مصر تضاعف تطويق المتطرفين بتشريع يجرّم الفتاوى السلفية - الإخوانية

وكالة أنباء حضرموت

تلقفت مؤسسات دينية في مصر إشارات سياسية تُوجّه بالتحرك نحو المزيد من محاصرة الفكر السلفي – الإخواني، وتحريك المياه الراكدة في مشروع قانون تجريم إصدار الفتاوى من غير المتخصصين، بما يسد آخر ثغرة يتسلل منها دعاة التطرف.

وأعلن مفتي مصر نظير عياد عن وجود تنسيق مع الأزهر ومؤسسات مختلفة في الدولة، لإصدار تشريع للحد من فوضى الفتاوى، وعقدت عدة لقاءات بهذا الخصوص مؤخرا، وسيتم الإعلان قريبا عن نتائجها والإجراءات المتعلقة بمشروع القانون.

ويمثّل التوجه نحو تجريم فتاوى غير المتخصصين من المنتمين إلى تيارات متشددة نقطة تحول في علاقة الأزهر بالجماعات ذات التوجهات السلفية، لأنه اعترض سابقا على وجود تشريع يناقش تلك المسألة قبل تحديد هوية من يتم إقصاؤه.

الفرصة مناسبة لتمرير تشريع يقصقص المزيد من أجنحة المتطرفين، الذين يحاولون تجييش المواطنين بالفتاوى

ولأول مرة تتوافق الحكومة مع مؤسسات دينية متباينة على حتمية تجريم الفتاوى العشوائية، لأن الفكرة كانت مطروحة من قبل وتعطلت جراء خلافات بين الأزهر ودار الإفتاء من ناحية، والأزهر والبرلمان من ناحية أخرى، حول هوية المتخصص المسموح له بإصدار الفتاوى.

ويحمل هذا التشريع الصارم الذي يجرم فتاوى غير المتخصصين ويحبس كل من يدّعي أنه شيخ أو عالم دين، رسالة حكومية قوية للتيار السلفي الذي يتصرف منذ ثورة الثلاثين من يونيو 2013 الشعبية كفصيل إسلامي وحيد شارك في صناعة شرعية النظام المصري الجديد بعد سقوط سلطة الإخوان.

وترى دوائر سياسية أن حالة الانكسار التي يعيشها التيار السلفي والمتناغمون معه، مثل جماعة الإخوان، جراء التقلبات المتسارعة في الإقليم وزيادة منسوب الكراهية للإسلام السياسي، فرصة ثمينة لتمرير تشريع يقصقص المزيد من أجنحة المتطرفين بمختلف أنواعهم، الذين يحاولون تجييش المواطنين بالفتاوى.

وهناك صدمة في مصر من صعود إسلاميين إلى الحكم في سوريا، وهي ثغرة قد تسهل مهمة الحكومة والبرلمان في مواجهة التطرف الفكري، لأن أيّ تشريع يستهدف تقنين الفتوى يحتاج إلى تأييد شرائح كانت تتعامل مع فتاوى الشيوخ بنوع من القدسية.

وأصبحت الظروف السياسية تسمح بانتصار الحكومة على السلفيين، فهناك حالة توحد ظاهرة خلف النظام في مصر جراء التحديات الخارجية وما يمكن أن تحمله من تداعيات وخيمة على الدولة، ويعد تطويق الفتاوى عملية مهمة لمنع حدوث استقطابات دينية في توقيت بالغ الحساسية.

ويبدو أن الحكومة أقنعت الأزهر بضرورة التخلي عن الدعم الضمني للسلفيين ورفع الغطاء الأدبي عنهم، بدليل مشاركته في إعداد مشروع القانون الجديد، لمنع أي  صراع خفي داخله أو مرونة مع التيار السلفي تقود إلى إعادة تجميد قانون تجريم الفتاوى.

وكانت هناك أزمة مرتبطة بأن الأزهر يرغب في فرض علمائه وحدهم ليكونوا مسؤولين عن إصدار الفتاوى، وهو ما رفضته دار الإفتاء والحكومة، وكلتاهما ترى أن إقصاء بعض رجال الأزهر من غير المصرح لهم بالفتوى ضرورة حتمية كي لا يقدموا هدايا مجانية للمتطرفين.

