سفارة السودان بطرابلس الليبية.. واجهة دبلوماسية أم أذرع أمنية؟

وكالة أنباء حضرموت

من واجهة دبلوماسية، إلى أذرع أمنية عابرة للحدود تتجاوز وظيفتها الأساسية في الحماية والرعاية، إلى المطاردة والقمع، هكذا باتت سفارات السودان، في ظل حكم سلطة بورتسودان، التي لا تضع في اعتباراتها القانون الدولي ولا تعير اتفاقيات حماية اللاجئين، اهتماما.

هذا التحوّل تجلّى بوضوح في واقعة اعتقال الناشط محمد آدم «توباك» داخل مبنى السفارة السودانية في طرابلس، في مشهد وصفه حقوقيون بـ«القرصنة الدبلوماسية»، واعتبروه خرقًا صارخًا لاتفاقيات حماية اللاجئين ولأبسط القواعد الأخلاقية للدبلوماسية الدولية.

فما القصة؟
طبقاً للمرصد السوداني لحقوق الإنسان، فإن مجموعة مُلثمة تتبع للسفارة السودانية في طرابلس الليبية، اعتقلت الناشط السوداني محمد آدم (توباك) واحتجزته في مقرها، في واقعت اعتبرت «انتهاكًا صارخًا للأعراف الدولية وتجاوزًا غير مقبول».

وبحسب المرصد السوداني، فإن اعتقال توباك يتنافى مع مهام وعمل السفارات والقنصليات التي يجب أن تلتزم بحماية المواطنين المقيمين في الخارج وليس تهديد حريتهم وسلامتهم، مطالبًا بضرورة الإفراج الفوري عن توباك، داعيًا -في الوقت نفسه- المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى التدخل السريع لإنقاذ حياة المعتقل وضمان وصوله إلى مكان آمن.

إدانات
اعتقال الناشط توباك بواسطة عناصر تتبع للسفارة السودانية في طرابلس، أثار ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي في السودان، مما دفع عدد من السياسيين والناشطين السودانيين، إلى استنكار تحول السفارة السودانية من «واجهة دبلوماسية، إلى جهة أمنية بمهام ذات طبيعة استخباراتية»، محملين طاقم السفارة في طرابلس مسؤولية سلامة توباك وكل ما يتصل بحقوقه الانسانية والقانونية.

ونقلت تقارير صحفية في السودان، عن نائب رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن، قوله: «إن ملاحقة توباك بواسطة السفارة السودانية في ليبيا تؤكد بأن أجهزة نظام الدولة تعمل في جزر معزولة عن بعضها».

وأضاف: «إذا كان الأمر يتعلق بالبلاغ الجنائي المفتوح في مواجهة توباك بسبب حادث قتل عميد الشرطة، فقد سبق للأجهزة المنوطة بها إنفاذ القانون تبرير تعطيل الإجراءات الجنائية».

وأوضح أن الأوضاع الاستثنائية دفعت إلى إطلاق السجناء والموقوفين وتعطيل إجراءات تطبيق القانون بسبب الحرب، حيث «لا يزال الوضع على ما هو عليه».

قرصنة دبلوماسية
من جهته، أدان التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة السودانية (صمود)، ما أسماه «اختطاف» المناضل محمد توباك بواسطة السفارة السودانية في طرابلس، واحتجازه داخل مقر السفارة، في خطوة تهدف لترحيله قسرياً إلى السودان.

وقال التحالف في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية": «إن هذا السلوك قرصنة دبلوماسية وانتهاكاً صارخاً للسيادة الليبية، ومخالفة فاضحة للقانون الدولي واتفاقيات حماية اللاجئين».

وطالب التحالف المنظمات الحقوقية الدولية بالتدخل العاجل للتحقيق في هذه الواقعة، ومنع ترحيل توباك بالتنسيق مع السلطات الليبية، مع ضمان توفير الحماية اللازمة له، ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.

