مسعد بولس.. رجل الشرق الأوسط في البيت الأبيض
تتشكل دوامة حول واشنطن التي تشهد تسميات إدارة دونالد ترامب الجديدة. وأثارت العديد من التعيينات بالفعل الدهشة وتصدّرت العناوين الرئيسية. لكن واحدة من أكثرها إستراتيجية وإثارة للاهتمام مرت دون ضجة كبيرة حتى الآن. لقد قرر ترامب أن يكون مسعد بولس، رجل الأعمال اللبناني – الأميركي، مستشاره الرفيع لشؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط. وسيكون لهذا الخيار تأثير كبير في زمن الاضطرابات التي زعزعت الشرق الأوسط. وسيكون عاملاً في تشكيل هذه المنطقة والمصلحة الوطنية الأميركية خلال السنوات القادمة.
أكتب مقالي هذا بصفتي ابنًا لأمّ مسيحية أميركية من أصل أفريقي وأب عربي – أميركي – لبناني – شيعي. أتفهم شخصيًا نضالات الأقليات ومظالمها في العالم العربي والولايات المتحدة. انخرطت في دبلوماسية الشرق الأوسط وتعاملت مع صانعي القرار الرئيسيين في المنطقة خلال سنوات عديدة. وشعرت لذلك بوجهات النظر التي توجه الأقليات المحلية والقادة الدوليين. ويمكّنني كل هذا من تقدير الدور الحيوي الذي لعبه بولس في تغيير المشهد السياسي، وخاصة عبر تواصله مع المجتمعات العربية والمسلمة الأميركية المهمشة.
وكنت من مؤيدي ترامب منذ 2016 لأسباب تشمل براعته في تعيين الموظفين في إداراته. ويمكنني لذلك القول بثقة إن تعيين بولس ليس مجرد خطوة سياسية ذكية اعتمدها الرئيس المنتخب. وتجمع علاقة عائلية هذين الشخصين، حيث إن بولس هو والد زوج ابنة ترامب تيفاني. وأعرف ابن بولس الأكبر، فارس بولس، الذي أعتبره أخي. ويمنحني هذا الاتصال الوثيق منظورًا فريدًا لأهمية دور المعيّن الجديد.
لقد أثبت بولس ذكاءه السياسي والفكري. واكتسب ثقة العديد من الجماعات العربية – الأميركية والشرق أوسطية. وتحاورتُ مع العديد ممن أعجبوا بفهم بولس للديناميكيات الإقليمية ولمسته الإنسانية، حيث غابت هاتان الميزتان عن السياسة الأميركية مؤخرًا. ويختلف مسعد عن العديد من الشخصيات السياسية التي توارثت النفوذ، وأسس علاقته ومصداقيته مع المجتمعات على الانخراط وتفهّم مخاوفها. وبرزت قدرته على غرس هذه الثقة في الفئات التي غالبًا ما شعرت بالتهميش والتجاهل، مما يدل على فطنته السياسية والتزامه الحقيقي بتلبية احتياجاتها. وتصبح الروابط واللمسة الشخصية حيوية أكثر خلال الأزمة التي يعاني منها الشرق الأوسط.
وأهم ما في الأمر أن الرغبة العميقة في إحلال السلام في الشرق الأوسط وخارجه هي ما يدفع بولس. ولا تقتصر رؤيته طويلة المدى على مجرد تعزيز مشاركة الجماعات الإسلامية والعربية الأميركية السياسية، فهو يطمح إلى التوصل إلى حلول دبلوماسية تعزز السلام والتعاون بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط.
وشكّل ناخبو الجماعات الإسلامية والعربية الأميركية نسبة حاسمة في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان في انتخابات 2024، حيث ساهمت جهود بولس في حشد الدعم لترامب. وأصبحت هذه الجماعات المهمشة تاريخيًا في السياسة الأميركية نشطة سياسيًا بدرجة غير مسبوقة. وكانت جهود بولس عاملًا أساسيًا في دعم هذا التطور، فقد التقى بالعديد من الأشخاص الذين لم يصوتوا للجمهوريين من قبل، ولم يصوتوا لترامب خلال الدورتين السابقتين. واستمالهم لصفه بفضل مهاراته السياسية وإنسانيته. وكان تأثيره، إلى جانب التزامه الشخصي بمعالجة مخاوف الناخبين العرب والمسلمين، محوريًا في تشكيل نتيجة الانتخابات.
