صراع الدبيبة والبرلمان الليبي يشتد قبيل جلسة تزكية الحكومة الجديدة
هاجم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، متهما إياه بـ"المسار الوهمي" لإطالة المرحلة الانتقالية، في تصعيد سياسي يسبق جلسة برلمانية حاسمة.
وقال الدبيبة في منشور عبر صفحته على فيسبوك "عوضا عن فتح باب الترشح للمرة العاشرة، في مسار وهمي لم ينتج سوى تأكيد النية لإطالة المرحلة الانتقالية، كان الأجدر بالسيد عقيلة صالح أن يتخذ موقفا وطنيا ينهي حالة الإنفاق الموازي... وأين نوابه المغيبون؟".
ويأتي هذا التصعيد قبل يوم من جلسة مجلس النواب في بنغازي، حيث من المقرر النظر في تزكية مرشحين لحكومة جديدة، حيث تم نشر أسماء عدد من المرشحين خلال الأيام الماضية، وسط حديث عن توافقات سياسية لتسمية شخصية توافقية، وهي خطوة يرى الدبيبة أنها تهدف إلى إطالة المرحلة الانتقالية.
وكان عقيلة صالح قد دعا السبت إلى تشكيل حكومة موحدة، معتبرا أن "توفير الغذاء والدواء والكهرباء والمرتبات أولى من الانتخابات".
وأكد أن تشكيل حكومة جديدة "لا علاقة له بإجراء الانتخابات"، مشيرا إلى إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن.
وتكررت دعوات عقيلة صالح لتشكيل حكومة جديدة منذ سحب البرلمان الثقة من حكومة الدبيبة في سبتمبر 2021، وفي يوليو 2024، فتح البرلمان باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة.
كما ستتضمن الجلسة المرتقبة مناقشة الإصلاحات الاقتصادية التي عرضها محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، أمام اللجنة المالية بمجلس النواب، إلى جانب بحث المراسيم الرئاسية الثلاثة التي أصدرها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والتي تضمنت إيقاف العمل بقانون المحكمة الدستورية، وتحديد آليات انتخاب المؤتمر العام للمصالحة، وتشكيل مفوضية الاستفتاء.
وتأتي هذه التطورات في ظل جدل واسع حول المراسيم الرئاسية التي قوبلت برفض كل من عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي وعقيلة صالح ورئيس الحكومة المكلفة من المجلس أسامة حماد، بينما أيدها الدبيبة وجماعة الإخوان المسلمين.
وقال الدبيبة في كلمة له خلال استقباله المنفي بمطار معيتيقة في طرابلس إن المراسيم الرئاسية "خطوة نحو استعادة قوة ليبيا ووحدتها"، مؤكدا عزمه على تنفيذها.
وأصدر المنفي هذه المراسيم خلال فترة علاج في ألمانيا، مما أثار شكوكا حول مدى توافقها داخل المجلس الرئاسي. وقد دعت بعثة الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى تجنب الإجراءات الأحادية، محذرين من مخاطر التصعيد وزعزعة الاستقرار.
ويُظهر التصعيد الحاد بين الدبيبة وعقيلة صالح عمق الأزمة السياسية في ليبيا، حيث يتجلى صراع محموم على الشرعية والسلطة، فالدبيبة، الذي يكرر باستمرار أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، يرفض مسار البرلمان لتشكيل حكومة جديدة موحدة، معتبرا إياه محاولة لإطالة المرحلة الانتقالية وتقويض شرعيته.
في المقابل، يصر عقيلة صالح على أولوية تشكيل حكومة موحدة، مؤكدًا أن ذلك يهدف إلى تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات شاملة في كامل البلاد، مما يؤجج الصراع بين المؤسستين المتنافستين.
ويرى مراقبون الأطراف الليبية لطالما استغلت هذه الخلافات والانقسامات المؤسسية والسياسية ببراعة لإدامة حالة الانسداد الراهنة، لتضمن بذلك بقاءها المريح في مواقع السلطة والنفوذ، وإعاقة أي مسار حقيقي نحو انتخابات شاملة وموحدة.
وتُعد المراسيم الرئاسية التي أصدرها المنفي، رغم ظروفه الصحية، نقطة تحول في هذا الصراع، حيث تسعى إلى تغيير موازين القوى عبر إجراءات أحادية الجانب، ويكشف الانقسام الحاد حولها عن عمق الخلافات السياسية وتأثيرها على استقرار البلاد.
وتتزايد المخاوف من استغلال أطراف مؤثرة للوضع السياسي المتأزم في ليبيا لتعميق الانقسامات، مما ينذر بانزلاق البلاد مجددًا إلى مربع الفوضى. وتعكس دعوات البعثة الأممية والولايات المتحدة لتجنب الإجراءات الأحادية قلقا دوليا متصاعدا إزاء هذا التدهور المحتمل. ويتفاقم هذا القلق مع ترقب نتائج جلسة البرلمان المقبلة، التي تحمل في طياتها احتمالية تأجيج الصراع أو فتح مسار نحو حوار جديد.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يترقب الشارع الليبي بحذر ما ستسفر عنه جلسة البرلمان، في وقت تتصاعد فيه الدعوات لإنهاء الانقسام والتوجه نحو انتخابات شاملة. فالصراع بين المؤسسات المتنافسة، والجدل حول المراسيم الرئاسية، يهدد بتقويض أي جهود نحو الاستقرار والمصالحة. ويبقى التحدي الأكبر أمام القوى السياسية الليبية هو تجاوز خلافاتها والتوصل إلى حل توافقي ينهي المراحل الانتقالية الطويلة ويفتح الطريق أمام مستقبل أكثر استقرارا.