هل يشير غضب الشيخ تميم إلى تخلي إسرائيل عن الوساطة القطرية

وكالة أنباء حضرموت

عززت كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الخميس، في افتتاح القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي المنعقدة في الدوحة، انطباعا خلفه مؤتمر صحفي مشترك بين الشيخ تميم والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأربعاء في الدوحة بأن قطر تتخوف من موقف إسرائيلي سلبي تجاهها، والأرجح أنه يتعلق بقرار حكومة بنيامين نتنياهو تعليق التعامل مع الوساطة القطرية بين إسرائيل وحماس.

وندد الشيخ تميم الخميس باستمرار حرب “الإبادة الجماعية” في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وبما تقوم به إسرائيل في الضفة من توسيع للاستيطان، مضيفا أن بلده كان دائما يحذّر من إفلات إسرائيل من العقاب.

والأربعاء حذر أمير قطر، بحضور الرئيس الإيراني، من أن “العدوان (الإسرائيلي) يضع المنطقة على حافة الهاوية وخطر توسيع العنف فيها”، داعيا المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بـ”وقف عدوانها الغاشم على غزة ولبنان”.

ومن الواضح أن رفع سقف التصريحات من الشيخ تميم هدفه لفت انتباه الولايات المتحدة بدرجة أولى إلى ما يعتقد أنه محاذير من تهميش قطر في ملف تعتقد أنها ملمة بتفاصيله وتعقيداته.

وتعتقد أوساط فلسطينية مطلعة أن إسرائيل منحت قطر الكثير من الوقت من أجل التأثير على حماس ودفعها إلى القبول بمبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن الهادفة إلى تحقيق وقف لإطلاق النار لفترة تتم خلالها زيادة المساعدات لغزة وفي الوقت نفسه إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة والإفراج عن فلسطينيين معتقلين في سجون إسرائيل.

وليست التصريحات القطرية الغاضبة من إسرائيل جديدة؛ فقد سبق للشيخ محمد بن عبدالرحمن، رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، أن أطلق تصريحا غاضبا يوم اغتيال إسماعيل هنية بقوله  “كيف يمكن أن تجري مفاوضات يقوم فيها طرف بقتل من يفاوضه في الوقت ذاته”، ما يؤكد أن قطر فهمت الاغتيال على أنه قطيعة إسرائيلية مع دورها، وأنه لم تعد لدى الولايات المتحدة نفسها قدرة على منع القطيعة وأن أي طرف آخر من حماس، بمن فيهم خالد مشعل، لن يتمكن من إجراء دور المفاوض باسم حماس ويحيى السنوار.

وفشلت قطر بما تمتلكه من نفوذ على الحركة الفلسطينية في دفعها إلى مراجعة شرطها القاضي بوقف تام لإطلاق النار وانسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل الثامن من أكتوبر 2023 بعد بدء هجوم انتقامي إسرائيلي ضد حماس.

ما يثير غضب الدوحة من تعليق الوساطة ليس مصير حماس، وإنما خسارة ورقة مهمة كانت تجعل منها محور زيارات الدبلوماسيين وتصريحاتهم وتضعها في قلب الاهتمام الإعلامي

وقال أمير قطر الخميس إن إسرائيل “تستغل العجز الدولي لتوسيع الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة وترى الفرصة متاحة لتطبيق مخططها في لبنان”. وأضاف أن “ما يجري في قطاع غزة هو عمليات إبادة جماعية و(من أجل) تحويله (من قبل إسرائيل) لمنطقة غير صالحة للعيش تمهيدا للتهجير”.

وتشير الأوساط الفلسطينية إلى أن الإسرائيليين وقفوا على محدودية تأثير قطر على حماس بعد مقتل هنية واستلام السنوار مهمة القيادة؛ فقد انقطعت خيوط التواصل بين الطرفين واكتشفت الدوحة أن من بقي من قيادة الخارج في حماس لا تأثير له على السنوار، الذي رفض في أكثر من مرة الرد على اتصالات من الوسطاء القطريين وكذلك المصريين.

ولم يكن قرار إسرائيل تعليق تعاملها مع وساطة قطر، إن تأكد، أمرا مفاجئا؛ فقد سبق لمسؤولين إسرائيليين من مستويات عليا أن اتهموا الدوحة بأنها لا تفعل ما يكفي للضغط على حماس وجرها إلى الموافقة على الهدنة التي تتضمنها المبادرة الأميركية.

وشن نتنياهو هجوما كبيرا على القطريين في يناير الماضي وقال “ليس لدي أي أوهام بشأنهم… لديهم الوسائل للضغط (على حماس)، لماذا؟ لأنهم يمولونها”. واكتفت وزارة الخارجية القطرية في بيان لها بالقول إن تصريحات نتنياهو غير مسؤولة.

وما يثير غضب الدوحة من تعليق الوساطة ليس مصير حماس، وإنما خسارة ورقة مهمة كانت تجعل منها محور زيارات الدبلوماسيين وتصريحاتهم وتضعها في قلب الاهتمام الإعلامي، وهو ما يوحي بأن للدوحة دورا وأنها شريك مهم للأميركيين.

ولا تقف نتائج خطوة تعليق الوساطة عند خسارة التأثير الدبلوماسي والحظوة لدى واشنطن، ويمكن أن تتعدى ذلك إلى التأثير على صورة قطر داخل الولايات المتحدة في الوقت الذي يزداد فيه دعم إسرائيل والانحياز إليها ومعاداة من يقف ضدها بشكل معلن أو بشكل التفافي.

ولم تخف الولايات المتحدة اتهامها لحماس برفض المشاركة في مسار التهدئة في غزة، وهو ما يعني ضمنيا أن قطر لم تؤد دورها كما تريده واشنطن.

والأربعاء قال ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة  الخارجية الأميركية، للصحافيين إن الولايات المتحدة لا تزال تركز على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار رغم أن حماس “عازفة عن المشاركة” منذ أسابيع.

وتتسع دائرة التخوف لدى القطريين من تغيير كلي للمزاج الأميركي تجاه الدوحة في حال فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة في انتخابات الخامس من نوفمبر القادم، وهو الذي عُرف بتوجيه انتقادات صريحة للدوحة خلال فترة ولايته الرئاسية السابقة.

ويعرف القطريون أن اللوبيات المناوئة لهم قوية، وسبق أن ظهر تأثيرها خاصة في فترة ترامب، وأن عودتها إلى الواجهة ستكون أمرا سهلا خاصة إذا ارتبط الأمر بـمعاداة إسرائيل وتمويل حماس المصنفة في الولايات المتحدة حركة إرهابية، وأن اعتماد إدارة بايدن على الدوحة في ملف أفغانستان لن يشفع لها أمام اللوبي الداعم لإسرائيل، وهو الأكثر نفوذا وتأثيرا.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد انتقد الأميركيين في يناير الماضي على تجديدهم اتفاق تمديد الوجود العسكري الأميركي في قاعدة العديد بقطر لمدة عشر سنوات أخرى، واعتبر أنه “كان بالإمكان الاستفادة من هذه الصفقة للضغط على قطر”.