"في أرض الإخوة" يفضح مآسي المهاجرين الأفغان في إيران
رها أمير فضلي وعلي رضا قاسمي صوتان جديدان واعدان في السينما الإيرانية. يهدف فيلمهما الروائي الأول “في أرض الإخوة” إلى تسليط الضوء على الواقع القاسي الذي يواجهه ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ أفغاني يعيشون في إيران. يروي الفيلم ثلاث قصص مترابطة تصور تحديات البدء من جديد في بيئة غير مرحبة بهم مع تسليط الضوء أيضا على مرونة الشعب الأفغاني وقوته.
تدور أحداث القصة حول ثلاثة أفراد من عائلة واحدة على مدى 30 عاما وهم يواجهون وحشية وتهديدات الشرطة بالترحيل. الفيلم رحلة مؤثرة تستكشف البحث عن مكان يسمى وطنا.
ثلاث حكايات
في بداية الفيلم، يتم تقديم ملاحظة ضرورية “هناك حوالي خمسة ملايين مهاجر أفغاني في إيران يعتبرون إيران ‘أرضا للأخوة’. لكن اللاجئين الأفغان الذين يعيشون هناك لا يعاملون مثل الإخوة”.
يتبع الفيلم عائلة أفغانية في إيران، تنقسم قصتها إلى ثلاثة فصول. الأول تدور أحداثه في عام 2001، ويتبع المراهق محمد (محمد حُسيني)، الذي يعيش مع والده، والعديد من العائلات الأخرى والمهاجرين، في الليل يتناولون العشاء تحت خيمة كبيرة ونسمع من راديو صغير الإذاعة الإخبارية الأفغانية: هجوم الطائرات الأميركية، وقصف أجزاء مختلفة من البلاد، وهروب طالبان، الذي يذكرنا بعام 2001، وبداية الغزو الأميركي وحلف شمال الأطلسي لأفغانستان وطرد طالبان.
محمد مهاجر أفغاني وتلميذ مدرسة يبلغ 15 عاما. يشعر بحب لليلى (حميدة جعفري) هي الأخرى أفغانية مهاجرة، ومعها يمضي أوقاتا مسروقة عن الأهل والأقارب، ويُلقنها اللغة الإنجليزية، ويصنع لها هدايا من أوراق الأشجار. ذات يوم، نراقب محمد وصديقيه بعد خروجهم من المدرسة، تتوقف سيارة شرطة في الطريق وينادي أحد أفرادها على محمد، يسأله “هل أنت أفغاني؟”، ولعدم امتلاكه الهوية، يأمره الشرطي أصغري (هَجير مُرادي) بمرافقته إلى مركز الشرطة، ويجبره مع مجموعة من الأفغان على تنفيذ أعمال الصبغ والتنظيف في مركز الشرطة، يأمره ضابط الشرطة بشكل تعسفي بإخلاء قبو غمرته المياه مليء بالمواد الأرشيفية. لا يتحدث عن ذلك مع والده، “ما الذي يستطيع فعله حيال ذلك؟”.
الفيلم يقوم على سرد حكايات، فيها من النقد السياسي الاجتماعي الحياتي العقائدي مع كم كبير من التساؤلات والدلالات
يحافظ الطفل على سرية عمله الإجباري في مركز الشرطة، لتجنب تعريض عائلته للخطر والترحيل، تتكرر هذه العادة، كل يوم بعد مغادرته المدرسة، يجبره ضابط الشرطة على العمل في مركز الشرطة حتى العشاء. في النهاية، يزداد وضع محمد سوءا وظلما. يناقش الأمر مع مدير المدرسة، الذي يتدخل على ما يبدو ويرفع الأمر إلى قيادة الشرطة. لكن هذا لا يردع ضابط الشرطة في التربص بالصبي وجره لمركز الشرطة، حيث يتعرض إلى الاغتصاب من الشرطي داخل مركز الشرطة.
في اليوم التالي، يبحث الفتى (محمد) عن طريقة للتخلص من هذا الموقف حتى لا يضطر إلى التعامل مع قسم الشرطة كل يوم. ويقوم بضرب يده بالمطرقة وكسرها حتى يتخلص من الشرطي الوحش وأعمال السخرة. من خلال قصة محمد في الفصل الأول، نكتشف وبشكل مبكر أن إيران لا تشعر أبدا بأنها موطن أمين للوافدين الجدد.
