الزمن المدرسي: مدرسون وخبراء تونسيون يقيمون مشروع القانون الجديد
لا يزال الزمن المدرسي في تونس معضلة تؤرق خبراء التربية والمدرسين والطلبة وأولياء الأمور على حد سواء، فعلى امتداد العشرية الأخيرة طرح الموضوع بإلحاح ومع كل طرح يثير جدلا متواصلا، لكن الجدل لم يحسم الأمر نظرا لتشعب المسألة وارتباطها بالزمن الاجتماعي عموما، وهو زمن نظام عمل أولياء الأمور ووتيرة وسائل النقل بالبلاد. ولأن نظام الحصتين متعب للطلاب لما يرافقه من ثقل في الدروس، نظرا لكثرة المناهج والكتب المدرسية، اقترح عدد من نواب الشعب مشروع قانون نظام الحصة الواحدة الذي كان قد طبق سابقا في بعض المدارس الابتدائية في تونس العاصمة لكنه لم يُؤْت أكله، والذي كان وزير التربية السابق محمد علي البوغديري قد تحدث أيضا عن إمكانية تطبيقه.
وقال البوغديري على هامش زيارة عمل أداها إلى إعدادية الحي الزيتوني بمحافظة مدنين (جنوب) العام الماضي: “تتوجه وزارة التربية إلى الاعتماد على نظام الحصة الواحدة في كافة المؤسسات التربوية، وذلك في إطار خطتها لتنفيذ إصلاحات تربوية في قطاع التعليم في تونس.”
المؤسسات التربوية تعاني من عديد النقائص وهي غير قادرة على استيعاب جميع الطلاب في حصة واحدة وفي توقيت موحد
وتعقيبا على تصريحه، أكد كاتب عام جامعة التعليم الثانوي محمد الصافي، أن الزمن المدرسي في نظام الحصة الواحدة سيكون من الساعة الثامنة صباحًا إلى الساعة الثانية بعد الزوال، متسائلاً في ذات السياق، إذا ما كانت الوزارة قد جهزت البنية التحتية اللازمة لتطبيق هذا التوجه.
وتابع الصافي متسائلاً: “هل أعدت وزارة التربية مؤسسات تربوية جديدة ومجهزة قادرة على استيعاب كل التلاميذ الذين سيدرسون جميعًا في حصة زمنية واحدة؟”
وأضاف أن المؤسسات التربوية في تونس تعاني اليوم من عديد النقائص إضافة إلى نقص في الإطار التربوي وشبه التربوي وهي غير قادرة على استيعاب جميع التلاميذ في حصة واحدة وفي توقيت موحد.
ويرى محمد الصافي أن الزمن المدرسي ليس بمنأى عن الزمن الاجتماعي، وذلك في إشارة إلى أنّ العديد من أولياء الأمور يعملون إلى ساعة متأخرة تصل حتى السادسة مساءً مما يعني أنهم غير قادرين على رعاية أبنائهم في فترة ما بعد الساعة الثانية مساء بتوقيت تونس.
ويبقى عدم الترابط بين زمن إنهاء الطلاب لدراستهم في نظام الحصة الواحدة وزمن إنهاء أولياء أمورهم لعملهم أبرز الإشكالات المطروحة والتي قد تعيق تطبيق نظام الحصة الواحدة في المدارس التونسية، إضافة إلى عدم جاهزية المدارس نفسها لهذا النظام ولا المدرسين حيث لا تجوز المقارنة بين نظام التعليم التونسي ونظام التعليم في كندا وفنلندا، وفق ما أكده بعضهم لـ”العرب.”
وقالت سماح العكرمي أستاذة الفرنسية في معهد محمود المسعدي بالدهماني ولاية الكاف إن “العمل بنظام الحصة الواحدة غير قابل للتطبيق في تونس بالنظر لاختلاف توقيت العمل الإداري في تونس مقارنة بتوقيت العمل في بعض البلدان الأخرى كدول الخليج مثلا، والتي نجحت في تطبيق هذا البرنامج نظرا لمواءمة توقيت عودة الطلاب مع توقيت عودة أولياء أمورهم من العمل.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن العمل خمس ساعات متتالية يمثل عبئا كبيرا على الأستاذ، باعتبار أن التعليم يعد مهنة شاقة. كما يمثل عبئا أيضا على الطالب لأنه قد يفقد التركيز والاستيعاب نظرا لطول ساعات الدراسة، ما يفقد العملية التربوية نجاعتها.
وكبديل عن نظام الحصة الواحدة، طرحت العكرمي إمكانية تخفيف البرامج المدرسية والتقليص من عدد المواد المدرسة، خاصة في التعليم الابتدائي.
وذهب عدد من الأساتذة إلى صعوبة إمكانية تمرير هذا القانون نظرا لصعوبة تطبيقه.
وكتب أحد المربين على صفحة على فيسبوك: “إمكانية التمرير تبقى ضئيلة، لا البنية التحتية ولا عدد الطلاب يسمحان بذلك. وربما ينجر عن الدراسة بنظام الحصة الواحدة المزيد من التسيب للطلاب.”
وأشار فريد شويخي، الخبير التربوي، إلى أن “مقترح مشروع القانون هذا يعد خطأ آخر في نظامنا التربوي، وبتطبيقه سيزداد العبء على الطالب وولي أمره، وسيكونان الخاسرين الأكبرين فيه، لأن عدم تلاؤم وقت مغادرة الطالب مع وقت مغادرة ولي أمره سيخلق لكليهما نوعا من الاضطراب والتشويش.”
