"يوميات الشرق الأوسط".. إذاعة طارئة لـ"بي.بي.سي" لتغطية أوضاع المنطقة الساخنة
أعلنت بي.بي.سي نيوز عربي خدمة إذاعية طارئة تحت اسم “يوميات الشرق الأوسط” بدءا من الخامس من مايو الجاري استجابة للصراع الذي تشهده المنطقة، مع توالي التصعيد السياسي والعسكري من جهة وحاجة الحكومة البريطانية إلى استعادة القوة الناعمة والتأثير بعد إغلاق القسم العربي.
ويهتم برنامج “يوميات الشرق الأوسط” بمتابعة التطورات في المنطقة بدءا من الأزمات الإنسانية التي تسببها الصراعات والكوارث الطبيعية وصولا إلى الاضطرابات السياسية التي تزداد تصاعدا بما تحمله من تداعيات إقليمية ودولية.
وتعتبر هذه الخدمة الطارئة جزءا من خدمات أخرى أطلقتها الهيئة لتعويض القسم العربي للإذاعة الذي كان مصدرا قيما للأخبار ومثالا عن “القوّة الناعمة” التي تشيع النفوذ والقيم البريطانية بأسلوب سلس. لذلك أثار إغلاقها ردود فعل واسعة.
وأعربت الهيئة البريطانية أنها ستعتمد على أصوات المواطنين في نقل تجاربهم تحت ظروف إنسانية صعبة ومن خلال مجموعة من صحافيين محليين ومراسلي بي.بي.سي نيوز عربي المتمرسين في نقل الحقائق على الأرض بدقة وحيادية.
الخدمة الطارئة جزء من خدمات أخرى أطلقتها الهيئة لتعويض القسم العربي للإذاعة الذي كان مثالا عن "القوة الناعمة"
وتابعت أن البرنامج يهدف إلى مساعدة الناس على مواجهة الظروف الطارئة والحفاظ على حياتهم من خلال إرشادات ونصائح يقدمها خبراء محليون على الأرض وعمال إغاثة دوليون، إضافة إلى إمدادهم بكافة المعلومات التي يحتاجونها عن تطورات الصراع وما يترتب عليها من حاجة إلى خدمات صحية وإغاثية.
وتُبث هذه الخدمة من الأحد إلى الخميس للمستمعين في الأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا واليمن، ومصر وقطاع غزة.
وكان تراجع الدعم الحكومي من أبرز الأسباب التي استدعت تقليص الخدمات والموظفين للهيئة في العديد من اللغات من بينها العربية، غير أن أوضاع الشرق الأوسط المشتعلة تدفع الحكومة الى إطلاق خدمات طارئة، وأفادت مصادر مطلعة بأنه غالبا ما كان هناك تشاور وثيق في مجال البث الدولي يدور وراء الكواليس بين “بي.بي.سي” والحكومة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أهميتها الواضحة في وقت تشهد التوترات الدولية قدرا من التصعيد، وجدت الخدمة العالمية نفسها أخيرا في وضع مالي خطر. وفي سبتمبر عام 2022، أعلنت تقليصا كبيرا في الخدمة العالمية، مع خسارة حوالي 400 وظيفة، علاوة على توقف خدمات البث الإذاعي فيما استمرت في تقديم المحتوى الرقمي في مجموعة من اللغات الآسيوية. وفي يناير أنهت الخدمة العالمية بثها باللغة العربية، الذي كان يوجه إلى المستمعين منذ 85 عاما.
ويبدو أن الحكومة البريطانية مترددة في إنهاء مهمة “بي.بي.سي” الخارجية مع إدراكها أن الخدمة العالمية تقدم أداة رئيسة للقوة الناعمة العالمية للمملكة المتحدة، ووسيلة تساعدها في الاحتفاظ بأهميتها المركزية في التأثير في كيفية تصور العديد من المستمعين للعالم وتسهم في الترويج بمهارة لوجهات النظر البريطانية حول الشؤون الدولية.
ومن أجل هذا الهدف تعمل الحكومة البريطانية على تقديم مساعدت متفرقة بين فترة وأخرى في حالات الطوارئ لمواجهة الأزمات الدورية، الأمر الذي يبقي الغموض مهيمنا بشأن المستقبل.
الخدمة تُبث من الأحد إلى الخميس للمستمعين في الأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا واليمن، ومصر وقطاع غزة
وفي ضوء ذلك، يبدو أن توفير تغطية على وجه السرعة للسودان أو غزة أو غيرهما من دول المنطقة المشتعلة اعتراف بالضرر الناجم عن عمليات الخفض الأخيرة أكثر منه علامة على قوة الخدمة العالمية.
