العراق يعول على مؤتمر الإعلام العربي لتصحيح الصورة النمطية عنه
يغلب على مؤتمرات الإعلام العربية الطابع الرسمي وعقد اللقاءات العاجلة للخروج بتوصيات وبيانات ختامية ليست أكثر من برتوكولات لا تترجم بواقعية في أداء المؤسسات الصحفية، غير أن العراق باستضافته مؤتمر الإعلام العربي يطمح إلى هدف آخر يتمثل في تغيير الصورة النمطية عنه.
واعتبر رئيس خلية الإعلام الأمني، اللواء سعد معن أن مؤتمر الإعلام العربي في بغداد يعد فرصة مهمة لتصحيح الصورة النمطية عن العراق، مشيراً إلى أن حضور أكثر من 200 إعلامي عربي في هذا المؤتمر يمثل رسالة واضحة تعكس الثقة بالاستقرار الذي تنعم به البلاد.
ويعتبر الكثير من العراقيين أن الحروب والانقسامات الطائفية والإصرار على المحاصصة عوامل رسخت صورة نمطية عن المجتمع، مع انتشار الجريمة الذي أدى إلى شيوع العنف الذي هو من الصور التي تستحوذ على أخبار العراق في وسائل الإعلام العربية والأجنبية.
ويرون أن القضايا العراقية التي تحتل المساحة الواسعة في الإعلام تتعلق بالفساد والاستحواذ على المال ونهب المال العام والابتزاز والرشوة والغش والمخادعة وشيوع التدليس في قضايا الحق وحقوق الآخرين أو استخدام الدين والفتاوى لتبرير أشياء لم تعد تنسجم مع معطيات العصر والأخلاق المجتمعية.
وذكر عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد السابق هاشم حسن التميمي أن “صورة العراقيين النمطية منظور لها من الخارج، وبالتأكيد رسمت لها وسائل الإعلام ومعها مواقع التواصل الاجتماعي صورة مثيرة عن العراق وكأنه محافظة إيرانية، ويتسم باستمرار العنف وانتشار الفساد في كل مكان، والصراعات الطائفية والداخلية، وهذه صورة متناقضة مع الصورة الحضارية عن هذا البلد.”
ونتيجة لذلك يبحث العراقيون عن ترسيخ صورة أخرى لبلدهم تمثل حضارته وإرثه المادي والإنساني لإبرازها في وسائل الإعلام، من خلال فعاليات متعددة وناجحة لتحويل الصورة السائدة، ومنها مؤتمر الإعلام العربي الذي يعقد لأول مرة خارج تونس.
وقال اللواء معن إن “مؤتمر الإعلام العربي في دورته الرابعة، الذي يعقد في بغداد تحت رعاية شبكة الإعلام العراقي، يشكل محطة مهمة في نقل الصورة الحقيقية عن الواقع العراقي، بعيداً عن المجاملات أو التزييف الإعلامي.”
وأضاف “أننا بحاجة ماسة إلى نقل صورة واقعية عن العراق، حيث لا نريد ترويجا أو مجاملة، بل نقلاً دقيقا للواقع كما هو، فلطالما عانى العراق وبغداد تحديدا من ظلم إعلامي وتشويه متعمد أو غير دقيق في نقل الصورة الحقيقية.”
ويُشارك في هذه الدورة عدد من الخبراء من دول عربية وأجنبية، من بينهم مشاركون من العراق وتونس ومصر والمغرب والأردن وبريطانيا وإندونيسيا والهند. وكذلك عدد من المنظمات والهيئات الدولية، كالاتحاد الدولي للاتصالات وشبكة “بي.بي.سي” ومنظمة الأغذية والزراعة ومكتب اليونسكو والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والشبكة العربية للبيئة والتنمية.
وأشار معن إلى أن “المؤتمر، الذي يشهد حضور أكثر من 200 إعلامي عربي وممثل عن مؤسسات إعلامية عربية، يعد ثورة حقيقية في سبيل تصحيح الصورة النمطية الخاطئة عن العراق،” مؤكدا أن “الوضع الأمني في بغداد مستقر إلى حدٍ كبير، ويضاهي ما تشهده العديد من العواصم الإقليمية والعالمية.”
تنطلق من بغداد رسالة إعلامية عربية جديدة، مفادها أنّ الإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل قوّة فاعلة في معركة المناخ
وأوضح أن “نقل الواقع كما هو ليس فقط مكسبا للإعلام العربي، بل للمنطقة والعالم أيضا، لأن العراق حاضر في التاريخ، وفاعل في المستقبل، وهو رقم صعب في معادلة الاستقرار والتنمية،” مشددا على “أهمية توحيد الخطاب الإعلامي العربي تجاه القضايا المشتركة، بعيداً عن التشتت والانجرار نحو الزوايا الضيقة.”