وقال في تصريح لـ”العرب”، “كيف لطالب يدرس في المرحلة الابتدائية ولا يعلم أين سيكون على الساعة الثانية بعد الزوال، هل في الحضانة أم في منزل العائلة أم لدى أحد أقرباء العائلة، أن يدرس وينجح؟ هذه معضلة كبيرة.”
واقترح شويخي أن تنفتح المؤسسات التربوية العمومية على المؤسسات الثقافية في البلاد كي تتحقق الفائدة من نظام الحصة الواحدة، وتستوعب دور الثقافة مثلا أو قاعات الرياضة الطلاب المغادرين لمدارسهم.
وأكد على أن التدريس بنظام الحصة الواحدة سيفتح بابا جديدا للدروس الخصوصية، كما ستكون الحضانات المدرسية الرابحَ الوحيد من هذا النظام.وكان نواب في البرلمان قد تقدموا باقتراح قانون يهدف إلى اعتماد نظام الحصة الواحدة في المؤسسات التعليمية العامة. ووفقاً للنائبة ريم الصغير، فإن هذا المشروع يهدف إلى إنهاء الآثار السلبية للنظام الحالي القائم على الفترتين (صباحاً ومساءً).
وأوضحت النائبة أن اقتراح القانون يتضمن سبعة مواد ويشمل المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية. ويعتمد على إعادة تنظيم الوقت المدرسي بما يراعي التوازن النفسي والجسدي للتلاميذ، ويقلل من الإرهاق المدرسي ويهدف إلى تحسين جودة التعليم وظروف التعلم.
كما أشارت ريم الصغير إلى أن الحصة الواحدة المقترحة ستكون مدتها خمس ساعات، إما صباحاً أو مساءً، حسب المؤسسات. وأكدت أن هذه الإصلاحات تأتي في إطار الرغبة في التكيف مع التطورات الاجتماعية الحالية.
وكان مجلس نواب الشعب قد نشر على موقعه الإلكتروني مقترح القانون المتعلق بتنظيم العمل بنظام الحصة الواحدة وحوكمة الزمن المدرسي، الذي كان أحاله في اجتماع مكتبه ليوم الأربعاء الفارط إلى لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة.
ويهدف مقترح القانون، الوارد في سبعة فصول وكان تقدم به عدد من النواب، إلى اعتماد نظام الحصة الواحدة في المؤسسات التربوية العمومية بما “يحقق التوازن الزمني ويحدّ من الإرهاق المدرسي ويرتقي بجودة التعليم والظروف التربوية.”
وأوضح أصحاب المبادرة، في وثيقة شرح الأسباب، أن هذا المقترح يأتي باعتماد نظام الحصة الواحدة في المؤسسات التربوية العمومية، قصد “الحد من الإرهاق الدراسي، وتحقيق التوازن الزمني للتلاميذ، وتوفير ظروف أفضل للعمل التربوي.” وأضافوا أن المقترح جاء في إطار العمل على إصلاح وحوكمة الزمن المدرسي وتخفيف العبء اليومي على التلميذ والتقليص من الهدر المدرسي وتحسين جودة الحياة داخل المؤسسات التربوية.
كما يهدف إلى المساهمة في ترشيد استهلاك الطاقة وتحسين ظروف العمل للأسرة التربوية، وتعزيز قدرة الطلاب على التركيز والتحصيل، وفتح المجال للأنشطة التكميلية في الفضاءات المدرسية أو المجتمعية.
وقدموا في هذا السياق بعض التجارب المقارنة، مثل فنلندا أين تعتمد المدارس نظام الحصة الواحدة، حيث لا يتجاوز الزمن المدرسي 5 ساعات يوميا، مع التركيز على جودة التعليم وراحة الطالب، وكذلك كندا حيث يعتمد النظام المدرسي فترات تعليمية مرنة لا تتجاوز 6 ساعات يوميا، مع وقت مخصص للأنشطة الموازية. بدورها قلصت فرنسا الزمن المدرسي في السنوات الأخيرة مع اعتماد الأربعاء كيوم دون دراسة في بعض المستويات، وتوزيع الزمن بشكل متوازن خلال الأسبوع.
ونصت فصول مقترح القانون، بالخصوص، على تنظيم اليوم الدراسي على فترة واحدة متواصلة (صباحية أو مسائية) لا تتجاوز خمس ساعات يوميّا، دون انقطاع بين الفترتين، مع إمكانية إدماج أنشطة موازية اختيارية خارج هذا التوقيت.
كما اقترح أصحاب المبادرة تطبيق أحكام هذا القانون تدريجيّا على المدارس الابتدائية العمومية والمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية، على أن تمنح الأولوية في التنفيذ للمناطق الريفية والجهات ذات الخصاصة أو صعوبات التنقل.
ويتم ضبط التوقيت الأسبوعي بنظام الحصة الواحدة بالنسبة للمرحلة الابتدائية من الإثنين إلى الجمعة، بـ5 ساعات يوميّا كحد أقصى، وتوزيع زمني لا يتجاوز 30 ساعة أسبوعيّا على خمسة أيام بالنسبة للإعدادي والثانوي.
وتتولى الوزارة المكلّفة بالتربية، وفق المقترح، ضبط الجدول الزمني والمواصفات التربوية وطرق تقييم التجربة. كما تضع خططا لتأهيل البنية التحتية وتوفير النقل المدرسي والتغذية عند الاقتضاء، مع تشجيع المؤسسات على تنظيم أنشطة ثقافية ورياضية ورقمية وفنية بعد الحصة الرسمية بالشراكة مع المجتمع المدني والبلديات دون أن تكون إلزامية.