الخطة الإسرائيلية لتأسيس وجود دائم في جنوب سوريا: عصا وجزرة.. دبابة ومال

وكالة أنباء حضرموت

 نفذ الجيش الإسرائيلي الثلاثاء قصفا على قاعدتين عسكريتين سوريتين، وشن هجوما على مسلحين في محافظة درعا ضمن خطة تهدف إلى فرض وجود عسكري قوي يجعل جنوب سوريا منطقة خالية من السلاح ومن الأنشطة العسكرية السورية ضمن مقاربة أوسع تقوم على معادلتيْ العصا والجزرة، والدبابة والمال، لفرض نفوذ دائم في سوريا؛ حيث يتزامن الضغط العسكري مع محاولات لاستمالة السكان المحليين عبر المساعدات ووعود التشغيل.

وترى إسرائيل أن الحكومة السورية الجديدة متطرفة، لذلك عملت على إضعافها من خلال مهاجمة مواقع تخزين الأسلحة الثقيلة والقوات البحرية والقواعد الجوية ما أدى إلى تدمير كميات كبيرة من المعدات. وفي الوقت نفسه تغلغلت إسرائيل في جنوب سوريا محاولةً استمالة طوائف الجهة لكسب الدعم الشعبي وتعزيز سيطرتها.

وتبرز ضمن سياسة استقطاب الطوائف زيارة وفد من الطائفة الدرزية السورية إلى الجولان المحتل؛ وذلك في إطار سعي إسرائيل لبناء الثقة مع قادة الطائفة، مستغلة مخاوف الدروز من الاستهداف بعد هجوم القوات الحكومية وقوات رديفة على مناطق علوية في الساحل السوري.

إسرائيل ترى أن الحكومة السورية الجديدة متطرفة، لذلك عملت على إضعافها من خلال مهاجمة مواقع تخزين الأسلحة الثقيلة والقواعد الجوية

ويشير موقع عرب دايجست نقلا عن الكاتب مالك العبدة، في تقرير له بموقع “سيريا إن ترانزيشن” (سوريا في طور الانتقال)، إلى تركيز إسرائيل على الخيار العسكري لفرض الأمر الواقع في جنوب سوريا خاصة أن الحكومة الجديدة ما زالت ضعيفة وتسعى إلى طمأنة الخارج بأنها ليست ضد إسرائيل ولا ترغب في الحرب.

ودخلت القوات الإسرائيلية الأراضي السورية مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسيطرت على المنطقة منزوعة السلاح وتلال إستراتيجية رئيسية، وأقامت قواعد عسكرية في تلال الأحمر وقرى مهجورة مثل كودنة.

والأهم من ذلك أنها سيطرت على قمة جبل الشيخ الذي يضم مرصدا عسكريا ويطل على دمشق، ويبعد عنها مسافة لا تتجاوز 30 كيلومترا. ولم تقتصر إسرائيل على القوة العسكرية لخلق واقع جديد على الأرض، بل أطلقت أيضا حملة لكسب ثقة السكان المحليين.

ووفقا لمصادر ميدانية يعمل منتمون إلى وحدات من الجيش الإسرائيلي، وكثيرون منهم يتحدثون العربية، في القنيطرة للتواصل مع السكان وجمع المعلومات. وهم يستهدفون مخاتير القرى ورؤساء البلديات، ويطلبون قوائم سكانية مفصلة تتضمن أسماء السكان وجنسهم وفئاتهم العمرية وانتماءاتهم السياسية، وأسماء من سُمح لهم بحمل السلاح في عهد النظام السابق.

وفي المقابل وعدت إسرائيل بتقديم مساعدات إنسانية. وقد أدى هذا إلى إحداث منافسة بين زعماء القرى، حيث يحصل أولئك الذين يتعاونون أكثر على المزيد من المساعدات ويحظون بالمكانة الاجتماعية الأعلى.

وحاولت إسرائيل أيضا التسلل إلى المجتمعات المحلية من خلال منح كل أسرة 100 دولار شهريا، وتوفير فرص عمل زراعية في مرتفعات الجولان بأجر يومي قدره 350 شيكلا (95 دولارا)، وهو ما يفوق بكثير متوسط ​​راتب موظف حكومي سوري.

