العقوبات الأمريكية على بنك اليمن الدولي: تصعيد مالي وسط أزمة يمنية معقدة

وكالة أنباء حضرموت

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 17 أبريل 2025 فرض عقوبات صارمة على بنك اليمن الدولي وعدد من مسؤوليه التنفيذيين، متهمة المؤسسة بتسهيل الدعم المالي لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، المصنفة كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة. هذه الخطوة، التي كشفت عنها المتحدثة باسم الوزارة تامي بروس، تمثل تصعيدًا استراتيجيًا في نهج واشنطن لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وتهدف إلى قطع الشرايين المالية التي تغذي العمليات العسكرية للحوثيين، بما في ذلك هجماتهم المتصاعدة على ممرات الشحن في البحر الأحمر. لكن في ظل الوضع الهش للاقتصاد اليمني والنظام المصرفي المنقسم، يثير القرار تساؤلات حول فعاليته وتبعاته على المدنيين اليمنيين الذين يعانون بالفعل من أزمة إنسانية غير مسبوقة.
سياق جيوسياسي معقد
تأتي العقوبات في توقيت دقيق، حيث يشهد اليمن، بعد عقد من الحرب الأهلية، تفاقمًا في التحديات الاقتصادية والأمنية. تصاعدت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر منذ أواخر 2023، مما أثار قلقًا دوليًا بشأن أمن التجارة العالمية. تعكس العقوبات تحولًا في السياسة الأمريكية نحو استخدام أدوات القوة الناعمة، مثل العقوبات المالية، لتقويض قدرات الجماعات المدعومة من إيران، بدلاً من الاعتماد الكلي على التدخلات العسكرية المباشرة.
استهدفت الولايات المتحدة بنك اليمن الدولي، وهو مؤسسة تجارية رئيسية تحتفظ بعلاقات مالية معقدة داخل وخارج اليمن، بسبب دوره المزعوم في تسهيل تحويلات مالية، وتبييض الأموال، وتخزين العملات الصعبة لصالح الحوثيين. وفقًا لوزارة الخزانة، فإن هذه الأنشطة عززت قدرة الجماعة على تمويل عملياتها العسكرية، بما في ذلك شراء الأسلحة وتنفيذ هجمات بحرية معقدة. وقال مسؤول كبير في الوزارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "هذه رسالة واضحة: أي مؤسسة، محلية كانت أو دولية، تسهل تمويل الإرهاب ستجد نفسها في مرمى العقوبات."
صدرت العقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13224، الذي يتيح للولايات المتحدة تجميد الأصول، ومنع التعاملات مع الكيانات المستهدفة، وفرض عقوبات ثانوية على أي شركاء دوليين يواصلون التعامل معها. هذا الإجراء يعزل بنك اليمن الدولي فعليًا عن النظام المالي العالمي، مما يحد من قدرته على إجراء تحويلات دولية أو تمويل التجارة.
النظام المصرفي اليمني: على حافة الانهيار
يعاني الاقتصاد اليمني من انهيار شبه كامل، حيث أدى الانقسام المؤسسي بين صنعاء وعدن إلى إنشاء سلطتين ماليتين متنافستين، كل منهما تدير نظامًا مصرفيًا موازيًا. يعد بنك اليمن الدولي أحد أبرز البنوك التجارية التي واصلت العمل في ظل هذا الانقسام، محتفظًا بحضور في مناطق سيطرة الحوثيين، مما جعله عرضة للاشتباه في تسهيل أنشطة الجماعة. ورغم أن البنك لم يكن تابعًا رسميًا لأي من السلطتين، فإن استمرار نشاطه في مناطق الحوثيين، إلى جانب تقارير استخباراتية أمريكية، وضعته تحت المجهر.