ورفضت الحكومة أن يتم اختزال الفتوى في الأزهر، فليس كل خريجيه من المعتدلين فكريا، ويجب اختيار شخصيات وسطية لتتصدى للفتاوى من أجل منع ظهور أزهريين أخطر من السلفيين، لذلك قررت مشاركة مؤسسات مدنية في إعداد القانون الجديد.

وضاقت السلطة المصرية بالسلفيين ذرعا، وإن سُمح لهم بالتواجد السياسي من خلال حزب النور ووجود أعضاء له في البرلمان، لأنهم يتمسكون بالتعامل مع الفتوى باعتبارها البديل الوحيد للوصول إلى عقول الناس بعد تضييق الخناق عليهم في المساجد والزوايا الصغيرة التي كانوا يسيطرون عليها دينيا، ومنعهم من الخطابة، وإحكام الاستحواذ على جمعياتهم التي تتعامل مباشرة مع شرائح في المجتمع.

ويرتبط التحرك لوضع مشروعات القوانين في مصر برؤية سياسية مدعومة من السلطة، كي تكون متوافقة مع الأغلبية البرلمانية المتماهية مع الحكومة لعضويتها في حزب “مستقبل وطن” الذي صُنف ظهيرها السياسي في البرلمان.

الدولة ليست بحاجة إلى وجود تيار إسلامي في المشهد السياسي، وهذا اختراع وهمي صنعه أنصار السلفية ومن المفترض أن يشمل الحظر وجود أو إنشاء أي حزب على أساس ديني

ويحظى التشريع الخاص بحصار غير المتخصصين في الفتاوى وتطويقهم بتأييد برلماني واسع، وسبق أن طُرح للنقاش في بداية دورة البرلمان الحالية، لكنه تعطل لمنع احتدام الخلاف مع مؤسسة الأزهر، ثم أعيد النقاش حوله مؤخرا في ظل إصرار التيار السلفي وأنصاره، والمحسوبين عليه من دعاة الفوضى، على خلق احتقان مجتمعي.

وتُدرك الحكومة أن منع المتشددين من إصدار الفتاوى، عبر تشريع يتضمن عقوبات صارمة تصل إلى الحبس المتشدد، يقطع آخر ذيول الإخوان والسلفيين من المشهد العام؛ فهما وجهان لعملة واحدة ويقومان بتوظيف الدين والفتاوى لتحقيق أهداف سياسية مشبوهة في ذروة التحديات الداخلية والخارجية.

وقدمت أزمة فتاوى السلفيين خدمة مجانية للإخوان، على رأسها الضغط على السلطة لتطبيق الشريعة والتمرد على القوانين المدنية، وهذا بحد ذاته ليس مطلوبا في الوقت الراهن، وتصعب على أي مؤسسة دينية في البلاد مواجهته من دون أن تكون هناك صرامة من أجهزة أمنية تحتاج إلى قوانين تحمي تحركاتها.

وقال الكاتب المصري خالد منتصر إن تجريم فتاوى غير المتخصصين جزء من تكريس مدنية الدولة، لأن الاستمرار في سلفنة المزاج الشعبي خطر سياسي واجتماعي وأمني وفكري، لكن لا يجب أن تكون نصوص التشريع الجديد فرصة لاستسهال الفتاوى من المؤسسة الدينية نفسها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الدولة ليست بحاجة إلى وجود تيار إسلامي في المشهد السياسي، وهذا اختراع وهمي صنعه أنصار السلفية ومن المفترض أن يشمل الحظر وجود أو إنشاء أي حزب على أساس ديني، إذا أردنا تثبيت مدنية الدولة وإعمال العقل والمنطق والكف عن ثقافة الحلال والحرام.”

وبغض النظر عن توقيت الإعلان عن مشروع قانون تجريم فتاوى غير المتخصصين، فإن ما يدعم تحريكه سريعا أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصبح يتعامل مع تقييد الفتوى كخطوة أولى على طريق تجديد الخطاب الديني، وهو ملف يدعمه شخصيا، ويشعر بخيبة أمل بسبب إخفاق المؤسسات الدينية في إنجازه.

ويُعارض السلفيون إحراز تقدم في ملف تجديد الخطاب الديني لأنهم يستفيدون من وضعية الجمود الراهنة، لكن السلطة حسمت أمرها بمجابهتهم بحيث يكون تطويقهم وإبعادهم عن الفتوى آخر حلقات الصراع الخفي مع الدولة التي تبين لها أن المواجهة العلنية للإخوان لم تكن سوى ستار يتخفى خلفه المتطرفون لأغراض سياسية.