مقاتلات يوروفايتر لتركيا: تعزيز للقدرات الجوية أم تعويض تكتيكي عن غياب أف-35

وكالة أنباء حضرموت

يمثل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الاثنين عن إحراز تقدم في مفاوضات شراء مقاتلات يوروفايتر تايفون الأوروبية خطوة لافتة في سياق التحولات الجيوسياسية التي تشهدها علاقات أنقرة مع الغرب، وتحديدًا على المستوى الدفاعي.

وبعد سنوات من الجمود بسبب إخراج تركيا من برنامج طائرات أف-35 الأميركية على خلفية شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية أس-400، تبدو أنقرة اليوم بصدد إعادة بناء قدراتها الجوية عبر خيار أوروبي، قد لا يكون بديلاً مكافئًا تقنيًا، لكنه يمثل تعويضًا إستراتيجيًا وورقة توازن مهمة في المعادلة الدفاعية الإقليمية.

وتسعى تركيا للحصول على 40 مقاتلة من طراز يوروفايتر، وهي طائرات تنتمي إلى الجيل الرابع ++ وتتمتع بقدرات عالية في مجال التفوق الجوي والعمليات متعددة المهام، بما في ذلك الاشتباك القريب، والهجمات الدقيقة ضد الأهداف الأرضية، والدفاع الجوي بعيد المدى.

الطائرة تتميز بسرعتها الفائقة التي تتجاوز ضعف سرعة الصوت، وبمرونتها في المناورة، وبأنها نتاج تعاون أوروبي رباعي، ما يمنح الصفقة أبعادًا سياسية تتجاوز الطابع العسكري

وتتميز هذه الطائرة بسرعتها الفائقة التي تتجاوز ضعف سرعة الصوت، وبمرونتها في المناورة، وبأنها نتاج تعاون أوروبي رباعي (بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا)، ما يمنح الصفقة أبعادًا سياسية تتجاوز الطابع العسكري، خاصة في ظل سعي أوروبا إلى ترميم العلاقات مع تركيا واحتوائها ضمن ترتيبات أمن المتوسط.

ويرى خبراء أنه من الناحية العملية، لا تُعد يوروفايتر بديلاً متكافئًا لـ أف-35، التي تمثل طائرة من الجيل الخامس مزودة بتقنيات شبحية متقدمة، ونظم قيادة وسيطرة تجعلها منصة استخباراتية طائرة. لكن الفارق التكنولوجي لا يلغي الأهمية التكتيكية لـتايفون، لا سيما وأنها توفر لأنقرة قدرة سريعة على تعويض النقص العددي والكيفي في سلاحها الجوي، في ظل تقادم أسطول طائرات أف-16 وخلافات مستمرة مع واشنطن حول صفقة التحديث.

كما أن يوروفايتر توفر هامشًا أكبر من الاستقلالية التشغيلية مقارنة بـأف-35، التي تفرض عليها الولايات المتحدة قيودًا صارمة تتعلق ببرمجيات التشغيل والمراقبة المستمرة عبر شبكة رقمية مغلقة.

ولا يمكن فصل هذه الصفقة عن السياق الجيوسياسي الأوسع. فهي تأتي في وقت تتصاعد فيه التحديات الأمنية على حدود تركيا، من البحر الأسود إلى شرق المتوسط وسوريا والعراق. كما أنها رسالة أوروبية ضمنية بأن أنقرة ما زالت شريكًا دفاعيًا لا يمكن تجاوزه، وأن إدماجها في المنظومات الغربية قد يكون أكثر نجاعة من تهميشها.

وفي المقابل، يُفسَّر انفتاح تركيا على يوروفايتر كخطوة براغماتية لإعادة تموضعها داخل المجال الدفاعي الغربي، دون التورط مجددًا في اشتراطات واشنطن.