ولا تزال إسرائيل تُركز على إزالة الأسلحة من جنوب سوريا إضافة إلى حملة كسب القلوب والعقول؛ فعندما تتلقى تقارير عن أسلحة مخزّنة، تُحاصر وحدات خاصة المنطقة وتأمر السكان عبر مكبرات الصوت بتسليمها. وقد حدث هذا مرات عديدة دون أيّ اشتباك.

كما استهدفت إسرائيل مقرات الجيش السوري الحر سابقا ووزارة الدفاع السورية المُشكّلة حديثا. وهاجمت الثلاثاء قاعدتين عسكريتين في محافظة حمص وسط سوريا. وقال بيان عسكري إسرائيلي “استهدف جيش الدفاع الإسرائيلي مواقع عسكرية متبقية في قاعدتي تدمر وتي.4 العسكريتين السوريتين.”

وفي الثامن من مارس الجاري نفّذت إسرائيل عملية كبرى، عندما دخلت قواتها بلدة جملة، وزارت منزل باسل الجملاوي (المعروف أيضا باسم أبوحيان الحيط)، قائد حركة أحرار الشام في الجنوب وعضو اللجنة العسكرية المُكلّفة من وزارة الدفاع بتشكيل الفرقة الأربعين. واستولت على أسلحة من منزله. ثم حاصرت القوات الإسرائيلية مقري أحرار الشام وهيئة تحرير الشام (صارا تابعين لوزارة الدفاع) وأفرغتهما، واستولت بذلك على أسلحة خفيفة ومتوسطة ودبابات ومركبات مدرعة. وحُمّلت هذه الأسلحة في شاحنات ونُقلت إلى إسرائيل دون أي قتال.

وعلى الرغم من حالة الاستياء، لم تُبدِ الجماعات المسلحة في درعا مقاومة جدية للعمليات الإسرائيلية. وتريد الحكومة السورية الجديدة تجنب إثارة رد فعل عسكري أكبر من إسرائيل.

ولم تتخلَّ الحكومة السورية عن الجنوب رغم سيطرة إسرائيل حيث عيّنت مؤخرا بنيان الحريري قائدا عسكريا عاما لدرعا. والتقى الحريري بقادة فصائل الجيش السوري الحر في 14 مارس، وقال إنه على الرغم من تكليفه بتشكيل الفرقة الأربعين، إلا أن وزارة الدفاع لم تثق به بما يكفي لإرسال أسلحة ثقيلة بل اكتفى بتلقي الوقود في ظل عدم ثقة الحكومة بالجماعات المحلية.

وعارض الحريري اقتراح بعض الجماعات قتالَ إسرائيل، محذرا من أن المدنيين سيتحملون العبء الأكبر.

ونددت الخارجية السورية الثلاثاء بـ”العدوان الإسرائيلي المستمر” على البلاد، باعتباره “انتهاكا صارخا” لسيادتها، بعد توغّل وقصف إسرائيلييْن استهدفا قرية في محافظة درعا وأسفرا عن سقوط ستّة قتلى، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي شنّ غارات ردّا على “إطلاق نار”.

وأثبتت إستراتيجية إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي في جنوب سوريا فاعليتها من الناحية التكتيكية. وقد يُسهم استخدامها للقوة العسكرية والمساعدات الموجهة بعناية في تعزيز سيطرتها في الوقت الحالي، إلا أن ذلك يُفاقم أيضا استياء السوريين الذين يخشون المزيد من التشتت الإقليمي واحتمال تقسيم البلاد.

وأصبحت الحكومة السورية في دمشق بين المطرقة والسندان، فهي أضعف من أن تُواجه إسرائيل مباشرة، ولا تثق بالجماعات المحلية بما يكفي للتعاون معها عن كثب. ويؤكد محللون أنه إذا لم يتم اعتماد حل شامل يأخذ في الاعتبار الوضع الأمني ​​المعقد، والديناميكيات القبلية المحلية، ومؤامرات دول الجوار، فقد يقع جنوب سوريا تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.