد.

وأشار إلى أنه “في ظل هذا الواقع، لا يزال الأردن يتعاطى مع ملف المسيّرات كملف أمني بامتياز، سواء من قبل الحدود الشرقية والشمالية أو حتى من قبل الحدود الغربية”.

وأكد أن “الأردن ذهب إلى أبعد من التعاطي الدبلوماسي؛ إذ طور أدواته العسكرية وقواعد الاشتباك، للتعامل مع هذه الحوادث. والواقع الأمني منضبط إلى غاية الآن”.

ارتدادات الصراع

قال الكاتب والمحلل السياسي عبدالحكيم القرالة “إن ما يجري في المنطقة من تداعيات وتمدد لرقعة الصراع ينذر بعواقب وخيمة على الجميع، في ظل اطراد العمليات العسكرية من مختلف الأطراف وتنوع أساليبها”.

وأوضح القرالة أن “الأردن جغرافيّا ليس بمنأى عن ارتدادات وتداعيات ذلك، غير أنه كان واضحا وحاسما بأنه لن يكون ساحة حرب أو صراع لأي طرف وتحت أي ظرف”.

وأردف “من المعروف أن الأردن مستهدف من بعض القوى الإقليمية (لم يحددها) عبر ميليشيات مسلحة على حدود المملكة، تنتهج استهدافه عبر تهريب الأسلحة والمخدرات، وتريد أن يكون لها تأثير ونفوذ في الداخل الأردني كما في دول عديدة في المنطقة”.

واستطرد “الأردن أكد أكثر من مرة وبشكل حاسم وقوي أنه لن يكون، بحكم موقعه الجغرافي، ساحة حرب أو طرف في أي نزاع، وأوصل رسائل قوية لكل الأطراف المعنية بهذا الصراع”.

وفضلا عن حربيها على غزة ولبنان، تتبادل إسرائيل ضربات جوية مع كل من إيران وجماعة الحوثي اليمنية، وسط تحذيرات من اندلاع حرب إقليمية واسعة.

و”مما لا شك فيه أن المسيّرات التي تستهدف الأردن تعد تحديا أمنيا، وبالتالي توجد حاجة إلى تعزيز القدرات العسكرية، خصوصا المنظومة الدفاعية؛ لتجنب الأخطار والتبعات، وحماية أمن الوطن والمواطنين”، حسب القرالة.

وأعرب القرالة عن اعتقاده في أن “الجيش الأردني متنبه لهذا الأمر، ويتعاطى وفق قواعد الاشتباك الملائمة في مثل هذه الظروف”.

وخلال 2023، وتحديدا قبل بدء حرب غزة بأشهر قليلة، أسقط الجيش الأردني مسيّرات كان دخولها يقتصر من الجانب السوري لغايات التهريب، باستثناء واحدة حملت مواد متفجرة.