في الفصل الثاني تكون ليلى محور الحكاية الثانية التي تدور أحداثها عام 2010، حيث نتابع ليلى (حميدة جعفري)، التي كانت تعيش مع محمد في مزرعة الطماطم. في الوقت الحاضر، بنت حياة جديدة لنفسها، عاملة في منزل فخم لزوجين ثريين (مهران فوزوغي ومرجان اتفاغيان)، في منطقة بندر أنزلي (بحر قزوين). في طريق عودتها إلى المنزل من المدرسة، وقبل أن تبدأ الأم في إعداد وجبات الطعام لضيوف أصحاب المنزل الذين تعمل في خدمتهم. صدمت بزوجها المريض، الذي لم يذهب إلى الأطباء خوفا من القبض عليه، جثة هامدة على الأرض، يموت زوجها، تاركا لها سؤالا عما يجب القيام به. ولأنها لا تملك تأمينا، فإنها لا تستطيع الذهاب إلى المستشفى، وقد يؤدي الاتصال بالشرطة إلى خطر ترحيلها. ومما زاد الطين بلة، أن تعمل في منزل مليء بالضيوف، ولن يكون من السهل إخفاء زوجها المتوفى.
على الرغم من كونها مليئة بالحزن، عليها الاستمرار في عملها والتغطية على غياب زوجها حتى لا يعرف موظفوها أصحاب البيت أنها فقدته خوفا من الترحيل، تخفي وفاة زوجها عن مالكها. تحاول إيجاد توازن بين تحضيرات تتناسب والاحتفال برأس السنة الفارسية، والاعتناء بابنها العائد من المدرسة، والموت المفاجئ لزوجها صباح اليوم نفسه. خوف يعتريها من قول حقيقة الوفاة، لأن إمكانية الترحيل واردة. خوف من إعلان حقيقةٍ مرده خوف من خسارة منفذٍ لحياة مطلوبة. خوف من كشف مستور منبثق من رغبةٍ في خروجٍ آمن من مأزق عيش، يصبح القمع الذي يظهر في هذا الجزء أكثر قسوة ووجعا، ويجبر المشاهدين على التفكير في فكرة أين يكمن تعاطفنا؟ ولماذا فقدناه؟
الفيلم يتطرق إلى قضايا مثل المثلية الجنسية والاغتصاب وكراهية الأجانب وإرهاب الترحيل أو تجنيد اللاجئين مقابل الجنسية
هذا الفصل يحطمك حقا كمشاهد، وذلك بفضل أداء الممثلة حميدة جعفري البسيط والممتع. في بلدٍ يُفترض به أنْ يكون “أرض إخوة”. الكذب (سمة شخصيات سينمائية إيرانية كثيرة، مع ما يصنعه الكذب من تعقيدات ومطبات وأهوال)، مدخل إلى إخفاء وقائع، بل إلى فضح هشاشةٍ وانصياع إلى انفعال. موت الزوج سر، ودفنه في مكان ما في حديقة المنزل إذعان لاواع (ربما) لطغيان الخوف من مُقبل مجهول (الدفن بحد ذاته مشهد بديع سينمائيا، وحميدة جعفري باهرة في تأدية دورها في تلك الحكاية).
في هذا الفصل، هناك العديد من اللحظات القوية من المشاعر الخالية من الكلمات حيث تحاول ليلى عدم السماح بأن ينهار عالمها بشكل أساسي من حولها. يتألق التصوير السينمائي في هذا الفصل، ويظهر تناقضا صارخا بين تجربة ليلى وتجربة ضيوفها الإيرانيين. تم تصوير المستويين العلوي والسفلي من المنزل من الخارج بالنظر إلى الداخل، يشبه الطابقان العلوي والسفلي عالمين مختلفين، حيث يضحك ضيوف ليلى ويغنون في الأسفل بينما تقف ساكنة في الأعلى مهشمة الروح وحتى لا تستطيع البكاء كي لا ينكشف أمرها، متجمدة في الصدمة والخوف.
الفصل الثالث: ثالث الحكايات (2020)، يرويها قاسم (بشير نيكزاد)، الشقيق الأكبر لليلى. زوج هانية (مرجان خالقي)، البكماء، حين يعلمه المسؤول الأمني أن ابنه، الذي يُفترض به أنْ يعمل في تركيا تحضيرا للجوء إلى ألمانيا، ولكنه انضم إلى فرقة “فاطميون” (وهي ميليشيا شيعية تابعة للحرس الثوري الإيراني)، في سوريا وقتل هناك. وتحصل عائلته الآن على الجنسية الإيرانية كمكافأة على وجوده. تستعد العائلة لهذا الحفل في حالة صدمة وحزن. معرفته هذه يؤكدها مسؤول أمني، يعطيه الهاتف الجوال للابن الشهيد (لقطات تكشف اتصالات متكررة للأب بالهاتف نفسه، مع أن ردا واحدا يتكرر، عن عدم قدرة متلقي الاتصال على الرد حاليا)، يجب على الأب (قاسم) أن يقرر ما إذا كان سينقل الخبر إلى زوجته أم لا.