وتتمتع خدمة بي.بي.سي العالمية، التي تمثل خدمات البث الدولية غير التجارية التابعة للهيئة البريطانية، بسجل سابق في إطلاق برامج البث في حالات الطوارئ، فأطلقت خدمة إذاعة طارئة بعد أشهر من توقف بث إذاعة بي.بي.سي نيوز عربي، وذلك بعد 84 عاما من البث في كل المنطقة الناطقة بالعربي، واكتفت بالتحول إلى زيادة المحتوى الرقمي، معللة بأن الهدف التفاعل مع جمهورها، فتحولت “هنا لندن” إلى رابط على موقعها الإلكتروني.
وقدمت بي.بي.سي بثا إذاعيا طارئا في مايو 2023، في أعقاب اندلاع الصراع في السودان، إضافة إلى بث طارئ معني بالصراع في غزة بدأ في نوفمبر 2023 ثم بودكاست غزة اليوم في يونيو 2024.
وكانت بي.بي.سي قد بدأت خدمة باللغة الأوكرانية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، فضلا عن تدشّينها في عام 2014 خدمة خاصة بغزة، في أعقاب صراع استمر طوال فصل صيف ذلك العام.
وربما مع احتمالات اتساع الصراع الدائر في الشرق الأوسط، تقرر هيئة الإذاعة البريطانية إضافة المزيد من الإذاعات الطارئة، وفي نهاية المطاف، تعود للبث الحي مرة أخرى.
يبدو أن الحكومة البريطانية مترددة في إنهاء مهمة "بي.بي.سي" الخارجية مع إدراكها أن الخدمة العالمية تقدم أداة رئيسة للقوة الناعمة العالمية للمملكة المتحدة
وعلى سبيل المثال، من أجل دعم هدف “بي.بي.سي” المتمثل في نشر أخبار موثوقة للجمهور العالمي، وهو أمر بالغ الأهمية في عصر “الأخبار الكاذبة” والدعاية الروسية والصينية، قدمت الحكومة في عام 2021 للخدمة العالمية دفعة لمرة واحدة بقيمة 8 ملايين جنيه إسترليني (حوالي 10 ملايين دولار)، وذلك لتمويل مبادرات لمكافحة المعلومات المضللة.
وفي عام 2022، وفرت الحكومة 4.2 مليون جنيه إسترليني (حوالي 5 ملايين دولار) كتمويل في حالة طوارئ بغية تعزيز خدمات “بي.بي.سي” التي تستهدف الجمهور في كل من روسيا وأوكرانيا. وأعادت “بي.بي.سي” تنشيط خدمات الإذاعة على الموجات القصيرة لضمان وصول الأخبار الواردة من مصادر بريطانية إلى المستمعين في روسيا وأوكرانيا في وقت قد تغلق وسائل الإعلام المحلية المستقلة، وتقويض البث والبنية التحتية للإنترنت، وفرض ستار حديدي من أجل منع الأخبار الرقمية الأجنبية.
وفي مارس نجحت الخدمة العالمية في تأمين دفعة حكومية أخرى لمرة واحدة قدرها 20 مليون جنيه إسترليني (نحو 26 مليون دولار) للمحافظة على خدمات اللغات الأجنبية المعرضة للخطر لمدة عامين آخرين.
وكانت هذه السياسة متبعة في بريطانيا منذ عقود، فقد دعمت وزارة الخارجية “بي.بي.سي” للبث باللغة العربية للمستمعين في الشرق الأوسط في أوائل عام 1938 وذلك لمكافحة الدعاية باللغة العربية التي كانت تطلقها إيطاليا الفاشية. وفي العام نفسه، بدأت “بي.بي.سي” البث بمجموعة من اللغات الأوروبية، وذلك بالتشاور الوثيق مرة أخرى مع وزارة الخارجية، للرد على الدعاية التي تبثها النازية عبر الراديو وعلى طموحات هتلر الإقليمية.
وشهد اندلاع الحرب في أوروبا توسعا هائلا في خدمات اللغات الأجنبية في “بي.بي.سي”، بتمويل مباشر من الدولة البريطانية. واستطاع هؤلاء اجتذاب جمهور كبير في أنحاء الأراضي المحتلة والأراضي المعادية، وبحلول عام 1944، قدر جهاز الشرطة السياسية الألماني (غستابو) أنه كان لدى “بي.بي.سي” 15 مليون مستمع في ألمانيا النازية.
وفي فترة الحرب الباردة، واصلت “بي.بي.سي” القيام بمهمة القوة الناعمة للحكومة البريطانية، إذ بثت في 19 لغة مختلفة بحلول عام 1946، بما في ذلك خدمة روسية جديدة. وفي هذه المرحلة، لم تعد “الخدمة الإمبراطورية” موجودة، وكانت “بي.بي.سي” تدير مجموعة واسعة مما يسمى بالخدمات الخارجية، التي اشتغل فيها كلها أكثر من ربع موظفي “بي.بي.سي”.