استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية ورقة واشنطن للضغط على البرهان
فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على السودان، بعد أن تأكدت من استخدام الجيش أسلحة كيميائية العام الماضي في حربه ضد قوات الدعم السريع، في رسالة تظهر أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قد حسمت أمرها بتحميل قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان مسؤولية استمرار الحرب وممارسة ضغوط شديدة عليه لوقف الحرب خاصة بعد وقوفه وراء إفشال لقاءات تفاوض سابقة.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن اختيار طريق العقوبات يتماشى مع منهج الرئيس ترامب للضغط على بعض الدول وتحفيزها لتقديم تنازلات في ملفات معينة، وفي حالة السودان لن تبذل الإدارة الأميركية جهودا كبيرة، إذ جرى تقديم ما يعزز رؤيتها في استخدام الخشونة وحدها، ووضع الليونة على الرف إلى حين إشعار آخر، حيث اعتادت إدارات سابقة استخدام الأداتين أو التلويح بهما معا.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن إعلان واشنطن فرض عقوبات على السودان يقلل من فرص العودة إلى الحوار، ويضع عراقيل سياسية واقتصادية أمام كامل إدريس رئيس الحكومة المعين مؤخرا، وكان أحد أسباب وقوع الاختيار عليه هو تحسين وجه قيادة الجيش السوداني خارجيا، والشروع في عملية انفتاح واسعة على الولايات المتحدة.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، إنها ستفرض عقوبات على السودان بعد ثبوت استخدام أسلحة كيميائية خلال صراع الجيش مع قوات الدعم السريع، في انتهاك للمعاهدات الدولية، وستدخل العقوبات حيز التنفيذ قريبا، وتشمل قيودا على الصادرات الأميركية إلى السودان، وعلى الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية الأميركية.
ودعت الولايات المتحدة حكومة السودان إلى وقف استخدام الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وأنها ملتزمة التزاما كاملا بمحاسبة المسؤولين عن المساهمة في انتشار الأسلحة الكيميائية. وأبلغت وزارة الخارجية الكونغرس بهذا القرار، وأمام المشرّعين أسبوعان للنظر فيه، وحال عدم وجود اعتراضات فالعقوبات ستدخل حيز التنفيذ في السادس من يونيو.
وأكد أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات في منشور عبر حسابه الرسمي في منصة إكس، الجمعة، أن لا حل إلا بوقف فوري للحرب في السودان. وقال قرقاش “العقوبات الأميركية على الجيش السوداني بسبب استخدامه للسلاح الكيماوي ضد مواطنيه تضع النقاط على الحروف. لا حل إلا بوقف فوري للحرب ومسار سياسي يفضي إلى حكومة مدنية مستقلة.”
وقام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وفقًا للأمر التنفيذي رقم 14098، الذي ينص على “فرض عقوبات على أفراد معينين يقومون بزعزعة استقرار السودان ويعرقلون الهدف من الانتقال الديمقراطي.”
وقال نائب وزير الخزانة الأميركية والي أديمو إن الخطوة تعكس التزاما برؤية نهاية لهذا النزاع. وستستمر الولايات المتحدة في استخدام أدواتها لتعطيل تدفق الأسلحة إلى السودان ومحاسبة القادة على تجاهلهم الفاضح لأرواح المدنيين، لافتا إلى أن الجيش قام بشن هجمات مميتة على المدنيين، بما في ذلك غارات جوية استهدفت البنية التحتية، مثل المدارس والأسواق والمستشفيات.
كما خلصت الولايات المتحدة إلى أن أعضاء من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية، وفرضت عقوبات على بعض القيادات، بما في ذلك قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في وقت سابق، نقلا عن مسؤولين أميركيين، أن الجيش استخدم أسلحة كيميائية خلال الصراع مع قوات الدعم السريع، مرتين على الأقل ، ونشرها في مناطق نائية من البلاد.
وقررت واشنطن في الرابع والعشرين من أبريل الماضي بموجب قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقضاء على الحرب لعام 1991 أن حكومة السودان استخدمت أسلحة كيميائية العام الماضي، من دون أن تحدد نوع الأسلحة المستخدمة وموعد ومكان استخدامها على وجه الدقة.
وقال وزير الثقافة والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الإعيسر، الجمعة، إن الحكومة السودانية تتابع وباستنكار شديد ما صدر عن واشنطن من اتهامات وقرارات “تتسم بالابتزاز السياسي وتزييف الحقائق بشأن الأوضاع في السودان.”
ورأت دوائر سودانية مراقبة أن اتجاه الإدارة الأميركية لفرض عقوبات يجب التعامل معه بجدية من جهة البحث عن فرصة للعودة إلى طاولة المفاوضات، لأن مناطحة واشنطن سوف تزيد الأمور تعقيدا، لأن الجيش لن يتمكن من تفعيل خيارات لوّح بها من حين إلى آخر، والتي تتعلق بتطوير العلاقات مع روسيا وإيران.
وتحظر العقوبات جميع المعاملات التي يقوم بها أميركيون أو التي تتم داخل الولايات المتحدة أو عبرها، وتتعلق بأيّ ممتلكات أو مصالح تخص أشخاص معينين أو محظورين بطريقة أخرى، وتؤدي انتهاكات العقوبات إلى تطبيق عقوبات مدنية أو جنائية على الأميركيين والأجانب، ويحق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية فرض عقوبات مدنية على انتهاكات العقوبات بناءً على مبدأ المسؤولية المطلقة.
وقال عضو هيئة محامي دارفور المعز حضرة لـ”العرب” إن العقوبات الأميركية سوف يتحمل تداعياتها الشعب السوداني، وإن طرفي الصراع (الجيش والدعم السريع) جرى فرض العديد من العقوبات من قبل عليهما، ولم يتضررا منها كثيرا، مع حماية أموالهما خارج السودان، وسوف يعاني المواطنون وحدهم من صعوبات تتعلق بمعاملاتهم التجارية العادية، كما أن العقوبات تضع المزيد من المحاذير على التعامل مع أجهزة الدولة السودانية، وهو ما يدفع المواطنون ثمنا باهظا له.
وأوضح أن الصدى الإعلامي للعقوبات الأميركية أكثر من الصدى العملي على الجيش، وإذا كانت واشنطن والأمم المتحدة جادتين في وقف الصراع لألزمتا الطرفين بوقف الحرب، وكان يمكن الضغط باتجاه إدخال المساعدات الإنسانية في ظل أوضاع المجاعة التي تعاني منها قطاعات واسعة، ما يجعل العقوبات معنوية أكثر من كونها مادية ولها تأثير واضح على الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع.