كيف يمكن للبنك الدولي أن يحمي نفسه من ترامب
يجد رئيس البنك الدولي أجاي بانغا نفسه مضطرا إلى الدفاع عن إحدى ركائز النظام الدولي الليبرالي ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أمر الشهر الماضي بإجراء مراجعة حكومية قد تؤدي إلى تخلي الولايات المتحدة عن كونها المساهم الأكبر في المؤسسة.
ومع ذلك يمتلك بانغا، الذي قضى معظم مسيرته المهنية في القطاع الخاص، مصرفيا في سيتي غروب ثم رئيسا تنفيذيا لماستركارد، حججًا وحقائق دامغة تدعم موقفه، ما قد يساعده على استمالة المصلحة الأميركية.
وفي ظاهر الأمر يواجه بانغا، الذي شغل منصبه لمدة 21 شهرًا، مهمة شاقة. ففي الأسابيع الأخيرة دبر البيت الأبيض ووزارة كفاءة الحكومة التابعة لإيلون ماسك تخفيضات جذرية في برامج المساعدات الأميركية، وأعلنا عن خطط للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية.
ووقع ترامب أمرا تنفيذيا في فبراير بإجراء مراجعة مدتها 180 يومًا لجميع المنظمات الحكومية الدولية التي تنتمي إليها الولايات المتحدة وتقدم لها التمويل.
وبحسب أفيك فيتري ألياس، كاتب عمود متخصص في تصور البيانات لدى رويترز بريكينغ فيوز، يُمثل هذا تحولا عن الماضي، فقد أدركت الإدارات الأميركية المتعاقبة جدوى دعم البنك الدولي، الذي تعهد بتمويل قدره 117 مليار دولار في عام 2024.
وتستخدم القروض لمساعدة الدول الفقيرة على التعافي من الحروب والكوارث، ومؤخرا تسهم في إدارة تغير المناخ.
وتتعارض أجندة ترامب “أميركا أولا” مع فكرة أن العالم الغني يتحمل مسؤولية مساعدة بقية العالم، لاسيما في ما يتعلق بالاحتباس الحراري، وهو أمر محرج، بالنظر إلى هدف البنك الدولي بأن تكون 45 في المئة من قروضه هذا العام مرتبطة بالمناخ.
وعداء الولايات المتحدة ذو صلة خاصة بالمؤسسة الدولية للتنمية، وهي جزء أساسي من البنك الدولي، والذي قدم 28 مليار دولار العام الماضي لأفقر دول العالم، مثل إثيوبيا وبنغلاديش، عادة على شكل منح وقروض ميسرة.
ويقول جورج هاي، محرر قسم أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى رويترز بريكينغ فيوز، إن الشروط السخية تعني أن الدول الغنية يجب أن تُكمل هذا التمويل كل ثلاث سنوات.
ومما يُزعج بانغا أن إحدى عمليات التجديد المزعومة هذه قد حان موعدها الآن. ففي ديسمبر الماضي وقّع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن على تعهد بقيمة 4 مليارات دولار كجزء من التمويل الإضافي الحالي للمؤسسة الدولية للتنمية والبالغ 24 مليار دولار.
والخطوة التالية هي موافقة الكونغرس الذي يُسيطر عليه الجمهوريون. وفي غياب هذا الدعم ستُكافح المؤسسة الدولية للتنمية للالتزام بخطط صرفها الحالية.
وفي أسوأ السيناريوهات بالنسبة إلى البنك الدولي سيتعثر التمويل الأميركي للمؤسسة، وسيُوصي وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يُجري مراجعة ترامب للمؤسسات متعددة الأطراف، في وقت لاحق من هذا العام بالانسحاب الكامل.
والخبر السار لبانغا هو أن لديه بعض الحجج المُحتملة التي يُمكنه استخدامها. أولاً، يُمثل نموذج التمويل الهجين بالرافعة المالية للمؤسسة الدولية للتنمية هيكلاً فعالاً نسبياً، من وجهة نظر الممولين الأثرياء.
ومقابل كل دولار تُقدمه الولايات المتحدة، يُقدم المساهمون الآخرون 4 دولارات. ثم تقترض المؤسسة من أسواق السندات لتُضخّ تلك الدولارات الخمسة في قدرة تمويلية إجمالية تُقارب 20 دولارا.
وتأمل المؤسسة في تحويل تجديد مواردها الحالي المُخطط له والبالغ 24 مليار دولار، مثلا، إلى 100 مليار دولار، ما يفتح باباً جديداً للمنح والقروض منخفضة الفائدة. وبمعنى آخر يحصل الداعمون على فائدة كبيرة مقابل أموالهم.
وهناك بنك الإنشاء والتعمير، وهو مؤسسة أخرى للبنك الدولي، الذي رفع رأسماله حتى أربعة أضعاف عبر إصدار السندات لتقديم القروض.
كما يُغطي تكاليفه الخاصة عن طريق الاقتراض بتصنيف ائتماني أي.أي.أي في عام 2024، حيث أقرض البنك 33.5 مليار دولار للدول متوسطة الدخل.
وبمجرد سداد القروض يُمكن للمؤسسة إعادة تدوير رأس مالها في مشاريع جديدة. ومنذ تأسيسه تمكن بنك التعمير ومنظمتان مرتبطتان بالبنك الدولي من إقراض 1.5 تريليون دولار من رأس المال الدائم البالغ 23 مليار دولار فقط، منها 3.7 مليار دولار فقط جاءت من الولايات المتحدة.
ويمكن لبانغا معالجة أحد الموضوعات الرئيسية لترامب: الهجرة. ويقدر البنك الدولي أن 1.2 مليار شاب سيصبحون بالغين في سن العمل خلال العقد المقبل في “الجنوب العالمي”، أي البلدان ذات الدخل المنخفض، ولكن مع توليد 420 مليون وظيفة فقط خلال نفس الفترة.
ولأن ترامب جعل من معالجة الهجرة غير الشرعية إلى بلده هدفه الأكبر الوحيد، فليس من المنطقي قطع منظمة تركز بقوة على تمويل توفير فرص العمل في هذه البلدان. ويمكن القول إن سياسات بانغا ستمنع المهاجرين من مغادرة ديارهم في المقام الأول.
ومن الناحية المالية لا يجني ترامب الكثير من محاولة استعادة رأس المال الأميركي المدفوع البالغ 3.7 مليار دولار. وتنص المادة السادسة من ميثاق البنك الدولي على أن الأعضاء المغادرين لن يستردوا كامل ديونهم إلا عند انتهاء أجل آخر قرض سمحوا بتمويله، وهو أمر قد يستغرق عقودا.
وجادل البعض بأن الولايات المتحدة قد تسترد عشرات المليارات من الدولارات مما يُسمى “رأس المال القابل للاستدعاء”، أو حقوق المساهمين التي لا تحتاج الدول المانحة إلى دفعها إلا في حالة الخسائر غير المسبوقة.
أجندة “أميركا أولا” تتعارض مع فكرة أن العالم الغني يتحمل مسؤولية مساعدة بقية العالم، لاسيما في ما يتعلق بالاحتباس الحراري، وهو أمر محرج، بالنظر إلى هدف البنك الدولي بأن تكون 45 في المئة من قروضه هذا العام مرتبطة بالمناخ
والأغرب من ذلك أن حصة واشنطن البالغة 16 في المئة في بنك التعمير تعني أنها الدولة الوحيدة التي يمكنها عرقلة قرارات البنك الدولي. وإذا انسحبت، فالباب سيفتح أمام الصين، التي لطالما طالبت بزيادة حصتها البالغة 6 في المئة لتتناسب مع نفوذها الاقتصادي.
ومن الناحية النظرية قد يؤدي خروج الولايات المتحدة إلى استحواذ الصين على حصتها، ما يؤدي إلى نقل المكاتب الرئيسية للبنك من واشنطن إلى بكين، حيث تنص المادة الخامسة من ميثاق المنظمة على أن يكون مقرها الرئيسي في أراضي أكبر مساهم فيها.
ونظرًا لعداء ترامب لبكين، فإن هذا لن يكون منطقيًا، ولكن سيظل البنك الدولي موجودا حتى بعد استبعاده من الولايات المتحدة، ومن المحتمل أن يفقد تصنيفه الائتماني أي.أي.أي ويشهد ارتفاعًا في تكاليف التمويل.
لكن تكاليف الاقتراض لن تكون أعلى على الأرجح من تكاليف جهات الإقراض متعددة الأطراف الأخرى، مثل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وفقا لشخص مطلع على تفكير البنك الدولي في هذا الشأن تحدث لتومسون رويترز.
وبالمثل، إذا قررت واشنطن تقليل مساهمتها في المؤسسة الدولية للتنمية أو عرقلة سياسة البنك الدولي فقد تستمر أغلب أنشطة المؤسسة.
وعلى افتراض أن الولايات المتحدة حجبت كل تعهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن البالغ 4 مليارات دولار للمؤسسة الدولية للتنمية، سينخفض إجمالي إمكانات القروض من البرنامج من 100 مليار دولار إلى 80 مليار دولار، وهو أمر لا يُعَدّ كارثة بالنسبة إلى بانغا.
وبعبارة أخرى، فإن الانسحاب من البنك الدولي سيُسلِم المبادرة لأعداء الولايات المتحدة، مع منحها مكاسب ضئيلة سابقة، وقد يُعزِّز الهجرة مع مرور الوقت. وهذه رسالةٌ مُلِحّةٌ على بانغا أن ينقلها إلى البيت الأبيض.