العلمانية والجيوش تؤجلان الحكومة السودانية الموازية
أرجأ مشاركون في مداولات نيروبي التوقيع على الميثاق السياسي للحكومة الجديدة الذي كان مقررا الجمعة للمرة الثالثة، وسط معلومات حول وجود خلافات بشأن قضايا دستورية وإجرائية بعد انضمام رئيس الحركة الشعبية شمال عبدالعزيز الحلو إلى التحالف السياسي الجديد قبيل موعد التوقيع الأول على الميثاق الاثنين الماضي، وثمة توقعات أن تتم مراسم التوقيع بعد أيام قليلة.
وقال مصدر سوداني على صلة باجتماعات نيروبي لـ”العرب” إن التأجيل جاء في اللحظات الأخيرة، وأن قضية علمانية الدولة التي تصر عليها حركة الحلو وبعض المسائل الإجرائية المتعلقة بدمج الجيوش ودور الحكومة الموازية وكيفية تكوينها أدت إلى عدم الالتزام بالموعد المحدد، ورفضت الأطراف المشاركة في الاجتماعات الإعلان عن موعد نهائي للتوقيع وتركت الباب مفتوحا إلى حين التوافق على كافة البنود.
وأضاف المصدر ذاته أن اللجان الفنية المسؤولة عن الصياغة النهائية للميثاق لم تفرغ من عملها بعد، وأدخلت تعديلات من الصعب أن تعيق التوقيع عليه، وأصبح التفاهم حول القضايا الرئيسية كبيرا منذ بدء مفاوضات مع الحلو للانضمام إلى الحكومة.
وكانت قوى سودانية أكملت استعداداتها لتوقيع ميثاق سياسي تأسيسي لتكوين حكومة في مناطق الدعم السريع، الأربعاء الماضي، إلا أن التوقيع تم تأجيله في آخر لحظة رغم حضور نائب قائد الدعم السريع عبدالرحيم دقلو، ورئيس الحركة الشعبية شمال عبدالعزيز الحلو، ورئيس حزب الأمة اللواء فضل الله برمة ناصر.
ويهدف الميثاق التأسيسي إلى وضع أسس لتشكيل حكومة جديدة عبر دستور انتقالي يتم العمل به في مناطق تواجد الحكومة المزمع الإعلان عنها من داخل السودان.
وشهدت اجتماعات نيروبي استعدادا للترتيبات الفنية المتعلقة بهياكل السلطة التنفيذية والتشريعية، وتم تحديد هيكل السلطة الذي يتكون من ثلاثة مستويات رئيسية: مجلس السيادة، مجلس الوزراء، والجمعية الوطنية التأسيسية الانتقالية.
ويرى مراقبون أن ما أفرزه الحديث عن تشكيل حكومة موازية في مناطق الدعم السريع منح أملا في انحناء الجيش لضغوطات يواجهها سياسيا وعسكريا والذهاب باتجاه التفاوض والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، لكن يصعب التراجع عن خطوة نيروبي إلا إذا تم توظيفها على نحو أكبر في سبيل إيجاد مسار سياسي.
وقال المحلل السياسي السوداني علي الدالي إن وجود مجموعات أيديولوجية في نيروبي قاد لتأجيل التوقيع الرسمي، ولن يكون ذلك عائقا أمام خروج الحكومة الموازية إلى النور، ومسألة علمانية الدولة عقبة كبيرة، لأن الأوراق التي تقدم بشأن بنود الميثاق لا تحظى بتوافق الحلو الذي يصر على مسألة علمانية الدولة بمعناها الصارخ، ولا يقبل أيّ تعديل أو تخفيف، بينما لدى مجموعات أخرى تخوفات اجتماعية بشأن القبول بها.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الثورة السودانية أزالت كل المخاوف ومهدت الطريق لتنظيم شكل العلاقة بين الدين والدولة، لكن وجود قوى من المحسوبين على التنظيم الإسلامي تحضر اجتماعات نيروبي قاد إلى ظهور خلاف عرقل التوقيع على الميثاق.