وفي النهاية، ليست يوروفايتر طائرة بديلة بالمعنى التقني الكامل لـأف-35، لكنها تمثل حلاً إستراتيجيًا واقعيًا في ظل الظروف الحالية، وتعكس مقاربة تركية مرنة قائمة على تنويع مصادر التسلح، والحفاظ على التوازن بين الشراكة الأطلسية والاستقلالية الوطنية. وستكون الصفقة، إن تمّت، أكثر من مجرد تحديث لسلاح الجو، بل خطوة سياسية مدروسة لإعادة رسم موقع تركيا في موازين القوى الدولية.

ورغم سعي تركيا لامتلاك مقاتلات أوروبية، فإن سياستها الدفاعية تسير أيضًا في اتجاه تعزيز الصناعات المحلية، عبر مشروع مقاتلة الجيل الخامس “قآن” والتي تطورها شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية .

ويُتوقع أن تدخل هذه الطائرة الخدمة في النصف الثاني من العقد الحالي، وهي تمثل طموحًا إستراتيجيًا لامتلاك قدرات جوية متقدمة دون الاعتماد الكامل على الخارج. وفي هذا السياق، يمكن فهم صفقة يوروفايتر كحل مؤقت لسد الفجوة إلى حين جاهزية “قآن”.

يبدو أن لندن تراهن على تعزيز شراكتها الدفاعية مع أنقرة، لا فقط لأسباب اقتصادية، بل أيضًا لترسيخ نفوذها بعد بريكست خارج الاتحاد الأوروبي

ويشهد الإقليم تنافسًا واضحًا على مستوى التفوق الجوي، فإسرائيل تمتلك أسطولًا متقدمًا من طائرات أف-35، بينما حصلت اليونان على نسخ مطورة من أف-16 وتخطط لاقتناء أف-35. وأما مصر، فقد عززت قدراتها عبر مقاتلات رافال الفرنسية وروسية سوخوي-35 .

وفي هذا السياق، لا يمكن لأنقرة أن تبقى خارج سباق التحديث الجوي، خصوصًا مع توترات شرق المتوسط وسوريا. ولذا، فإن الحصول على يوروفايتر يُعد ضرورة دفاعية للحفاظ على ميزان الردع في المنطقة.

ورغم أن يوروفايتر مشروع أوروبي مشترك، فإن تصديرها يتطلب موافقة كل من الدول المشاركة فيه، وفي مقدمتها ألمانيا التي تبدي دائمًا تحفظًا على بيع الأسلحة لدول تُعتبر “مزعزعة للاستقرار”، وفق توصيف بعض الدوائر السياسية في برلين.

وتُعد تركيا من هذه الدول في نظر بعض القوى داخل البرلمان الألماني، خاصة بسبب دورها في ليبيا، سوريا، وقبرص. وتكشف هذه الحساسيات هشاشة وحدة القرار الدفاعي الأوروبي، وتعكس أيضًا تعقيدات تمرير الصفقة داخل مؤسسات الحكم الألماني.

ولم يقتصر التقارب التركي-البريطاني في السنوات الأخيرة على صفقة يوروفايتر، بل يشمل تعاونًا أوسع في مجال التصنيع العسكري، مثل تطوير حاملة طائرات خفيفة (أندلو)المستوحاة من تصميم إسباني-بريطاني، ومشاريع أخرى تتعلق بأنظمة الحرب الإلكترونية والطائرات بدون طيار.

ويبدو أن لندن تراهن على تعزيز شراكتها الدفاعية مع أنقرة، لا فقط لأسباب اقتصادية، بل أيضًا لترسيخ نفوذها بعد بريكست خارج الاتحاد الأوروبي.

ويُنظر إلى تسهيل صفقة يوروفايتر كخطوة لبناء الثقة مجددًا بين الطرفين، وكمقدمة محتملة لإعادة دمج تركيا في المبادرات الدفاعية لحلف شمال الأطلسي، ولو بشكل انتقائي.