الأصوات لا الاصطفافات.. رهان السوداني لحسم انتخابات العراق؟
مع إغلاق العراق باب تسجيل التحالفات والأحزاب استعداداً لانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2025، يراهن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على استثمار منصبه وشعبيته لخوض التجربة منفردا.
لكن وسط مشهد حزبي متضخم وتحالفات متقلبة، لا تبدو الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة مجرد استحقاق دستوري، بل نقطة مفصلية في إعادة هيكلة المشهد السياسي.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الخميس، إغلاق، باب تسجيل التحالفات والأحزاب استعداداً لانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2025، ليرتفع عدد الأحزاب السياسية المسجلة إلى 116 حزباً، فيما تستعد 20 تحالفاً انتخابياً لخوض السباق النيابي المرتقب.
السوداني خارج الإطار الشيعي
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن عن تشكيل تحالف انتخابي واسع تحت مسمى "ائتلاف الإعمار والتنمية"، يضم شخصيات مثل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وإياد علاوي زعيم الكتلة الوطنية، وأحمد الأسدي بزعامة وزير العمل والشؤون الاجتماعية.
كما يضم هذا الائتلاف "تحالف إبداع كربلاء بزعامة محافظ كربلاء نصيف الخطابي" الذي حصد أغلب المقاعد في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت العام الماضي.
ويضم أيضاً تجمّع أجيال بزعامة النائب محمد الصيهود، وتحالف حلول الوطني بزعامة محمد صاحب الدراجي مستشار السوداني حالياً والوزير الأسبق والقيادي المنشق عن التيار الصدري.
ما أسباب خطوة السوداني؟
يقول المحلل السياسي العراقي حيدر عبدالجبار في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «السوداني يحاول الاستفادة من الزخم الشعبي والنجاحات الجزئية في ملفات الخدمات، ليقدم نفسه كمرشح مستقل أو شبه مستقل، مع وعود بإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار، وهي رسالة موجهة للناخبين الباحثين عن البدائل خارج الاصطفافات الطائفية القديمة».
وأوضح المحلل السياسي: «السوداني يدرك أن الاستمرار تحت مظلة الإطار الشيعي سيبقيه أسير توازنات القوى الداخلية، ويفقده القدرة على المناورة السياسية»، مشيرًا إلى أنه «من خلال تأسيس تحالفه، يسعى السوداني لترسيخ هوية قيادية مستقلة قادرة على استقطاب أطراف متنوعة خارج القيد الطائفي والحزبي التقليدي، خصوصاً أنه أصبح يحظى بقبول شعبي نسبي بفضل أدائه المتوازن في الحكومة».
وأضاف: «يحاول السوداني النأي بنفسه عن مشاكل قوى الإطار الشيعي التي قد تؤثر سلباً على فرصه في الانتخابات المقبلة، خصوصاً في ظل المزاج الشعبي الغاضب من الطبقة السياسية التقليدية»، لافتاً إلى أن «تحالف الإعمار والتنمية يتوجه إلى الناخب الوسطي والمستقل، وهو جمهور واسع يشعر بالتهميش وسط صراع القوى التقليدية. السوداني يريد التماهي مع تطلعات هذه الفئة التي تنشد الاستقرار والخدمات أكثر من الانتماءات الحزبية».
حسابات ما بعد الانتخابات
بدوره، يقول المراقب السياسي المقرب من قوى الإطار الشيعي نزار العبادي لـ«العين الإخبارية»، إن «قرار السوداني تشكيل تحالف انتخابي جديد يحمل عنوان الإعمار والتنمية، بعيدًا عن مظلة الإطار التنسيقي، لا يمثّل انشقاقاً جذرياً بقدر ما هو مناورة محسوبة تهدف إلى إعادة التموضع في المشهد الانتخابي وتحسين شروط التفاوض لما بعد الانتخابات».
ويشير العبادي إلى أن «خروج السوداني ليس قطيعة نهائية مع الإطار بقدر ما هو فصل انتخابي مؤقت، مردّه إلى عدة اعتبارات منها (تفادي التبعية المباشرة للإطار في أعين الناخبين، خصوصًا مع تصاعد النقد الشعبي للأحزاب التقليدية، والسعي لتوسيع قاعدته السياسية واستقطاب المستقلين والوسط المعتدل، وظهوره بمظهر الرجل القادر على العمل فوق الاستقطابات الطائفية، وتحصين منصبه من الضغوط التي قد يمارسها بعض قادة الإطار، عبر خلق تحالف بديل يملأ الفراغ إذا ما فُرضت عليه تسويات سياسية صعبة».
وتابع: «التقديرات تشير إلى أن عودة السوداني إلى الإطار بعد الانتخابات واردة بل مرجحة، لكن بشروط مختلفة، خاصة إذا نجح في حصد عدد معتبر من المقاعد البرلمانية يمكنه من التفاوض من موقع قوة. وفي هذا السياق، قد يتحول تحالف الإعمار والتنمية إلى كتلة وازنة تسعى لقيادة الحكومة الجديدة ضمن توازنات جديدة».
شرعية مستقلة
بدوره، قال قيادي كبير في تيار الفراتين الذي يتزعمه السوداني وهو جزء من ائتلاف الإعمار والتنمية لـ«العين الإخبارية»، إن «السوداني يدرك أن النجاح في الحكم لا يكفي، بل عليه أن يصنع شرعيته الانتخابية المستقلة، خصوصاً أن تكليفه الأول جاء بتوافقات نخب سياسية، لا بكتلة انتخابية».
