جو ألكسندر مخرج يروي قصصا عن الفئات المهمشة والضعيفة
شارك فيلم “مصمم” للمخرج الهندي جو ألكسندر في مهرجان الإمارات السينمائي الذي أقيم الأسبوع الماضي، ونال جوائز أفضل تصوير سينمائي وأفضل إخراج وأفضل فيلم، بالإضافة إلى ترشيحات لأفضل مونتاج وأفضل ممثل، وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” حوار مع المخرج حول هذا الإنجاز المتميز.
في حديثه عن اختيار الفيلم ليوجه رسالة صمود وتحدّ من ذوي الاحتياجات الخاصة يقول المخرج الهندي المقيم في دبي عن فيلمه القصير “مصمم”: “لطالما انجذبت إلى القصص التي تتحدى التصورات وتكسر الحدود، وهذا الفيلم هو إحدى تلك القصص، إذ جاء الموضوع من مصدرين: الروابط الخاصة مع أشخاص يعانون من التوحد أو الإعاقات الجسدية، والتوجه التقدمي لدولة الإمارات نحو الدمج، فشعرت بأن وجهة نظر بطل الفيلم فيكتور طبيعية لأنه يمثل الصراعات الصامتة التي يواجهها الكثيرون ممن يعيشون في عالم غير مصمم لهم، ورحلته تدور حول الصمود والتكيف، والأهم من ذلك أن ينظر إليه كما هو عليه فعلا وليس كما يريده المجتمع.”
ويوضح “أردنا أن يشعر الجمهور بما يشعر به فيكتور، تحقق ذلك من خلال دقة تصميم الصوت، وبلاغة الصورة، والأداء التمثيلي، ثم استخدمنا مزيجا من الموسيقى والصمت المفاجئ، وزوايا كاميرا متنوعة لنعكس مدى إرهاق البيئة لشخص يعاني من حساسية السمع. في مرحلة التحضير للفيلم استشرنا خبراء في الموضوع وعملنا عن قرب مع أشخاص يعانون من حساسية للصوت لضمان تقديم القصة بشكل أصيل ومحترم، وكان الهدف هو خلق تجربة غامرة تجعل الجمهور يدخل عالم شخصية فيكتور ولو للحظات قصيرة.”
ويكشف المخرج أن “امتلاك أصدقاء وأفراد عائلة يعانون من التوحد أو الإعاقات الجسدية أعطانا فهما أعمق للتحديات التي يواجهونها، فشخصية آندي مثلا استلهمت من ابنة كاتبة السيناريو، إيمالين ويلسون، التي تمثل نموذجا للشجاعة لأنها تغني وتعيش الحياة بعفوية وتترك أثرا إيجابيا على كل من يلتقي بها، بينما رحلة فيكتور تحكي العديد من القصص الحقيقية لأشخاص يعانون من صراعات خفية أثناء محاولتهم الاندماج في عالم لا يمنحهم دائما مساحة، وهذا الفيلم هو طريقتنا لتسمع أصواتهم وإظهار أنهم لا يحتاجون إلى شفقة، بل إلى فهم وقبول.”
ويحكي المخرج لـ”العرب” عن كيفية اختياره الممثل الرئيسي في الفيلم، قائلا “احتجنا إلى ممثل يستطيع التعبير عن الضعف العاطفي ويجسد التحديات الحسية والجسدية للدور، ولم يكن الأمر يتعلق فقط بتجسيد شخصية رجل يعاني من “ميزوفونيا”، أي الحساسية الانتقائية للصوت، بل بتجسيد روح الصمود والتفاؤل رغم الصراعات التي يواجهها، بينما اخترنا ممثلة للعب دور شخصية آندي وتكون قادرة على أن تعبر بصدق عن تجربتها مع الشلل الدماغي وتظهر عزلتها وألمها وحبها العميق للموسيقى، أما شخصية دارش فاحتاجت منا عملا على التوازن بين القوة والدفء، لتعكس صورة شخص يستطيع أن يكون صارما ولكنه يظهر اهتماما حقيقيا بنجاح فيكتور، وفي جميع الأدوار كان الهدف تمكين المتابعين من وضع أنفسهم في مكان أي شخصية والشعور بأنهم يتصلون بها مباشرة.”
ويتذكر جو ألكسندر الجوائز التي حصل عليها الفيلم مشيرا إلى أنه “إحساس جميل لكن هذا يعود إلى أن كل شخص كان في مكانه الصحيح، من الممثلين إلى المصور فمصممي الصوت، متماشيا مع الرسالة الأساسية للفيلم، فقد تعاملنا مع ‘مصمم’ كأكثر من مجرد فيلم؛ كان مسؤولية كبيرة، إذ أردنا أن نظهر التباين بين عظمة الفندق والضيق الذي يشعر به البطل فيكتور، باستخدام الإضاءة وتكوين اللقطات لإبراز حالته العاطفية.”
