جهود مصر لتطوير السياحة تصطدم بالتحديات البيئية

وكالة أنباء حضرموت

 يوصف شاطئ رأس حنكوراب على ساحل البحر الأحمر في جنوب مصر، بمياهه الصافية ورماله البيضاء المنبسطة، بأنه جوهرة محمية وادي الجمال، حيث يوجد أحد آخر نظم البيئة البحرية البكر التي لم تُمس حتى الآن في البلاد.

ويقع الشاطئ على بعد مسافة تقطعها السيارة في 90 دقيقة من مطار مرسى علم الدولي، وعلى مسافة أربع ساعات من مدينة الغردقة سريعة النمو، وهو محاط حاليا بسور خشبي.

ويحاول النشطاء وقف أعمال التطوير فيه التي تشمل، وفقا لخطط التطوير الأصلية، إقامة عشرات الوحدات على شكل أكواخ ومطعم ومزرعة.

ويحذِّر دعاة الحفاظ على البيئة من أن النظام البيئي الهش، الذي يؤوي السلاحف والشعاب المرجانية والأعشاب البحرية وأنواعا لا حصر لها من الأسماك، أصبح مهددا، فيما يخشى السكان المحليون من فقدان مورد طبيعي نفيس إلى الأبد.

وتبيع الحكومة المصرية تراخيص استثمار في المحميات للمطورين على أمل زيادة الدخل ومواجهة أزمتها الاقتصادية. وتختلف المشاريع من حيث الحجم والنطاق.

وتعد السياحة من أهم ركائز الاقتصاد. وقدرت الأمم المتحدة في تقرير أصدرته في الآونة الأخيرة بأن عائداتها السنوية بلغت 14.1 مليار دولار في عام 2024، أي أكثر من ضعف إيرادات قناة السويس.

ومع وصول أعداد الزائرين إلى 17 مليونا العام الماضي بزيادة سنوية بلغت 17 في المئة، ترى القاهرة أن هناك إمكانية لزيادة عدد السياح عن طريق تحسين البنية التحتية وربط الرحلات الجوية وإتاحة الفرصة لقضاء عطلات في المناطق الساحلية والصحراوية.

وفي عملية مقارنة مع أهم أسواق السياحة المنافسة استقبلت تركيا 62 مليون سائح واليونان 35 مليونا ودبي 18.7 مليون في عام 2024. ويحذر دعاة الحفاظ على البيئة وسكان محليون من أن أي بناء ولو بسيط على الشاطئ سيدمر واحدة من آخر المحميات البحرية البكر في مصر.

وتؤكد أسماء علي المديرة التنفيذية لمؤسسة إيكوريس المصرية، التي تعمل على تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، أن المحمية الوطنية والشاطئ من أهم مواقع التنوع البيولوجي في العالم. وقالت لرويترز “هذه المنطقة مهمة لأنها مصنفة عالميا، إنها من أهم مناطق التنوع البيولوجي في العالم.”

وأضافت “المحمية تحتوي كائنات قابلة للانقراض، منها كائنات بحرية، فيها أهم الشعاب المرجانية (…)، وبها أيضا سلاحف بحرية مهددة بالانقراض، وبها طبعا أشجار مانجروف. وفيها تنوع بيولوجي كبير.”

وقال شريف بهاء الدين، أحد مؤسسي محمية وادي الجمال، إن “السياح يبحثون عن الطبيعة البكر وليس المنتجعات الخرسانية.” وأوضح أن الزوار يقصدون هذه الأماكن لأنهم يبحثون عن أشياء ليست موجودة في بلدانهم.

وأضاف “قد يستمتع السائح بالمكوث في فندق فخم للاسترخاء لكنه عندما يريد أن يذهب إلى محمية ما فإنه يتطلع إلى رؤية الطبيعة على أصلها كما هي.”

وتابع “أصلا فكرة المحمية أنها تحمي الطبيعة البكر هذه. منطقة صغيرة يتم اختيارها من منطقة كبيرة حتى تظهر الطبيعة كيف هي، وكأنها مرجع لأصل الطبيعة. ولكن إذا غيرنا فيها ما الفائدة من هذه المحمية.”