وأكد أن القوانين الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين تكفل الحماية الكاملة لكل من طلب اللجوء في بلد آخر، وتُجرّم كافة أشكال المضايقات التي قد يتعرض لها اللاجئون.

وأشار تحالف "صمود" إلى إن الاتهامات التي وُجهت لـ"توباك" في السودان هي «اتهامات كيدية، تفتقر لأي حيثيات موضوعية أو أدلة قانونية يمكن أن تصمد أمام قضاء عادل ومحايد».

وبحسب «صمود»، فإن «ما يحدث يعكس استمرار توظيف الجهاز القضائي كأداة سياسية منذ عهد الإنقاذ، إذ تُستخدم المحاكم لتصفية الخصوم وتلفيق التهم، وهو ما يتعرض له توباك اليوم».

وناشد التحالف المنظمات الحقوقية والعدلية الإقليمية والدولية بضرورة رصد هذه الانتهاكات ومحاسبة سلطة بورتسودان التي تمضي في تسييس ما تبقى من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجهاز القضائي.

ووجه تحالف "صمود" في بيانه، تحذيراً لسلطة بورتسودان من أن الاستمرار في هذا النهج القمعي والانتهاكات الممنهجة لن يساهم في تهدئة الأوضاع أو إعادة النسيج الاجتماعي، بل سيزيد من حالة الغضب والاحتقان الشعبي، ويدفع باتجاه تأجيج الحرب واستمرارها، بما يُغذي قناعات أن لا حل إلا عبر العنف، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلاً.

تكييف قانوني
وطبقاً لبيان صادر عن هيئة الدفاع عن (توباك) اطلعت عليه "العين الإخبارية"، فإن الأخير سبق أن قدم طلب لجوء في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لدى مكتب المفوض السامي لشئون اللاجئين، ومما يعني أنه تحت الحماية الدولية، وطبقاً لذلك لا يحق لأي جهة القبض عليه أو ترحيله قسراً إلى السودان، حيث يخشى من تعرضه لانتهاك حقوقه المدنية الأساسية.

وقالت هيئة الدفاع عن توباك: "إن ما قامت به السفارة السودانية بطرابلس، هو انتهاك للقانون الدولي، وانتهاكٌ لحق مواطن سوداني قدم طلب لجوء للمفوضية السامية لشئون اللاجئين - حتى وإن كان مطلوباً في قضية جنائية - طبقاً لنص المادة (١/٩) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة في 18 أبريل/نيسان 1961، والتي تُقرأ (لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً).

وأضافت هيئة الدفاع عن توباك: "أن ما قامت به سفارة السودان بطرابلس عدوان لا يقره القانون الدولي، وتمنعه المادة (٤١) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة في ١٨ أبريل ١٩٦١ ، والتي تنص على: (مع عدم المساس بالمزايا والحصانات على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة، وكل المسائل الرسمية المعهود بحثها لبعثة الدولة المعتمدة مع الدولة المعتمد لديها، يجب أن تبحث مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها عن طريقها أو مع أي وزارة متفق عليها، و لا تستعمل مباني البعثة في أغراض تتنافى مع أعمال تلك البعثة التي ذكرت في هذه الاتفاقية أو مع قواعد القانون الدولي العام أو مع الاتفاقيات الخاصة القائمة بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها).

من هو توباك؟

هو أحد أشهر النشطاء الذين تم احتجازهم بتهمة اغتيال عميد شرطة علي بريمة، أثناء تأمينه احتجاجات نُظمت قرب القصر الرئاسي في الخرطوم في 13 يناير/كانون الثاني 2022م.
أبدى، بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، وفراره ضمن نزلاء السجون بسبب انعدام الأمن، استعداده للمثول أمام المحكمة فور هدوء الأوضاع.
مع استمرار الحرب ونزوح غالبية سكان الخرطوم، تمكن توباك من المغادرة إلى ليبيا
تقدم بطلب اللجوء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو يحمل وثيقة رسمية من شؤون اللاجئين.