يعزز هذا الفصل ما فعلته الحرب في أفغانستان بهذه العائلات والأسرار والأكاذيب التي كان عليها الاحتفاظ بها لحماية نفسها وأحبائها. يذهب قاسم إلى مكتب الأجانب، ويؤدي هو وزوجته وابنته اليمين الدستورية كمواطنين في جمهورية إيران الإسلامية. الحيرة قاسية، كقسوة الخبر والواقع، حيرة بين إخبار الزوجة أم لا، والاستمرار في عيش مليء بأحلام تبدو له أوهاما، أم الانفضاض على هذا كله، بكاءً وقهرا وصراخا مكتوما، كتطهر شبه كامل من وجع وخيبة وانكسار.
الحكايات مفتوحة على أسئلة عيش وحياة، وانتماء ورغبات وتطلعات، وعلاقات ومشاعر ووقائع. يحمل “في أرض الإخوة” إشارات تراوح بين وضوح مخفف ومواربات جمالية تصنع أحد معالم متعة المُشاهدة. الفيلم، إذ يوهم أن مرتكزه الأساسي معقود على سرد حكايات، فيها من النقد السياسي الاجتماعي الحياتي العقائدي مع كم كبير من التساؤلات والدلالات، ثلاث حكايات محملة بقهر وألم ومواجع.
نقاط الضعف
يأخذ فيلم “في أرض الإخوة” المشاهد في رحلة إلى أجزاء مختلفة من إيران، كل فصل يقدم منظورا فريدا حول التأثير طويل المدى للحرب في أفغانستان على شعبها. فقد الكثيرون شبابهم وأحباءهم بسبب النزاع، لكنهم يجدون القوة في عائلاتهم وأحبائهم للتعامل مع الصدمة. هذا الفيلم هو عمل ملهم وعميق يلقي الضوء على تجارب اللاجئين الأفغان ويقدم منظورا لإيران ربما لم يره العديد من المشاهدين من قبل. يُبرز الفيلم ما يعانيه لاجئون من تمييز وشروط عيش، تزيدها صعوبةً مشكلة الانتماء المفروضة عليهم من بلدٍ لا يعترف بأنهم جزء منه، رغم أن جيلا جديدا ولد ونشأ في إيران، وآخر لا يُعترف بمواطنته. هناك أيضا معاناة يومية، وعيش تحت ضغط الترحيل، أو فرض العمل الطوعي، وأحيانا تحرشات جنسية، أو فرض مشاركة في حرب لا تعنيهم في سوريا.
هذا الفيلم هو إنتاج دولي مشترك لثلاث دول: إيران وفرنسا وهولندا. تم عرضه لأول مرة في الثاني والعشرين من يناير 2024 في مهرجان صندانس السينمائي وفاز بجائزة أفضل إخراج. يمثل الفيلم علامة فارقة للكثيرين في الفريق. هذا هو أول فيلم روائي طويل مشترك لرها أمير فضلي وعلي قاسمي. كما أنه البطولة الأولى لمحمد حسيني، والمرة الأولى أمام الكاميرا للمشاركة في البطولة حميدة جعفري.
على الرغم من أن الشخصيات كلها في وضع غير مؤكد ومحفوف بالمخاطر، سواء بسبب عدم وجود وثائق إقامة أو بسبب عدم وجود حماية من هجمات الشرطة واستغلالها، إلا أنها تحاول وتستخدم أدوات مختلفة لتكون قادرة على التعامل مع المشاكل والأزمات، حتى لو كانت بضرب الشخصيات لأنفسهم وإيذائها. من خلال إيذاء نفسه جسديا، تحرر الصبي محمد من فخ التعذيب والأذى النفسي، بينما تحمي ليلى نفسها من الخوف من الرفض من خلال الكذب واختلاق القصص. ومن خلال الذهاب إلى الجبهة، يحاول ابن قاسم توفير ظروف أفضل لعائلته من حيث الإقامة.
