حوار الأمر الواقع في سوريا لإضفاء الشرعية على قيادة الشرع وتهميش الأكراد

وكالة أنباء حضرموت

 حسم الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في مؤتمر الحوار الوطني، الثلاثاء، معالم المرحلة القادمة بأن جعل الدولة، التي يقودها، هي المرجع في كل القرارات وعلى رأسها احتكار امتلاك السلاح، في إشارة واضحة وحاسمة إلى الأكراد بأن عليهم تسليم السلاح إذا أرادوا أن يكونوا جزءا من المرحلة الجديدة.

ويرى مراقبون أن الحوار الوطني، الذي تقوده فكرة فرض الأمر الواقع على مختلف الفرقاء، يصب في صالح الشرع ويفضي إلى تقوية نفوذه على الأجهزة الأمنية والعسكرية والتنفيذية، خاصة أن معظمها تابع لحركة أحرار الشام، فيما هناك مسعى لتهميش الأكراد مع تزايد الأنباء التي تفيد بانسحاب أميركي من شمال شرقي سوريا دون التفاوض مع دمشق أو أنقرة على ضمانات لصالح الأكراد.

وكان واضحا أن المؤتمر، الذي تمت الدعوة إلى عقده بشكل متسارع واختيار المشاركين دون اعتماد تمثيلية واضحة قطاعية أو عشائرية أو مناطقية، هدفه إظهار الشرع في صورة الشخصية الجامعة بقطع النظر عن المضامين التي سيناقشها المؤتمر واللوائح التي تصدر عن لجانه، وهل هي ملزمة أم أنها وثائق شكلية يأخذ منها الشرع ما يخدم صالحه ويتغاضى عما يتعارض مع خططه.

الشرع نجح في إظهار الأكراد وكأنهم خارج الإجماع السوري، وقد ساعده في ذلك موقف قادة سوريا الديمقراطية الذين بنوا موقفهم المتشدد منذ البداية على الدعم الأميركي

وأكد الشرع في كلمته الافتتاحية للمؤتمر أن “وحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة ليس رفاهية بل هو واجب وفرض،” مشددا على أن “سوريا لا تقبل القسمة فهي كلّ متكامل وقوتها في وحدتها.”

وحديث الرئيس السوري الانتقالي موجه إلى الأكراد الذين لم يتم استدعاؤهم لحضور المؤتمر بسبب عدم قبول تسليم السلاح، وهي خطوة كانت متوقعة والشرع يعرف هذا الأمر مسبقا، لكن الرسالة كانت استرضاء لتركيا التي تعتبر مشاركة الأكراد خطا أحمر ما لم ينفذوا ما تريده بالتخلي عن المقاتلين التابعين لحزب العمال الكردستاني المحظور.

ويرى المراقبون أن الشرع نجح في إظهار الأكراد وكأنهم خارج الإجماع السوري، وقد ساعده في ذلك موقف قادة سوريا الديمقراطية الذين بنوا موقفهم المتشدد منذ البداية على الدعم الأميركي، لكن عقب استلام الرئيس دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض تراجع التحمّس الأميركي لدعم الأكراد الذين يتخوفون من موقف أميركي صادم شبيه بموقفه من أوكرانيا.

وانتقد 35 حزبا من الأحزاب المنضوية في الإدارة الذاتية الكردية الثلاثاء التمثيل “الشكلي” في المؤتمر. واعتبرت في بيان أصدرته الثلاثاء أن “مؤتمر الحوار الوطني الحقيقي يجب أن يكون شاملا (…). أما المؤتمرات التي تُعقد بتمثيل شكلي لأفراد لا يعكسون حقيقة المكونات السورية، فلا معنى لمخرجاته ولا قيمة لها.”

وقال حسن محمّد علي، عضو الهيئة الرئاسية في مجلس سوريا الديمقراطية المنبثق عن الإدارة الذاتية، لوكالة فرانس برس إن ما قامت به اللجنة التحضيرية “ستكون له تداعيات سلبية ولن يأتي بحلول للمشاكل والقضايا التي تعانيها سوريا منذ عقود.”

