زيادة قدرات تخزين الحبوب مطمح جزائري لمواجهة تحديات الأمن الغذائي
فتحت الجزائر في إستراتيجيتها للأمن الغذائي بابا جديدا لتعزيز دور لوجستيات تخزين الحبوب، بما يقطع مع التلكؤ في معالجة الهدر الذي يؤثر على توفير الطلب في ظل التحديات التي تتمثل في الجفاف والاستيراد.
وتخطط الحكومة لتوسيع شبكة صوامع الحبوب وتحسينها في جميع أرجاء البلاد مع تحقيق هدف زيادة فترة المخزون الاحتياطي من الإمدادات، والتي تقدر في المتوسط بنحو ستة أشهر.
ودخلت السلطات مرحلة جديدة من بلورة رؤيتها الهادفة إلى بلوغ الاكتفاء الذاتي من الغذاء من خلال خطة لتشييد صوامع جديدة بما يسمح بمضاعفة قدرة التخزين بنهاية العام الحالي.
وأكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري يوسف شرفة أن قدرات تخزين الحبوب وطنيا سترتفع من 4 ملايين طن إلى 9 ملايين طن بحلول العام 2027.
وقال في تصريحات صحفية أوردتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية خلال زيارة إلى ولاية (محافظة) ببومرداس شمال البلاد الاثنين الماضي أن “قدرات التخزين لمادة الحبوب لا تكفي حاليا متطلبات الاستهلاك الوطني.”
وأضاف “لذلك وتنفيذا لبرنامج رئيس الجمهورية (عبدالمجيد تبون) سيتم رفع هذه القدرات من 4 ملايين طن حاليا إلى 9 ملايين طن في غضون السنتين القادمتين أي بزيادة 5 ملايين طن.”
وتستهلك الجزائر، التي تعتمد بشكل مفرط على إيرادات الوقود الأحفوري، ما بين 9 و12 مليون طن سنويا من القمح بنوعيه اللين والصلب، جزء منه مستورد من الخارج وخصوصا فرنسا وبكميات محدودة من كندا.
ولتحقيق هذه الإستراتيجية سيشرع القطاع قريبا في إنجاز 30 صومعة ذات الحجم الكبير و16 أخرى ذات الحجم المتوسط و352 مركزا لتخزين الحبوب في كامل أنحاء البلاد بسعة 50 ألف قنطار لكل مركز.
وتهدف هذه المشاريع الحيوية إلى “تحقيق الاكتفاء و الأمن الغذائي و مواكبة متطلبات الاستهلاك الداخلي” من هذه المواد وكذا “وضع حد لاستيراد مادتي القمح والشعير تدريجيا، ثم التوقف بعد ذلك عن استيراد مادة القمح اللين” كما أوضح شرفة.
وكان الوزير قد أشرف على وضع حجر الأساس لانطلاق أشغال إنجاز صومعة لتخزين الحبوب بسعة واحد مليون قنطار وبكلفة تزيد عن 8 مليارات دينار (59.7 مليون دولار) ببلدية سي مصطفي شرق بومرداس.
وفي الصيف الماضي، أعلنت الجزائر أنها تخطط لزيادة المساحة المخصصة لزراعة الحبوب خلال الموسم الحالي رغم الجفاف، وذلك في مسعى من البلد النفطي لتأمين سلة غذاء أكثر من 46.3 مليون نسمة وتقليص الواردات بشكل أكبر قدر الإمكان.
لجوء البلد إلى المزيد من الاستيراد يعطي دليلا على ضيق خيارات الحكومة
وقال شرفة حينها إن “الهدف المسطر مبدئيا يقضي ببلوغ مساحة 3.2 مليون هكتار خلال موسم 2024 – 2025 مع توفير 5.2 مليون قنطار من البذور لهذا الغرض.”
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المخصصة للحبوب أقل من ثلاثة ملايين هكتار، وفق التقديرات الرسمية، منها نحو 450 ألف هكتار فقط مروية.
ويقول خبراء إن اللافت للانتباه هو أن بلدا مثل الجزائر يفترض أن فيه مساحات زراعية شاسعة على بعد مرمى حجر من فرنسا، التي تعد من أكبر منتجي القمح في العالم، عاجز عن زراعة أراضيه بما يلبي احتياجات سكانه.
وعلى الرغم من السياق العالمي الذي يتسم بالتقلب في ظل تغير مناخي مزعج يؤثر على الإنتاج الزراعي، حققت الجزائر مكاسب كبيرة من تجارة النفط والغاز.
وينتشر استهلاك القمح اللين بشكل كبير في البلاد، إذ يستعمل الطحين (الدقيق) في إنتاج الخبز في مخابز البلاد، بينما يستخدم طحين القمح الصلب (السميد) لدى العائلات في صناعة الخبز التقليدي خصوصا.
وفي يونيو الماضي أكد مجلس الوزراء أن الإنتاج الوفير من القمح الصلب في البلاد الموسم الماضي، سمح بتوفير 1.2 مليار دولار لخزينة الدولة.
ومع ذلك اضطرت الجزائر إلى زيادة مشترياتها من القمح هذا العام رغم أن البلاد تتجه إلى إنتاج محلي أكبر هذا الموسم قياسا بالسابق، الأمر الذي يعكس مدى التحديات التي تواجه البلد لإطعام سكانه.
وتأتي هذه المشتريات لتؤكد أن البلد مازال يعتمد على الاستيراد لتغطية الطلب المحلي، الذي يتجاوز سبعة ملايين طن سنويا، بسبب عدم قدرته على تحقيق كفايته من هذه الحبوب عبر الإنتاج المحلي.
وبغض النظر عن الجفاف وتأثيراته على الزراعة، فإن لجوء البلد إلى المزيد من الاستيراد يعطي دليلا على ضيق خيارات الحكومة لاسيما وأن المسؤولين منذ 2019 ما فتئوا يؤكدون أنهم سيستغلون المساحات المهملة لزيادة المحاصيل دون أن يحرزوا تقدما يذكر.