وأضاف: «هو يسعى الآن لبناء تلك الكتلة، دون أن يقلب الطاولة على شركائه السابقين، هذه براغماتية سياسية لا تمرد، وهي جزء من عقلية رجل دولة يسعى للعب دور جامع».
وتابع: «قد يعود السوداني إلى الإطار الشيعي من جديد لكن من موقع جديد وبأوراق مختلفة، إنها خطوة ذكية لربح معركة الأصوات من دون خسارة تحالفات الحكم، ولتقديم نفسه كـ(قائد وطني) لا مجرد مرشح تسوية، والأيام ستحدد ما إذا كانت هذه الخطوة مجرد مناورة انتخابية عابرة أم بداية تحول استراتيجي في مسيرته السياسية».
هل إيران تدعم السوداني؟
وفي سياق متصل، رجّحت النائبة والمرشحة عن ائتلاف السوداني، عالية نصيف مشاركة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الانتخابات المقبلة، دون توضيح طبيعة المشاركة، مشيرة إلى أن إيران تدعم بقاء السوداني بسبب «وسطيته» التي تحتاجها طهران، وفق قولها.
وقالت نصيف في تصريحات تابعتها «العين الإخبارية»، إن الفصائل المسلحة دخلت السباق الانتخابي عبر قوائم سياسية مستترة، محذّرة من استخدام واسع لـ«المال السياسي» وشراء الأصوات، مشيرة إلى أن سعر البطاقة الانتخابية قد يصل إلى 400 دولار.
وأكدت أن تعديل قانون الانتخابات لم يعد ممكنًا بسبب ضيق الوقت، واصفة المشهد بعبارة «اللعبة انتهت». وأضافت أن الخلافات داخل الإطار التنسيقي أدّت إلى خوض الانتخابات بقوائم متفرقة.
نصيف شددت على أن مشاركة الصدريين ستزيد من نسب التصويت، لكنها قد تؤثر على فرص السوداني بولاية ثانية، مشيرة إلى أن التحالفات ما بعد الانتخابات قد تعيد ترتيب التحالفات.
تأتي تصريحات نصيف بعد يوم من تأكيد بهاء الأعرجي، القيادي السابق في التيار الصدري، أن التيار سيشارك في الانتخابات وسيمنح دعمه للسوداني لتجديد ولايته، متوقعا أن يحصل التيار على عدد مقاعد يماثل ما سيحققه السوداني.
تقدم والانتخابات
وأعلنت قيادة حزب "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي خوض الانتخابات منفرداً، دون الدخول في أي تحالفات سياسية، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها محاولة للحفاظ على الهوية السُنية السياسية في مواجهة تشظي التحالفات التقليدية، خاصة بعد عودة بعض الوجوه القديمة كقاسم الفهداوي وكريم عفتان ضمن "تحالف الأنبار المتحد"، بينما انضم جمال الكربولي لتحالف "الحسم الوطني" بزعامة وزير الدفاع ثابت العيساوي.
ويعد حزب تقدم أكبر وأهم الاحزاب السياسية السنية، ويتوقع أن يحصد أغلب المقاعد في المحافظات الغربية التي سيشارك فيها بالإضافة إلى العاصمة بغداد.
ويعد تحالف العزم برئاسة النائب مثنى السامرائي ثاني أهم الأحزاب السياسية السنية، فيما تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر هو ثالث الأحزاب السياسية السنية من حيث القاعدة الشعبية، ويأتي في المرتبة الرابعة تحالف الحسم الوطني.
دولة القانون
وسيخوض ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الانتخابات بتحالف مع حزب الفضيلة الإسلامي الذي يعد زعيمه الروحي المرجع الديني محمد اليعقوبي.
فيما قرر ائتلاف الأساس بزعامة نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي خوض الانتخابات لوحده، بينما فضل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة رجل الدين همام حمودي خوض الانتخابات بمفرده تحت مسمى "إبشر يا عراق"، وكذلك الحال بالنسبة إلى كتلة صادقون المضلة السياسية لمليشيات عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي.
ائتلاف النصر وآخرون
بينما فضل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم الدخول بتحالف مع ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي تحت مسمى (تحالف قوى الدولة)، وذهبت منظمة بدر إلى الدخول بقائمة منفردة بزعامة هادي العامري أحد قادة المليشيات.
أما حركة حقوق المضلة السياسية لمليشيات كتائب حزب الله العراق فقد قررت خوض الانتخابات أيضاً بمفردها، بعدما حاولت الانضمام إلى تحالف المالكي، لكنها فشلت خلال تلك المفاوضات.
وكان الإطار الشيعي أكد في بيان له الشهر الماضي أن قرار القيادة هو خوض الانتخابات بقوائم متعددة على أن يتم التحالف بعد اجراء الانتخابات وظهور النتائج.
وعلى الرغم من أن بعض المراقبين يعتبرون تشكيل السوداني لتحالف جزءاً من استراتيجية الإطار التنسيقي لتوزيع القوائم، يرى آخرون أنه يمثل انفصالاً عملياً عن الإطار ورسالة سياسية واضحة بأن السوداني يخطط لمستقبل سياسي مستقل.