إخضاع المخيمات الفلسطينية أولوية لبنانية لا تقل صعوبة عن نزع سلاح حزب الله
في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل في لبنان حول نزع سلاح حزب الله ودور الدولة في فرض سلطتها، برز نقاش آخر مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتعلق بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية وإخضاعها إلى الدولة اللبنانية وهي مهمة لا تقل أهمية وخطورة عن نزع سلاح حزب الله.
وفيما يريد اللبنانيون أن يوفر وجود عباس غطاء سياسيا فلسطينيا لعملية نزع أسلحة المخيمات، فإن الرئيس الفلسطيني يريد بهذا الظهور لفت الأنظار إلى أنه ما يزال موجودا خاصة في ظل قطيعة إقليمية ودولية مع أدائه ورفض وجوده في المرحلة القادمة، واعتبار أن انسحابه أحد أهم شروط إصلاح السلطة الفلسطينية لتكون جزءا من مرحلة ما بعد الحرب.
ويقول متخصصون في الشأن اللبناني إن سلاح المخيمات خطير شأنه شأن سلاح حزب الله، لافتين إلى أن جزءا من أسلحة الفصائل هو أسلحة من الحزب وإيران، وإن المقاتلين، خاصة التابعين لحماس والجهاد الإسلامي، تم تدريبهم عن طريق خبراء من إيران أو حزب الله، ما يجعلهم قوة احتياط يمكن أن يوظفها الحزب لإثارة الفوضى في حال تمسكت السلطات بنزع سلاحه. ولا يعرف إن كان الحزب يجمّع بعض سلاحه في المخيمات التي يمنع دخول الجيش والأجهزة اللبنانية إليها.
المخيمات الفلسطينية تعيش منذ عقود ضمن واقع قانوني وأمني استثنائي، حيث لا تمارس الدولة اللبنانية سلطتها الكاملة عليها
ومن غير الواضح ما إذا كانت الدولة اللبنانية تخطط لتسبيق مرحلة على أخرى أم للقيام بنزع سلاح حزب الله والمخيمات بشكل متواز، لكن المؤكد أن لبنان لن يسمح بوجود سلاح خارج سلطة الدولة.
واعتبرت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس الثلاثاء أن لبنان لا يزال أمامه “الكثير” ليفعله من أجل نزع سلاح حزب الله.
وأشارت أورتاغوس في ردّها على سؤال بشأن نزع سلاح حزب الله خلال منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة الثلاثاء إلى أن المسؤولين في لبنان “أنجزوا في الأشهر الستة الماضية أكثر ممّا فعلوا على الأرجح طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية،” مضيفة “لكن لا يزال أمامهم الكثير.”
وشدّدت على أن الولايات المتحدة دعت إلى “نزع السلاح الكامل لحزب الله،” وأن “هذا لا يعني جنوب الليطاني فقط، بل في أنحاء البلاد” كافة، داعية القيادة اللبنانية إلى “اتخاذ قرار” في هذا الشأن.
وسيحقق دخول المخيمات عدة أهداف في نفس الوقت أمنية وسياسية واعتبارية للبنان الذي سيستعيد السيطرة على جزء من أراضيه التي تتحكم بها الفصائل منذ سنوات طويلة، وفي نفس الوقت تقديم صورة عن قدرات المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية خاصة للولايات المتحدة التي تراقب ما يجري في لبنان.
وتعيش المخيمات الفلسطينية منذ عقود ضمن واقع قانوني وأمني استثنائي، حيث لا تمارس الدولة اللبنانية سلطتها الكاملة عليها، تاركة إدارة الأمن والخدمات للفصائل الفلسطينية.
وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون في مقابلة مع قناة “أون تي في” المصرية ليل الأحد على أن “حصرية السلاح يجب أن تكون بيد الدولة، وقرار الحرب والسلم بيدها.” وأضاف “أتكلم ليس فقط عن السلاح اللبناني بل عن السلاح غير اللبناني، السلاح الفلسطيني في المخيمات،” موضحا “أنا أنتظر زيارة الرئيس عباس للبحث به.”
ويبدو رهان لبنان على زيارة محمود عباس لتحقيق اختراقات جوهرية في ملف نزع سلاح المخيمات مبالغا فيه، خاصة في ظل الواقع السياسي المعقد وتداخل النفوذ الإقليمي داخل المخيمات وعجز أبومازن عن فرض سلطته على الفصائل المسلحة التي تهيمن على هذه المناطق.
ويرى مراقبون أن زيارة أبومازن قد تفتح باب الحوار لكنها لا تبدو كافية لوحدها للحصول على غطاء سياسي لتحريك الملف بشكل جذري على الأرض.
وتتهم دوائر فلسطينية عباس بأنه يتحمل مسؤولية الوضع الذي وصلت إليه غزة بسبب هجوم حماس في أكتوبر 2023 وما تبعه من دمار واسع لعجز سلطته عن تأمين القطاع وتركه لحماس، فضلا عن أزمة قيادة داخل السلطة وحركة فتح ما وضع السلطة في موقف الضعيف أمام نفوذ حماس المتزايد عسكريا وسياسيا دون أن يتخذ الرئيس الفلسطيني أيّ مبادرة لتوحيد القوى التي تنتمي لمنظمة التحرير، وعلى العكس فقد دفعت سياساته إلى توسيع الخلافات داخل حركة فتح نفسها.
سلاح المخيمات خطير شأنه شأن سلاح حزب الله، حيث أن جزءا من أسلحة الفصائل هو أسلحة من الحزب اللبناني وإيران
وتعدّ هذه الزيارة الأولى لعبّاس إلى لبنان منذ العام 2017، ومن المقرر أن تستمر ثلاثة أيام. ويقيم في لبنان أكثر من 220 ألف فلسطيني في مخيمات مكتظة وبظروف مزرية ويمنعون من العمل في قطاعات عدة في البلاد.
وجاء في بيان مشترك بعد لقاء جمع بين عباس والرئيس جوزيف عون في القصر الجمهوري “يؤكد الجانبان التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أيّ مظاهر خارجة عن منطق الدولة اللبنانية، كما يؤكدان على أهمية احترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه.”
وتابع البيان أن الطرفين “يعلنان إيمانهما بأن زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى، خصوصا أن الشعبين اللبناني والفلسطيني قد تحمّلا طيلة عقود طويلة، أثماناً باهظة وخسائر فادحة وتضحيات كبيرة.”
وكان عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني الذي يرافق عباس قال الثلاثاء “طبعا السلاح الفلسطيني الموجود في المخيمات سيكون واحدا من القضايا على جدول النقاش بين الرئيس عباس والرئيس اللبناني والحكومة اللبنانية.”
وقال مصدر حكومي لبناني الأربعاء إن زيارة عبّاس “تهدف إلى وضع آلية تنفيذية لتجميع وسحب السلاح من المخيمات.”