الحياة تعود ببطء إلى ود مدني ومخاوف من استئناف المعارك
ينفض بائع الخضار أحمد العبيد الغبار عن كشكه الخشبي ويرتب بعناية الخيار والطماطم الطازجة مع عودة الزبائن تدريجيا إلى سوق الإسماعيلي المزدحمة في ود مدني وسط السودان.
وقبل أسابيع، كانت هذه السوق مقفرة مع إغلاق التجار محلاتهم عقب المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع التي نجحت في السيطرة بعد أن بقيت لأشهر في منأى عن الحرب الدائرة بينها وبين الجيش منذ العام 2023.
واليوم، تعلو الأصوات مع محاولة الزبائن المساومة على أسعار المنتجات الطازجة في السوق التي تستعيد إيقاعها تدريجيا، بعد سيطرة الجيش مجددا على ود مدني الشهر الماضي.
◄ رغم تعافي المستشفى ببطء، لا تزال المنشأة تعاني نقص حادا في الموظفين والأدوية والمعدات
وقال العبيد لوكالة فرانس برس “الآن، أصبح الوضع الحمد لله آمنا”. وأضاف البائع الذي وقف بجانب كومة من البصل “عادت حركة البيع والشراء”.
واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوّات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”.
وأسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، وتسبب بأزمة إنسانية من الأسوأ في العالم، فيما الملايين على حافة المجاعة.
ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب واستهداف المدنيين وقصف المنازل والأسواق والمستشفيات، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.
وبعد أشهر من الهدوء واستقبال دفعات كبيرة من النازحين، تحوّلت ود مدني من ديسمبر 2023 إلى ساحة حرب. واضطر ذلك مئات الآلاف على الفرار من المدينة، عاصمة ولاية الجزيرة التي كانت مصدر المنتجات الزراعية والغذائية قبل الحرب.
لكن المدينة تتعافى ببطء، بينما لا تزال آثار الحرب ظاهرة في مختلف أنحائها، من الجدران التي اكتست بالسواد، إلى المباني التي نخرها الرصاص، وصولا إلى الدمار والركام. ويبدو الضرر جليا على واجهات المحلات التجارية والمطاعم وغيرها.
ففي قسم الولادة في المستشفى الرئيسي بالمدينة، تنتظر الحوامل مع عائلاتهن بينما يتنقل الممرضون بزيّهم الأبيض عبر الممرات لتوفير الرعاية للمرضى.
وتقول رحاب موسى، التي تتلقى الرعاية الطبية، إن “العلاج متوفر، والحياة عادت طبيعية. ليس مثل السابق، الوضع تغير”.
◄ المدينة تتعافى ببطء، بينما لا تزال آثار الحرب ظاهرة في مختلف أنحائها، من جدران اكتست بالسواد، إلى مبان نخرها الرصاص
وعلى رغم تعافي المستشفى ببطء، يؤكد اختصاصي الأمراض النسائية والتوليد خالد محمد أن المنشأة لا تزال تعاني نقص حادا في الموظفين والأدوية والمعدات.
ويوضح بين عملية جراحية وأخرى “لقد انتهت صلاحية إمداداتنا الجراحية، بما في ذلك الغرز الجراحية، ونحن في حاجة حاليا إلى المزيد من معدات التخدير”.
وعندما كانت قوات الدعم السريع تسيطر على ود مدني، كان محمد الطبيب الوحيد المناوب ويجري عمليات جراحية متعددة. وهو ما زال إلى الآن يتنقل بين غرف العمليات للتعامل مع تدفق المرضى.
وبعد استعادة الجيش لود مدني في يناير، هتف الكثيرون “سنعود” في مراكز النزوح في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك في بورتسودان الواقعة على البحر الأحمر.
وانطلقت عشرات الحافلات التي تحمل آلاف الأشخاص من بورتسودان والقضارف وكسلا، والتي كانت تستضيف ما مجموعه نحو 1.5 مليون نازح، إلى بيوتهم في ود مدني.
فرنسيس لايو أوكان: الوضع مثير للقلق حقا وهو على وشك الخروج عن السيطرة
ولم يكن لدى الكثيرين منهم أيّ فكرة عما سيجدونه، بينما أكد آخرون أنهم يعرفون أن منازلهم تعرضت للنهب.
ورغم وعود المسؤولين في الجيش، لا تزال المدينة حاليا من دون تيار كهربائي، بينما لا تتوافر المياه في غالبية الأيام. وأشار عائدون مؤخرا إلى أن الاتصالات بدأت تعود.
ويعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء السودان، وفقا للأمم المتحدة. ويعاني معظمهم من وضع إنساني متدهور حتى في المناطق الآمنة الخاضعة لسيطرة الجيش، خاصة لجهة نقص الغذاء والدواء والإمدادات الأساسية.
وأفاد مراقبون محليون والأمم المتحدة بانتهاكات عقب استعادة الجيش ود مدني، بما يشمل استهداف الأقليات واتهامات بالتعاون مع الدعم السريع.
رغم ذلك، يؤكد سائق التوك توك محمد عبدالمنعم أنه يشعر بالتفاؤل. ويقول وهو يبحث في السوق عن ركاب “الوضع آمن في (ود) مدني،” موضحا “السوق يعمل والمواصلات أيضا. لا ينقص أي شيء سوى عودة المواطنين”.
◄ نحو 25 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء السودان
لكن تظل هناك مخاوف حقيقية من عودة الحرب في ظل سياسة الهروب إلى الأمام التي يتبعها طرفا الحرب. فكلاهما يسعى إلى تأسيس حكومية خاصة به ويسعى إلى الحصول لها على شرعية خارجية، مع التلويح بسرعة الحل العسكري، ما يجعل حياة المدنيين في خطر سواء في المدن الواقعة تحت سيطرة الجيش أو تلك التي تقع تحت نفوذ الدعم السريع.
وبالتوازي مع جرعة التفاؤل التي أبداها سكان ود مدني، توجد منغصات كثيرة أهم الأوضاع الصحية والإنسانية الصعبة.
ولقي ما لا يقل عن 24 شخصا حتفهم ونقل أكثر من 800 آخرين إلى المستشفى في ولاية النيل الأبيض في جنوب السودان خلال الأيام الثلاثة الماضية بسبب مرض ينتقل عن طريق المياه، حسبما ذكرت منظمة أطباء بلا حدود.
ويأتي تفشي المرض عقب هجوم بطائرات بلا طيار على محطة أم دباكر لتوليد الكهرباء، الواقعة على بعد 275 كيلومترا جنوب العاصمة الخرطوم، ما أدى إلى عرقلة الوصول إلى مياه الشرب في مدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان إن “المصدر الأكثر ترجيحا للعدوى هو النهر، حيث ذهبت عائلات كثيرة لإحضار المياه باستخدام عربات تجرها الحمير بعد انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير في المنطقة”.
وحظرت السلطات منذ ذلك الحين جمع المياه من النهر ودعت إلى إضافة جرعات إضافية من الكلور إلى نظام توزيع المياه. وتم إغلاق معظم المطاعم المحلية في إجراء احترازي.
وقالت المنظمة غير الحكومية إن مركز علاج الكوليرا في مستشفى كوستي الجامعي يعج بمرضى يعانون “إسهالا حادا وجفافا وقيئا”.
وقال الدكتور فرنسيس لايو أوكان المرجع الطبي لمشروع منظمة أطباء بلا حدود في كوستي “الوضع مثير للقلق حقا وهو على وشك الخروج عن السيطرة”.