نجح الفصل الأول في تصوير أجواء الخوف من مواجهة قوات الأمن والشرطة والمخيم. الخوف الذي يمكن رؤيته في وجوه وأصوات أصدقاء محمد أمام المدرسة، وخوفهم من الاقتراب من سيارة الشرطة، إلى جانب موسيقى وأجواء الفيلم. على الجانب الآخر، يبرز التعامل الإنساني مع هؤلاء المهاجرين في مشهد حين يستمع مدير المدرسة إلى كلمات محمد الطالب ووجعه ويوافق على الاتصال بقائد الشرطة بسبب سوء معاملة محمد وإكراهه على العمل.
لا يوجد إذلال أو إهانة أو ازدراء في النظام التعليمي، كما لو أن هناك نظرة متساوية بين الطلاب وبين المعلمين تجاه الطلاب الإيرانيين والمهاجرين. أو في حكاية ليلى في القسم الثاني، شابة أفغانية تعيش في منزل عائلة إيرانية وتعمل لديها: صاحبة المنزل لطيفة مع طفل ليلى، أوميد، تجعله يشارك في حفل الألعاب النارية مع الضيوف وكأنه واحد منهم. لا يوجد تمييز. إذا نظرنا إلى واقع حياة المهاجرين الأفغان في إيران، فإن القضية أكثر تعقيدا بكثير، وطبقات التمييز والإذلال أعمق مما يصور في هذا الفيلم عن وضع المهاجرين.
عمل يأخذ المشاهد في رحلة إلى أجزاء مختلفة من إيران، كل فصل يقدم منظورا فريدا حول التأثير طويل المدى للحرب
يدرس محمد وأصدقاؤه في مدرسة مهنية. هذا أيضا واقع مقلوب ومعلومة غير دقيقة، لأن أطفال المهاجرين الأفغان في إيران (بغض النظر عما إذا كانوا قد نشأوا أو ولدوا في إيران) محرومون أساسا من الحق في التعليم في المدارس الفنية والمهنية، تماما كما يحظر تسجيل المهاجرين الأفغان في مدارس الموهوبين والعديد من المدارس المجانية. يكفي الرجوع إلى صفحة المعلومات والشروط التي توفرها هذه المدارس للمؤهلين للالتحاق بها لرؤية مسألة حظر تواجد الطلاب الأجانب بوضوح.
يمتلك محمد وأصدقاؤه وثائق إقامة لكنهم يخافون من الشرطة. في الواقع، محمد وأصدقاؤه في المدرسة عزل ضد قوة الشرطة. يمكن للشرطة إجبارهم على العمل القسري، حتى لو كانت لديهم أدلة، لتقديم أسباب لترحيلهم. يبدو أن علي رضا قاسمي ورها أمير فضلي قد تخيلا عالما مثاليا يمكن فيه للمهاجر الأفغاني أن يكتسب مكانا محفوفا بالمخاطر ولكنه طبيعي لنفسه، وأن يتعلم ويتحدث علنا.
يمكن للمجتمع التواصل مع أطفال هذا المجتمع دون النظر إلى الآخر والإذلال والتفوق والبعد. الزوايا في الفيلم تشوه قليلا هذا العالم المثالي. يمكن رؤية وضع ليلى الأدنى في علاقتها وعلاقة طفلها بزوج المالك. يجب على أوميد البالغ من العمر ثماني سنوات أيضا اتخاذ إجراءات وتوفير حفلات للمالك الإيراني والعمل.
إن الأوامر والممنوعات والأسئلة العديدة للزوجين الإيرانيين، والتعبير عن الانزعاج من وجود الأدوات، والتعبير عن العمل واللون أمام المدخل، تظهر المسافة والعلاقة الطبقية بين ليلى والرجل والمرأة الإيرانيين. ولكن بدلا من ذلك، يتم دمج طفل ليلى، أوميد، بسهولة في شركتهم ويمكنه المشاركة في سعادتهم دون أي فرق. وقد جعل هذا الفيلم أقرب إلى فيلم سريالي عن مصير الأفغان وحياتهم.
قصة منح شهادات الميلاد والجنسية الإيرانية لأبناء “شهداء فاطميون” هي جزء ضعيف وإشكالي في هذا الفيلم. وجود المواطنين الأفغان وسيناريو منحهم الجنسية غريب جدا وغير مهني بالنسبة إلي. وبحسب الأدلة، فإن المقاتلين الذين تم تجنيدهم في فيلق “فاطميون” لأي سبب من الأسباب، بالإضافة إلى الراتب الشهري خلال فترة وجودهم في ساحة المعركة، في حال عودتهم أو أصيبوا أو جرحوا أو حتى قتلوا، يحصل أفراد عائلاتهم على نوع من الإقامة مما يسمح لهم بالتنقل بسهولة أكبر في مدن مختلفة من إيران، ويحصلون على خصم عند دفع الضريبة السنوية لتجديد البطاقة.