ويوضح أن “الاتصال بين فيكتور وآندي هو قلب الفيلم لأنهما يريان بعضهما البعض بطريقة لا يفعلها أي شخص آخر، فتفاعلهما مبني على الفهم المتبادل بدلا من الشفقة، فيكتور لا يعامل آندي بشكل مختلف بسبب الشلل الدماغي لديها، وآندي لا ترى فيكتور غير قادر بسبب التوحد الذي يعاني منه، فيفهم كل منهما الآخر.”
وتدور أحداث الفيلم في فندق فخم، لكن البيئة تتناقض مع التحديات الحسية التي تواجهها الشخصية الرئيسية، وحسب جو فإن الهدف من تحديد القصة في هذا الموقع بالذات هو أن “الفندق كان نظيفا ومنظما جيدا، لكن بالنسبة إلى فيكتور كان مكانا مرهقا، لأنه مكان يتطلب النظام والكفاءة، ويخلق أيضا فوضى عارمة بسبب التحديات الحسية التي يواجهها، كما أنه يعمل كاستعارة للمجتمع، ولا تزال هناك حواجز بحاجة إلى التحطيم، فتجربة فيكتور في الفندق تعبر عن الصراعات الصامتة للعديد من أصحاب الهمم الذين يحاولون التكيف في أماكن لم تصمم لهم.
ولقد خطت دولة الإمارات خطوات كبيرة في تعزيز هذا النوع من المواضيع، من المبادرات الحكومية إلى السياسات في أماكن العمل. ويتماشى الفيلم مع هذه الرؤية من خلال التركيز على التحديات الواقعية التي لا تزال موجودة وتشجيع الحوار حولها. فللأفلام القدرة على تغيير العقول، وأملنا من هذا الفيلم هو أن يزيد الوعي لدى المتابعين حول كيفية تفاعلهم مع أصحاب الهمم في حياتهم اليومية.”
ويعتبر المخرج أن “الاستماع إلى المتابعين الذين يشعرون بالفيلم، خاصة المرضى وعائلاتهم الذين يشعرون بأنهم قد تمت رؤيتهم حقا وفهم الصورة الكاملة لمعاناتهم، عندما يقول شخص ما: ‘هذه هي تجربتي. هذا ما أعيشه’، فهذا يعني أننا حققنا كل شيء، كما كان من الرائع أن نرى كيف يتفاعل هذا الفيلم خارج مجتمع ذوي الهمم، إنه تذكير بأن التعاطف والفهم يفيدان الجميع. وفيلم ‘مصمم’ هو مجرد البداية، وأرغب في استكشاف المزيد من السرديات التي تتحدى الصور النمطية وتمنح صوتًا للمجتمعات المنكوبة، سواء كان فيلمًا روائيًا أو وثائقيًا، فأنا ملتزم بسرد القصص التي تهم الفئات الهشة والضعيفة.”
وولد جو ألكسندر في الشارقة وترعرع في دبي، وهو من أصول هندية، ويعد مبدعا تعلم بشكل ذاتي، وقد شق طريقه في صناعة السينما لأكثر من 15 عامًا، ويقيم حاليا في دبي، ويمتد عمله في الإخراج ليشمل الأفلام الوثائقية والإعلانات التجارية والأفلام القصيرة، ويتميز أسلوبه بالكاميرا الديناميكية واختياراته الجريئة للألوان، وهذا جعله يبرز في تصوير فيديوهات لقطاعات متنوعة مثل السيارات والطعام والشركات، حيث عمل مع علامات تجارية مرموقة مثل فورد، وتشيز كيك فاكتوري، ودي إتش إل، وإيكيا، ويواصل تعاونه مع علامات تجارية شهيرة مثل أديداس وأندر أرمور وبورش للاحتفال بالأمل في كل قصة يرويها.
ويجد جو شغفه الحقيقي في سرد القصص، ليضيء المجهول من خلال الأفلام الوثائقية القصيرة التي حققت له العديد من الجوائز لأفضل مخرج وأفضل تصوير سينمائي، مدفوعا برغبة مستمرة في التعلم. وصقل جو مهاراته من خلال الخبرة العملية والتعاون مع مرشديه في الصناعة، وقد عرضت أعماله في العديد من الأماكن حول العالم، انطلاقا من دول الشرق الأوسط وصولا إلى الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، وهو يطمح لإخراج فيلم طويل يستكشف مفهوم الزمن.