مساع قطرية للتحول إلى مركز مالي لمواكبة جيرانها الخليجيين

وكالة أنباء حضرموت

يعكف المسؤولون القطريون على تقديم امتيازات مغرية للشركات الأميركية في وول ستريت في إطار خطة طموحة لتحويل المدينة إلى مركز مالي بارز في منطقة الشرق الأوسط.

وعُرضت على بعض الشركات المالية إعانات نقدية تتيح لها تحديث مقراتها في العاصمة الدوحة بما يتناسب مع احتياجاتها، فيما أُبلغت شركات أخرى بأن الحكومة ستتكفل بأجور بعض موظفيها إذا وسعت أنشطتها داخل المدينة.

وقال الشيخ علي الوليد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لوكالة استثمر في قطر التي تصف نفسها بأنها “جهة مرافقة لرواد الأعمال والشركات المهتمة بالاستثمار” في البلاد، “لطالما كان نهجنا هو التركيز على ما نراه ميزة تنافسية.”

وعلى عكس دبي وأبوظبي والرياض، التي تُعد مراكز مالية بحد ذاتها حاليا مع استقطابها كبار المستثمرين العالميين، تُعرف قطر بدورها كوسيط في النزاعات الجيوسياسية، وتعتمد بشكل كبير على إيرادات الغاز في تسيير شؤون اقتصادها.

ومع ذلك فإن البلد الخليجي، بعد إنفاق أكثر من 300 مليار دولار لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، يتوقع تدفقاً نقدياً كبيراً بالتزامن مع توسعه في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.

وكشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ الجمعة أن الحكومة القطرية تعتزم استخدام جهازها للاستثمار (صندوق الثروة السيادي) الذي تبلغ قيمة أصوله 524 مليار دولار، كأداة رئيسية لدفع طموحاتها.

وأفادت المصادر بأن الجهاز قد يبدأ في تشجيع صناديق الأسهم الخاصة والبنية التحتية على إنشاء مقار لها في البلاد، مستخدماً ثقله كمستثمر لجذبها.

وتلوح في الأفق مؤشرات على تصاعد وتيرة المحادثات الاستثمارية في بعض القطاعات، التي يمكن أن تبني قاعدة عمل في قطر تساعد على المنافسة مع جيرانها الخليجيين.

وخلال منتدى قطر الاقتصادي الذي عُقد هذا الأسبوع قال خالد العبيدلي، رئيس الهيئة العامة لتنظيم القطاع العقاري، “التقيت بعدد من المستثمرين الكبار، من ضمنهم جهاز قطر للاستثمار نفسه، وبروكفيلد وبلاكستون.”

وأضاف “كانت جميع أسئلتي تدور حول: ما هي خطة أعمالكم؟ وما الذي يدفعكم لاتخاذ قرار الاستثمار؟” وتابع “حتى نتمكن كحكومة من فهم ذلك، والتأكد من توفر المتطلبات الأساسية اللازمة لتلك الاستثمارات.”

وفي هذا السياق أطلقت استثمر في قطر حزمة حوافز جديدة لجذب الشركات العاملة في مجال إدارة الأصول والتأمين وإدارة الثروات والتكنولوجيا المالية إلى قطر.

ويُعرف البرنامج باسم “حزمة لوسيل للخدمات المالية”، وهو جزء من مبادرة شاملة بقيمة مليار دولار، ويتيح للدوحة تغطية ما يصل إلى 40 في المئة من تكاليف الاستثمار المحلية للشركات على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، بحسب بيان استثمر في قطر.

كما يُشجع البرنامج على تأسيس مكاتب للشركات في مدينة لوسيل، التي تُعد الحي المالي والتجاري الرئيسي في البلاد. ولا تقتصر الخطة على قطاع المالية فحسب، بل تشمل أيضاً شركات التكنولوجيا والخدمات اللوجستية والتصنيع المتقدم.