وأشار إلى أن التحالف الجديد تطغى عليه الصفة العسكرية وليس السياسية، فهناك عدة جيوش تتحالف مع بعضها البعض، وهي: الدعم السريع وجيش الحركة الشعبية شمال وجيش حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي وجيش تجمع قوى تحرير السودان، والتحالف مع جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد النور، ما يحتاج إلى مزيد من الترتيبات للوصول إلى تشكيل جيش واحد.
وذكر في حديثه لـ”العرب” أن التباين الحالي لن يعرقل خروج الحكومة التي تحظى بقبول بعض الدول، فلم تصدر بيانات إدانة أو رفض من الدول الفاعلة إقليميا أو دوليا، ما يشير إلى أن المجتمعين في نيروبي وجدوا دعما سياسيا، وذلك لا يمنع من كون خروجها إلى النور قد يمهد لتقسيم السودان في المستقبل.
والتحالف السياسي في نيروبي هو أول تحالف من نوعه يضم أقاليم الهامش في كردفان ودارفور وبعض مناطق النيل الأزرق، ما يفتح شهية أقاليم أخرى مهمشة نحو الانضمام إليه لاحقا أو البحث عن تدشين تكتلات أخرى بحثا عن مكاسب سياسية.
كما أن الجيش السوداني الموضوع في موقف صعب الآن لن يحد سبيلا سوى الاتجاه نحو التصعيد العسكري ومحاولة السيطرة الكاملة على الخرطوم، والاتجاه إلى تشكيل حكومة كفاءات مدنية قد لا تحظى باعتراف خارجي، مع الاقتناع بأن الانقلاب على الوثيقة الدستورية هو نهاية لشرعية العسكريين على رأس السلطة.
وأوضح المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب لـ”العرب” أن وجود القائد عبدالعزيز الحلو في اجتماعات نيروبي له دلالات مهمة، فقد ناضل مع العقيد الراحل جون قرنق منذ تكوين الهيئة الشعبية، وحينما تقرر الانفصال تمسك بالاسم وحوّله إلى الحركة الشعبية شمال، وأنه سيذهب مع اتجاه تشكيل حكومة جديدة طالما أنها تلتزم بالعلمانية، وهو ما يحتاج إلى ضمانات كي يتحقق ذلك.
وسبق للحلو أن رفض التوقيع على اتفاق سلام جوبا مع حركات دارفور بعد رفض المبدأ ذاته، ووجوده في كينيا لوجود فرصة مناسبة لظهور تأثيره مرة أخرى.
وتوقع أديب في تصريح لـ”العرب” ألاّ ترى الحكومة الموازية النور بسهولة، لأن قضايا ومطالبات الحلو تختلف عن قوات الدعم السريع، والتي سعى قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) سابقا لتشكيل هذه الحكومة بالتحالف مع تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) قبل أن تنقسم، لتكون أداة ضغط سياسي على الجيش ودفعه نحو مفاوضات سياسية جادة.
وقد يؤثر رفض مجموعة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك سلبا على فرص نجاح الحكومة الجديدة التي هي في حاجة إلى دعم شعبي وسياسي كبير في الداخل والخارج.
وأوضح أديب أن غالبية الأوساط المجتمعية والسياسية في السودان لا ترحّب بوجود حكومتين، وترى أن كليهما (حكومة بورتسودان والموازية) غير شرعيتين، ومن سيوقعون على الميثاق السياسي هم قوى سياسية جزئية، ومواقف حزب الأمة والحزب الاتحادي الأصل يؤكدا أن من يشاركون في اجتماعات نيروبي هم أشخاص لا يعبرون عن المؤسسات السياسية.
كما أن الوزن السياسي والعسكري للحركات المسلحة المشاركة ليس قويا بما يكفي باستثناء الحركة الشعبية شمال، وتميل موازين القوة العسكرية الآن لصالح الجيش.