هل تتجه الأمم المتحدة إلى تعويض المينورسو لمواكبة مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية
في وقت يتهيأ فيه مجلس الأمن الدولي للتصويت، خلال أكتوبر المقبل، على قرار جديد يتماشى مع التحولات الكبيرة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، وإجماع الدول المؤثرة على خيار الحكم الذاتي حلا للنزاع المفتعل، خصوصا الولايات المتحدة التي جدد رئيسها دونالد ترامب مؤخرا تأكيده على سيادة المغرب على صحرائه، قام وفد أميركي يضم دبلوماسيين وعسكريين بزيارة إلى مدينة العيون، للقاء رئيس بعثة المينورسو ألكسندر إيفانكو، حيث تركز النقاش على تقليص مكونات البعثة المدنية والسياسية بإعادة هيكلتها وتغيير اسمها، مع الإبقاء على القوات المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار.
وفي أول حضور ميداني من نوعه لمسؤولين من هذا المكتب منذ اندلاع النزاع، استقبل إيفانكو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالصحراء ورئيس بعثة المينورسو، بتاريخ 19 أغسطس 2025، غريغوري راوود كافيرت موريسون جيمس مدير مكتب عمليات حفظ السلام بوزارة الخارجية الأميركية، وماديسين جين غودباليه المكلفة بالشؤون الخارجية بالمكتب نفسه، إلى جانب أنتوني جيمس دياز المستشار السياسي بالبعثة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وآدم ميغيل ليفي القائم بأعمال المستشار السياسي بسفارة الولايات المتحدة في الرباط.
وحسب مصادر دبلوماسية لـ”العرب” فحضور الوفد الأميركي الرفيع إلى العيون يتماشى مع موقف واشنطن الداعم لسيادة المغرب على الصحراء، وتجاوز خيار الاستفتاء على تقرير المصير الذي تروّج له جبهة بوليساريو، وسياسة تقليص عدد أفراد البعثة الأممية.
وتأتي زيارة الوفد الأميركي إلى العيون، بعد رسالة الرئيس ترامب التي وجهها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس بتاريخ 2 أغسطس الجاري بمناسبة عيد العرش، وفيها دعمه لمغربية الصحراء ولمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط في عام 2007، في إطار سيادة المملكة، حيث عززت الرسالة رسميا سيادة المغرب على صحرائه واستبعاد فكرة إجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء كما تسوّق بوليساريو.
وأكد مولاي الحسن الناجي رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في شمال أفريقيا وعضو اللجنة التنفيذية للمركز الأفريقي للدراسات وحقوق الإنسان، أن “زيارة الوفد الأميركي جاءت للاطلاع على عمليات المينورسو المرتبطة بمراقبة وقف إطلاق النار، وأيضا لدراسة وضعيتها ومدى قيامها بعملها وهل هناك انعكاس ميداني يستجيب لمعايير الدعم الذي تقدمه واشنطن للبعثة في إطار قرار إدارة ترامب تقليص النفقات الموجهة للبعثات الإنسانية والأممية التابعة للمنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.”
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “لقاء الوفد الأميركي مع ايفانكو جاء لمناقشة تغيير مسار ومهمة المينورسو التي أنشئت في العام 1991، لإجراء الاستفتاء في الصحراء ومراقبة وقف إطلاق النار، خصوصا وأن الظروف والتحولات الجيوسياسية لم تعد تنسجم مع قرار الاستفتاء الذي أصبح من الماضي، مقابل الدعم الدولي الواسع لمبادرة الحكم الذاتي وعلى رأسها واشنطن وفرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا كحل واقعي ومستدام تحت السيادة المغربية، ولهذا فوفد الولايات المتحدة يعكس ما يروّج داخل الإدارة الأميركية وداخل أروقة الأمم المتحدة حول إنشاء هيئة أخرى باختصاصات جديدة تعوض المينورسو من أجل التعاطي مع كل ما يتعلق بالحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل.”
حضور الوفد الأميركي الرفيع إلى العيون يتماشى مع موقف واشنطن الداعم لسيادة المغرب على الصحراء
ونظرا إلى الاهتمام الأميركي الواضح بآليات عمل المينورسو ومدى قدرتها على مراقبة وقف إطلاق النار، أكد مولاي الحسن، أن “زيارة الوفد الأميركي يشكل تحولا جوهريا في مسار النزاع، الذي سيظل رهينة بمواقف الدول دائمة العضوية، خاصة الصين وروسيا التي قد تلعب دورا حاسما في التصويت المرتقب خلال أكتوبر المقبل للمضي قدما في هذا التوجه ودعم هذا القرار خصوصا، مع محاولات دولية لتهيئة ظروف مفاوضات جديدة بين أطراف النزاع بمشاركة الجزائر وبوليساريو والمغرب وموريتانيا يكون أساسها مبادرة الحكم الذاتي وكيفية تطبيقها على أرض الواقع بالصحراء المغربية، خدمة للاستقرار والأمن بالمنطقة، وهذه الهيئة الأممية الجديدة إذا تم إنشاؤها بقرار أممي سيكون لها ما بعده في دعم حل واقعي ومستدام.”
ويبدو أن وضع بعثات حفظ السلام الأخرى التابعة للأمم المتحدة تغير مع ولاية دونالد ترامب الثانية، منها المينورسو، ففي مارس الماضي، حثّ مركز أبحاث أميركي موالٍ للجمهوريين الرئيس ترامب على وقف تمويل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء (المينورسو)، واعتبر أن “ترامب والأمم المتحدة يمكنهما توفير المليارات من الدولارات لإنهاء هذه العمليات.”
وفي وقت يستعد فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لتقديم تقريره السنوي أمام مجلس الأمن الدولي حول نزاع الصحراء المغربية، قررت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء (المينورسو) عدم تجديد عقود موظفيها، حيث أبلغ مقر البعثة الأممية، المتمركز في العيون، المتعاقدين المغاربة بهذا الإجراء، الذي يتزامن مع تعليق توظيف موظفين أجانب جدد، وفقًا لتوجيه من مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
ولم يتم تخفيض ميزانية المينورسو رغم الأزمة المالية التي عصفت بالمنظمة لسنوات عديدة، حيث خصصت الأمم المتحدة في عام 2024 مبلغ 75.35 مليون دولار أميركي لبعثتها في الصحراء المغربية، بزيادة تقدر بـ9.1 في المئة مقارنةً بالسنة المالية السابقة.
وفشلت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء في إجراء إحصاء سكاني لمخيمات تندوف، ناهيك عن تنظيم استفتاء في الصحراء، وهو خيارٌ استبعدته الأمم المتحدة منذ عام 2001، كما فشلت البعثة في إنفاذ وقف إطلاق النار، منذ سبتمبر 1991، والذي تنتهكه جبهة بوليساريو منذ 13 نوفمبر 2020 وتخيم أجواءٌ من الترقب والحذر على مقر بعثة المينورسو.