ومع ذلك، لا تزال الدوحة متأخرة عن المراكز المالية الأخرى في المنطقة. فمدينتا دبي وأبوظبي في الإمارات تتيحان سهولة الحصول على إقامات طويلة الأجل، وتوفران نمط حياة يفضله بعض المغتربين.

كما أن العديد من الشركات التي تتواجد بالفعل في منطقة الخليج قد تتردد في فتح مكتب إضافي في قطر ما لم تكن هناك أعمال كبيرة تستدعي ذلك.

وقال الشيخ علي إن “حجم الحصة ينمو بوتيرة سريعة جداً. والعديد من المشاريع تعود في الواقع لشركات أجنبية تأسست في البداية، على سبيل المثال، في الإمارات أو السعودية، ثم قررت لاحقاً التوسع إلى قطر.”

وتبرز مؤشرات مبكرة تُظهر أن جهود الدوحة تؤتي ثمارها. ففي هذا الأسبوع تحديدا أعلنت شركة آشمور غروب المتخصصة في الأسواق الناشئة عن نيتها لافتتاح مكتب في قطر، مقتفية أثر غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز التابعة لمجموعة بلاك روك.

وعلى عكس السعودية، التي اشترطت على شركات وول ستريت الحصول على ترخيص مقر إقليمي داخل البلد كشرط أساسي للتنافس على العقود الحكومية، اختارت قطر اتباع نهج أكثر ودية في استقطاب هذه الشركات.

وقال الشيخ علي إن “الهدف الأساسي هو تحفيز الشركات على تأسيس وجود فعلي لها في قطر.” وأضاف “نحاول أن نكون جهة تنافسية ونعمل على تشجيع الاستثمار من خلال تقليل حجم المخاطر.”

جهاز الاستثمار قد يبدأ في تشجيع صناديق الأسهم الخاصة والبنية التحتية على إنشاء مقرات، مستخدما ثقله كمستثمر لجذبها

وبرز صندوق الثروة بالفعل كإحدى الركائز الأساسية في هذه الجهود، فقد أطلق العام الماضي ما يُعرف ببرنامج “صندوق الصناديق”، والذي يوفر تمويلاً أوليا لشركات رأس المال الجريء على أمل أن يتم استثمار هذه الأموال محليا.

وكانت شركة يوتوبيا كابيتال مانجمنت، ومقرها لندن، من أولى الجهات التي حظيت بهذا الدعم، وقد أعلنت في فبراير الماضي عن خططها لافتتاح مقرها الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط في الدوحة.

وتبعتها بعد ذلك بأسابيع شركات أخرى مثل بي كابيتال، التي أسسها المؤسس المشارك لفيسبوك إدواردو سافرين، وراج جانغولي، المستثمر السابق في باين كابيتال.

وكان الحماس بشأن آفاق الدوحة واضحاً خلال منتدى قطر الاقتصادي. وقال رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني خلال الفعالية “قال لي صديقٌ ذات مرة إن بطولة كأس العالم كانت أشبه باكتتاب عام أولي بالنسبة لقطر. وأعتقد أنها كانت، بفضل الله، عملية اكتتاب ناجحة للغاية، وقد فاقت التوقعات.”

ولم تتوقف وتيرة التطوير في البلد الخليجي بعد انتهاء مونديال 2022 رغم أنها مرت بفترة خمول عقب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فعلى مدار أعوام فازت الدوحة باستضافة فعاليات رياضية، ما ساهم في جذب آلاف الزوار إلى أراضيها.

وفي الوقت الحالي تراهن الحكومة على سلسلة من المؤتمرات والمعارض لاستقطاب المزيد من الزوار والمسافرين للسياحة العلاجية ومن رجال الأعمال كذلك.

وقال جيف بلاو، الرئيس التنفيذي لشركة التطوير العقاري ريليتد كوس أثناء مشاركته في المؤتمر هذا الأسبوع، “نبني أربعة فنادق إكوينوكس في السعودية، وواحدا في أبوظبي، وآخر في دبي. وفي الكواليس، أعتقد أننا ربما توصلنا إلى اتفاق بشأن الدوحة.”