واستطرد قائلا “نحن لسنا ضد التطوير، لكن هناك أماكن مترامية على طول الساحل الشرقي على البحر الأحمر. ولو تحدثنا عن التطوير فيجب اختيار المكان المناسب. وإذا تطرقنا إلى حنكوراب أو المحمية بشكل عام، فبرأيي من الأفضل عدم البناء فيها بتاتا.”

وتقول جمعية الحفاظ على البيئة بالغردقة (هيبكا) غير الحكومية إن الشعاب المرجانية مهمة جدا لأنها واحدة من أكثر الكائنات تحملا لتغير المناخ في العالم ولديها القدرة على إعادة الإنتاج وحتى حماية بعض الأنواع من الانقراض.

وسمحت تعديلات قانونية على مدى العقد الماضي بإقامة مشاريع تجارية على مساحات من المحميات الوطنية. وقالت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد إن “عدد المشاريع داخل المحميات ارتفع من عشرة في عام 2016 إلى 150 في عام 2024 مع زيادة الإيرادات بنسبة 1900 في المئة.”

وعرض جهاز شؤون البيئة على المستثمرين في البداية تشغيل رأس حنكوراب في السياحة، وإن كان بشروط صارمة، لكن فؤاد أكدت في عرض تقديمي حديث لوادي الجمال أن المسؤولية انتقلت الآن إلى صندوق حكومي. ورفضت الإدلاء بالمزيد من التصريحات.

وطعنت جمعيات معنية بالحفاظ على البيئة في القرار أمام النائب العام، وشددت على أن التطوير لا يتوافق مع قوانين حماية البيئة وسيلحق أضرارا بمورد عام.

وتعتقد وزيرة البيئة ومسؤولون مصريون آخرون أن من الممكن الدمج بين السياحة البيئية والاستثمار. ودافعت عن تطوير الشاطئ ومحمية وادي الجمال وقالت إنه توسع محكم يضمن الاستدامة ويحقق إيرادات.

وقالت فؤاد إن “وزارة البيئة ستراقب وتقيم المشاريع المقترحة في المناطق الحساسة، مثل رأس حنكوراب ورأس بغدادي والثقب الأزرق، وهو موقع عالمي شهير للغوص. غير أن المنتقدين يرون أن الوزارة تفتقر إلى الموارد اللازمة للقيام بذلك.” ومع ذلك، يرى خبراء الحفاظ على البيئة أن مصر فقدت خبراتها البيئية بسبب انخفاض الأجور ومحدودية الموارد.

وأكد عضو في منظمة غير حكومية أن محمية وادي الجمال كان لديها 20 متخصصا في الحياة البرية يراقبون التنوع البيولوجي في عام 2007. أما الآن فلم يعد هناك سوى عدد محدود.

وقال المحامي البيئي أحمد الصعيدي “لا أدري كيف فكروا في الاستثمار في المحميات. ما يحصل الآن يقوض مفهوم السياحة البيئية التي يفترض أنها تكون من خلال حفاظ الدولة على البيئة.”

ححخ

وأضاف أنه إذا تم “تسليم أرض محمية لمستثمر فلن يحافظ عليها لأنه يبحث عن الربح عكس الدولة التي تكون ملتزمة، بحسب القانون والدستور، بالحفاظ على مواردها الطبيعية وتراعي حقوق الأجيال القادمة.”

ويؤكد السكان المحليون أنهم مهمشون. وكانت السياحة البيئية البسيطة مصدر رزق للكثير منهم قبل منعهم فعليا من ارتياد الشاطئ.

وقال محمد صالح، وهو واحد من شيوخ القبائل، “كنت أذهب إلى الشاطئ دون أي تكاليف، والآن أدفع 250 جنيها (نحو 5 دولارات) لكل فرد، يعني عندما آخذ الأبناء علي دفع ألف جينه (20 دولارا).”

وأضاف “لكي يطوروا السياحة كان من باب أولى أن يوفروا لنا ولأبنائنا فرص عمل، مثل طبخ الأكل البدوي، وأيضا الرحلات البدوية.” وتابع “لماذا لا يتشاورون معنا لنقدم لهم مقترحات؟ لكن ما حصل عبارة عن تجاهل تام… حتى من يحرسون المنطقة جاءوا بهممن خارج المنطقة.”