بافتراض أن مسألة منح الجنسية لعائلات قتلى “فاطميون” صحيحة، فإن هذه القضية لا تشمل حتى مئة من السكان البالغ عددهم 5 ملايين نسمة الذين يريد هذا الفيلم الحديث عنهم. لكن يبدو أن تناول مثل هذا الموضوع الهامشي هو جانب خطابي ودعاية (إساءة استخدام) له بسبب الحساسية خارج حدود إيران بشأن قضية “فاطميون” ووجود فيلق القدس في سوريا.
على أي حال، وعلى الرغم من نقاط الضعف العديدة لهذا الفيلم وعدم توافق روايته مع تحديات حياة المهاجرين الأفغان في إيران، والضعف في فهم أعمق للعديد من المشاكل اليومية لهؤلاء المهاجرين في إيران، والتي لا يمكن بالضرورة اختزالها في مسألة معاملة الشرطة، فإن هذا الفيلم يؤكد الجوانب الاجتماعية للتمييز المنهجي والعنصرية ضد المهاجرين الأفغان، والذي يتجاوز قضية الترحيل والحرمان من الحق الواضح في الإقامة.
ثلاثة قلوب نقية
النفاق والأكاذيب والكراهية والغيرة كلها قيم غريبة عن القلوب الطاهرة. مثل قلوب الشخصيات الرئيسية الثلاث لفيلم “في أرض الإخوة”، هناك ثلاثة كائنات حنونة ومحبة: محمد وليلى وقاسم. إنهم أعضاء في عائلة لاجئة أفغانية، ونحن نتابع مصيرهم في ثلاثة أوقات مختلفة وثلاثة أماكن مختلفة في إيران. أولا، مركز شرطة مدمر في منطقة جبلية باردة مغطاة بالثلوج. بياض المشهد يعطي الفيلم ضوءا خاصا. ضوء ناعم ومنوم تقريبا. وثانيا فيلا ذات هندسة معمارية وحشية من السبعينات، في منطقة ساحلية تعد مكانا لقضاء العطلات للطبقة البرجوازية الإيرانية، وأخيرا، ورشة خياطة صغيرة في وسط شقة في ضاحية هادئة في طهران.
تتشابك قصص محمد وليلى وقاسم على مدى عقدين من الزمن، وهم الذين نزحوا إلى إيران نتيجة الغزو الأميركي لأفغانستان المجاورة (2001 – 2021). يتطرق الفيلم إلى قضايا مثل المثلية الجنسية والاغتصاب وكراهية الأجانب وإرهاب الترحيل أو تجنيد اللاجئين في مهام عسكرية مقابل الجنسية.
تقول رها أمير فضلي إنها التقت مع قاسمي في جامعة طهران للفنون، وعملا معا في موقع تصوير ثم في فيلمها القصير “كسوف الشمس” (2021). تقول المخرجة الشابة، وهي طفلة وحيدة، إنها كانت انطوائية منذ الطفولة. بدأت في دراسة الطب، لكن مصيرها أعادت توجيهه نحو السينما.
مثل العديد من زملائهما، اختارت أمير فضلي وعلي قاسمي مغادرة الجمهورية الإسلامية للحفاظ على سلامتهما، وهي تعيش اليوم في نيويورك والمخرج علي قاسمي في باريس. في مقابلة من منزلها الجديد، تقارن فضلي بغضب وحزن سياسة دونالد ترامب ضد المهاجرين، في مرحلته الجديدة على رأس حكومة الولايات المتحدة، “هي نفسها تماما” سياسة الحكومة الإسلامية الإيرانية تجاه المهاجرين واللاجئين من أفغانستان.
في الختام الفيلم سياسي يلامس القلب، لكنه جميل بشكل مذهل، مع صور بيضاء شبه شفافة، الفيلم يتحدث عن جرح عالمي: العداء للمهاجرين والعنف الذي يتبعه. العنف الذي يتم علاجه أحيانا من خلال إيماءات التضامن، الفردية أكثر منها الجماعية، كما نرى مرة أخرى في هذا الفيلم. الفيلم هو تذكير بمصير الملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية، الذين يحلم نتنياهو وترامب بنقلهم إلى دول “شقيقة”.