وشرع اتحاد إذاعات الدول العربية وشبكة الإعلام العراقي الثلاثاء في تنظيم الدورة الرابعة من مؤتمر الإعلام العربي، والتي تحتضنها العاصمة العراقية بغداد من 20 إلى 24 مايو الجاري، تحت عنوان “دور الإعلام في مواجهة التغيّر المناخي.”
وجاء في بيان المؤتمر “تكتسي هذه الدورة أهمية خاصة لكون المؤتمر يعقد للمرّة الأولى خارج دولة مقرّ الاتحاد (تونس)، تقديرا لجهود شبكة الإعلام العراقي عضوا فاعلا ونشيطا في الاتحاد، وتقديرا لدور العراق المهم والمحوري في دعم العمل العربي المشترك.”
وتطرح الدورة هذا العام موضوعا حيويا يمسّ مختلف جوانب الحياة من الأمن الغذائي والصحي إلى الاقتصاد والطاقة، وسط قناعة راسخة بأنّ الإعلام يجب أن يكون في قلب المعركة المناخية، لا على هامشها.
وأكد المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، عبدالرحيم سليمان، أن العراق من أكثر الدول العربية أمانا وفاق التوقعات في تنظيم مؤتمر الإعلام العربي، فيما أشار إلى أن كافة الظروف مهيأة لنجاح المؤتمر.
وقال سليمان لوكالة الأنباء العراقية “سعداء لانعقاد مؤتمر الإعلام العربي في بغداد على الرغم من تخوفنا السابق من أن يعقد المؤتمر خارج المقر في تونس وهذه أول مرة يعقد خارجه،” مبينا أن “جميع التحضيرات فاقت التوقعات ووفرت أكثر من المتوقع.”
المؤتمر يهدف إلى صياغة خارطة طريق عربية لإعلام بيئي مُستدام، عبر توصيات عملية تخرج من رحم النقاشات والجلسات
وأضاف أن “الوضع في العراق جيد،” مؤكدا أن “العراق يعد من بين أفضل الدول العربية أماناً، وخلال زيارتنا إلى بغداد تجولنا في عدد كبير من المناطق الأثرية والدينية والأسواق والمطاعم ونحن سعداء بما يقدمه العراق.”
ويرى اتحاد إذاعات الدول العربية أنّ التناول الإعلامي العربي لقضايا المناخ بحاجة إلى مقاربة جديدة تتجاوز الموسمية والطابع العلمي المعقّد، نحو خطاب مبسّط، يومي واستقصائي، وقادر على رفع وعي المواطن وتطوير السياسات البيئية على المستوى الوطني والدولي.
ويتوزّع برنامج المؤتمر على 4 محاور رئيسية، تشمل بالأساس مدخلا إلى التغير المناخي: أسبابه ومخاطره، والإعلام والتغير المناخي: الواقع والتحديات، والشراكة والتعاون: نحو إعلام مناخي تشاركي، والتكوين والتدريب: الاستثمار في الإنسان.
كما تسبق المؤتمر ورشتان متخصّصتان حول مبادرة “الإنذار المبكر للجميع” و”توظيف الذكاء الاصطناعي في إعلام المناخ”، في تأكيد وعي المنظمين بدور التكنولوجيا في صناعة إعلام استباقي وفعّال.
وسيتولّى اتحاد إذاعات الدول العربية، بالتعاون مع شبكة الإعلام العراقي، تأمين تغطية إعلامية شاملة عبر شبكته للتبادل، تشمل البث المباشر وتقارير ومقابلات يومية ومركزا إعلاميا متكاملا لخدمة الصحافيين.
وتنطلق من بغداد رسالة إعلامية عربية جديدة، مفادها أنّ الإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل قوّة فاعلة في معركة المناخ، قادرة على صناعة وعي جماعي، ودفع السياسات نحو المزيد من الاستدامة والمسؤولية.
ويُنتظر أن يُسهم هذا التنوّع في تقديم رؤى متعدّدة وزاوية تحليلية أوسع للتحديات المناخية ودور الإعلام في مواجهتها.
ويهدف المؤتمر إلى صياغة خارطة طريق عربية لإعلام بيئي مُستدام، عبر توصيات عملية تخرج من رحم النقاشات والجلسات، بمشاركة خبراء وأكاديميين من الوطن العربي والعالم.
ومن المرتقب أن يُتوّج المؤتمر بـ”إعلان بغداد”، وهو وثيقة مرجعية تُوجّه الخطاب الإعلامي المناخي في العالم العربي نحو المزيد من المهنية والفاعلية.