وحذّر الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي من أن “استبعاد” قواته مع “شرائح واسعة من المجتمع السوري” يؤكد أن المؤتمر “موجه لإرضاء الخارج وليس البحث عن مستقبل أفضل مع شركاء الداخل.”

وقال المنظمون في وقت سابق إنه لم يتم توجيه دعوة إلى أي كيان أو تشكيل عسكري ما زالا يحتفظان بسلاحهما، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية.

ودعت السلطات الجديدة كل الفصائل المسلحة، ومن بينها قوات سوريا الديمقراطية التي تلقت دعما أميركيا كبيرا خلال سنوات النزاع السوري، إلى تسليم أسلحتها. وأعلنت مرارا رفضها الحكم الذاتي الكردي.

وتوجه الشرع إلى المشاركين، ومن بينهم ممثلون عن المجتمع المدني وعن الطوائف وشخصيات معارضة وفنانون، بالقول “سوريا اليوم دعتكم جميعا لا لتختلفوا بل لتتفقوا، دعتكم للتشاور في مستقبل بلدكم وأمتكم والأجيال اللاحقة بكم، فالأحداث الجارية عنوان لمرحلة تاريخية جديدة.”

وعلى هامش انطلاق أعمال المؤتمر كتبت هدى الأتاسي، عضو اللجنة التحضيرية، على منصة إكس “يوم يُسجَّل في التاريخ كتجربة جديدة يعيشها الشعب السوري، وسط مشاعر متباينة من الفرح والقلق والمسؤولية.” وتابعت “خطوة نأمل أن تكون بداية حقيقية لمسار يعيد لسوريا استقرارها ووحدتها.”

وجاء تنظيم المؤتمر قبل أيام من تشكيل السلطات حكومة انتقالية مطلع الشهر المقبل. وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني تعهّد في وقت سابق بأن تكون الحكومة “ممثلة للشعب السوري قدر الإمكان وتراعي تنوعه.”

وقال ثلاثة دبلوماسيين إن المؤتمر سيحظى بمتابعة وثيقة من عواصم عربية وغربية علقت إقامة علاقات كاملة مع القيادة الجديدة في سوريا على خطواتها القادمة، مثل الإلغاء المحتمل للعقوبات بشرط احتواء العملية السياسية لكل أطياف السكان المتنوعين عرقيا ودينيا.

وقال ثلاثة مبعوثين أجانب في سوريا إنه لم تتم دعوة الدبلوماسيين المقيمين في البلاد لحضور المؤتمر. كما لم يقبل المنظمون عروضا قدمتها الأمم المتحدة للمساعدة في التحضير.

وستصدر عن المؤتمر، وفق ما أعلنته اللجنة المنظمة، توصيات “سيتم البناء عليها من أجل الإعلان الدستوري والهوية الاقتصادية وخطة إصلاح المؤسسات.”

وغداة إعلانه في 29 يناير رئيسا انتقاليا للبلاد تعهّد الشرع بإصدار “إعلان دستوري” للمرحلة الانتقالية بعد تشكيل “لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغّر” وحلّ مجلس الشعب. وقال إن بلاده ستحتاج ما يتراوح بين أربع وخمس سنوات لتنظيم انتخابات.

ومنذ الإطاحة ببشار الأسد شكّلت دمشق وجهة لوفود دبلوماسية عربية وغربية أبدت دعمها للسلطات الجديدة وحثتها على إشراك كل المكونات السورية في إدارة المرحلة الانتقالية.

وقال وزير الخارجية السوري في كلمة خلال المؤتمر إن سياسة سوريا الخارجية تقوم على “التوازن والانفتاح”، مضيفا أن دمشق حريصة على “تطوير علاقات متينة مع الدول التي احترمت سيادتنا دون أن نغلق باب الحوار مع أي طرف يرغب في إعادة بناء علاقاته معنا على أساس الاحترام المتبادل.”