تهدد العقوبات بتعميق الهشاشة في النظام المصرفي اليمني. يحذر خبراء اقتصاديون من أن عزل بنك بحجم بنك اليمن الدولي قد يعطل سلاسل الإمداد الأساسية، بما في ذلك استيراد الغذاء والوقود، اللذين يعتمدان بشكل كبير على التمويل المصرفي. وقالت فاطمة المهدي، خبيرة اقتصادية في عدن: "الاقتصاد اليمني يعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي. قطع بنك رئيسي مثل هذا قد يؤدي إلى انهيار مالي شامل، يضر بالمدنيين أكثر من الحوثيين."
من المتوقع أن تؤدي العقوبات إلى تراجع ثقة العملاء في البنوك اليمنية، مع احتمال سحب الودائع بشكل جماعي أو تجميد الحسابات. كما قد تضطر البنوك الأخرى إلى تقليص تعاملاتها الدولية، خوفًا من عقوبات مماثلة، مما يزيد من شح العملات الصعبة ويعيق التجارة. وأضافت المهدي: "بدون بدائل مصرفية فورية، قد نشهد أزمة سيولة غير مسبوقة."
استجابة الحوثيين: صمود وتكيف
أظهر الحوثيون، على مر السنوات، قدرة ملحوظة على التكيف مع الضغوط الاقتصادية. من المرجح أن يعززوا اعتمادهم على شبكات التمويل غير الرسمية، بما في ذلك الحوالات عبر القنوات غير المرخصة، والسيطرة على أسواق الوقود والعقارات، وفرض ضرائب قسرية على التجار والمواطنين. وقال محمد السعدي، محلل سياسي في صنعاء: "العقوبات ليست جديدة على الحوثيين. سيستغلون السوق السوداء والجبايات المحلية لتأمين مواردهم."
أدانت الجماعة العقوبات، ووصفتها بأنها "حرب اقتصادية" تستهدف الشعب اليمني، في محاولة لتعبئة الدعم الشعبي. من المتوقع أن يكثف الحوثيون حملاتهم الدعائية، مع احتمال تصعيد هجماتهم في البحر الأحمر لإظهار التحدي. وأشار السعدي: "هذه الإجراءات قد تعزز خطاب الحوثيين الذي يصورهم كضحايا العدوان الخارجي، مما يمنحهم زخمًا داخليًا."
على صعيد آخر، قد يؤثر العزل المالي على قدرة الحوثيين على إدارة القطاعات الخدمية في مناطق سيطرتهم، مثل الصحة والتعليم، أو دفع رواتب الموظفين. هذا قد يثير استياء شعبيًا متزايدًا، خاصة مع تفاقم الأزمة المعيشية. ومع ذلك، فإن خبرة الجماعة في استغلال اقتصاد الحرب تجعل من المستبعد أن تؤدي العقوبات وحدها إلى انهيار بنيتها الاقتصادية.
ردود الفعل المحلية والإقليمية
الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا: رحبت الحكومة في عدن بالعقوبات، معتبرة إياها دعمًا لجهودها في تقويض سيطرة الحوثيين على الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، أعرب مسؤولون، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، عن مخاوفهم من غياب قنوات مصرفية بديلة، مما قد يعيق جهود الاستقرار الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وقال أحد المسؤولين: "نحتاج إلى خطة طوارئ مالية لتجنب انهيار الثقة في نظامنا المصرفي."
التحالف العربي: ترى السعودية والإمارات في العقوبات خطوة تتماشى مع هدفهما للحد من نفوذ إيران. من المرجح أن تدفع الرياض لتوسيع الإجراءات لتشمل كيانات أخرى مرتبطة بالحوثيين، بما في ذلك شبكات تحويل الأموال في القرن الأفريقي. كما قد يعزز القرار التنسيق بين واشنطن والرياض لتشديد الحصار المالي على الجماعة.
إيران: تجنبت طهران التعليق المباشر، لكن من المتوقع أن تستغل أدواتها الإعلامية والدبلوماسية لتصوير العقوبات كجزء من حملة أمريكية-خليجية ضد حلفائها. قد يؤثر ذلك على المحادثات الإقليمية الجارية، خاصة بين السعودية وإيران، حول اليمن.
الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية: أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من تأثير العقوبات على تدفقات المساعدات الإنسانية، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين. وقال مسؤول أممي: "إذا لم تُصمم بدائل مالية واضحة، فقد تعيق العقوبات تحويلات الرواتب والمساعدات، مما يفاقم معاناة الملايين." طالبت منظمات إنسانية بضمانات لاستمرار القنوات المالية للمدنيين.
الشارع اليمني: يعيش المواطنون حالة من القلق والارتباك، خاصة أولئك الذين يعتمدون على بنك اليمن الدولي لاستلام الحوالات أو إجراء المعاملات. قد تستغل جماعة الحوثي هذا الوضع لتعزيز خطابها المناهض للولايات المتحدة، متهمة التحالف الدولي بمعاقبة الشعب اليمني.
التداعيات على المستويات الاقتصادية والسياسية والإنسانية
القطاع المصرفي: ستزيد العقوبات من هشاشة النظام المصرفي اليمني، مع احتمال تراجع الثقة العامة وزيادة الضغط على البنوك الأخرى. تعطيل التحويلات الدولية وتمويل التجارة قد يؤدي إلى نقص في السلع الأساسية، مما يفاقم أزمة الغذاء والوقود.
جماعة الحوثي: على المدى القصير، ستواجه الجماعة صعوبات في الوصول إلى النظام المالي الرسمي، لكنها ستعتمد على بدائل غير رسمية أكثر كلفة وخطورة. قد يؤدي ذلك إلى زيادة الجبايات المحلية، مما يثير استياء شعبيًا.
المسار السياسي: قد تعرقل العقوبات جهود الوساطة الأممية، حيث من المرجح أن يستخدم الحوثيون القرار لتبرير التشدد في مفاوضات السلام. في المقابل، تعزز العقوبات موقف الحكومة الشرعية دبلوماسيًا، لكن غياب خطة اقتصادية مصاحبة قد يحد من تأثيرها.
الجانب الإنساني: تشكل العقوبات خطرًا على وصول المساعدات إلى ملايين اليمنيين، خاصة في المناطق الشمالية. قد يؤدي تعطيل تحويلات المنظمات الدولية إلى تفاقم الأزمة المعيشية، مع تأثير مباشر على الفقراء والنازحين.
تحديات وفرص
على الرغم من قوة الرسالة السياسية التي تحملها العقوبات، فإن نجاحها يعتمد على عدة عوامل. أولاً، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إنشاء قنوات مالية بديلة لضمان استمرار تدفق المساعدات والمعاملات المدنية. ثانيًا، يتطلب الأمر تعزيز الرقابة على الشبكات المالية غير الرسمية لمنع الحوثيين من الالتفاف. ثالثًا، ينبغي دعم الحكومة الشرعية ببرامج اقتصادية لتعزيز البنية المصرفية في المناطق المحررة.
في الوقت نفسه، توفر العقوبات فرصة لإعادة ترتيب الأولويات الدولية تجاه اليمن. يمكن أن تشكل نقطة انطلاق لتنسيق أوسع بين واشنطن وحلفائها الإقليميين لتجفيف منابع تمويل الحوثيين، مع تعزيز جهود إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي.
نظرة مستقبلية
تمثل العقوبات على بنك اليمن الدولي لحظة مفصلية في الصراع اليمني، إذ تبرز كجزء من استراتيجية أمريكية أوسع لمواجهة النفوذ الإيراني عبر أدوات اقتصادية دقيقة. لكن فعاليتها طويلة الأمد مرهونة بقدرة واشنطن على تحقيق توازن بين ضرب قدرات الحوثيين وتجنب معاقبة المدنيين. في ظل استمرار التوترات في البحر الأحمر وتفاقم الأزمة الإنسانية، يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن هذه الإجراءات من إضعاف الحوثيين، أم ستزيد من تعقيد الصراع، مع تداعيات كارثية على شعب يعاني بالفعل من ويلات الحرب؟
المصدر: وزارة الخارجية الأمريكية، 17 أبريل 2025