لقد شهدتُ، بحكم انتمائي إلى الأقليات المذكورة أعلاه، كيفية ارتباط بولس بالناخبين من المجتمعات الإسلامية والعربية – الأميركية، وخاصة خلال الصراع في غزة. ولم تقتصر جهود بولس على الإستراتيجية السياسية. وكانت بدلاً من ذلك متجذرة في فهم حقيقي للتحديات الفريدة التي تواجهها هذه المجموعات. واجتمع هذا مع قدرته على تعزيز الثقة وبناء العلاقات لجعله مكسبًا مميزًا لحملة ترامب.
لقد شهدنا مؤخرًا أن بعض وسائل الإعلام شنت حملة تشويه ضد بولس. وشككت في ثروته ومؤهلاته وخلفيته. وليست هذه الهجمات الازدرائية في محلها، واستندت في الغالب إلى معلومات غير مكتملة أو أسيء تفسيرها. وكانت مصممة لتشتيت الانتباه عن المساهمات الحقيقية والموضوعية التي قدمها بولس إلى السياسة الأميركية.
من المؤسف أن نشهد تشكيكًا في شخصية بولس، لكن يبقى من المهم أن نتذكر أن هذا لم يقلل من إنجازاته. والحقيقة هي أن بولس ساعد في تعبئة جماعات مهمشة، خاصة خلال الصراع في غزة ودعم أميركا المستمر لإسرائيل. وهذا إنجاز حقيقي، حيث بث العنف المستمر في القطاع ودعم الولايات المتحدة الثابت لتل أبيب شعورًا بالاغتراب بين العرب الأميركيين والمسلمين الذين خيمت عليهم خيبات الأمل. ووفرت جهود بولس صوتًا ومنصة اشتدت حاجة هذه الجماعات إليهما. وشجعتها على تحويل طاقة إحباطها إلى العمل السياسي. وكان هذا غير مسبوق في السياسة الأميركية.
ويجب أن نركز خلال هذه المرحلة على الواقع الذي لا يمكن إنكاره. لقد جذب بولس جماعات طالما شعرت بالتجاهل والتهميش، ومنحها صوتًا في انتخابات 2024. وغيرت قيادته الطريقة التي ينظر بها العرب والمسلمون الأميركيون إلى سلطتهم السياسية. والأهم من ذلك أنه ساهم مباشرة في تشكيل مستقبل المشاركة السياسية الأميركية.
ولرجل الأعمال البارع ذي الجذور العميقة في العالم العربي والولايات المتحدة شبكة اتصالاته الواسعة التي عززت قدرته على التنقل في المشهد السياسي المعقد؛ وهذا ما يجعله مرشحًا مثاليًا للمنصب الذي تقرر إنشاؤه حديثًا. وتمتد خبرته إلى مجموعة من المجالات كالأعمال التجارية والعمل الخيري والدبلوماسية. وتوفر له تجربته الثرية فهمًا متعدد الأوجه للعلاقات الدولية وقضايا السياسة الداخلية.
وتشكل هذه الشبكات أسس العلاقات التجارية، وهي التي زرعت بذور الدبلوماسية أيضًا. ويرتبط النجاح الدبلوماسي بالتواصل الإنساني الذي أعرف أنه من خصال بولس.
وأثبت بولس قيمته بترسيخ مصداقيته داخل الجماعات الإسلامية والعربية الأميركية. ولم يعوّل على العلاقات الموجودة مسبقًا، بل استثمر الوقت والطاقة في فهم القضايا التي تواجهها هذه الفئات واعتماد نفوذه لمعالجة مخاوفها. ويؤكد هذا رغبته في إنشاء علاقات دائمة مبنية على الثقة والاحترام، وهو ما جعله شخصية مؤثرة.
ولا تقتصر تجربة بولس على الولايات المتحدة، فعلاقاته العميقة بالشرق الأوسط تخوّل له سد الفجوة بين الجماعات الإسلامية والعربية في الولايات المتحدة ونظرائها في الشرق الأوسط بشكل فريد. وأصبح بولس، بفضل انخراطه مع صانعي القرار في المنطقتين، قادرًا على بعث حوار هادف وتعزيز التعاون بين الأطراف، التي غالبًا ما انقسمت بسبب الاختلافات الجغرافية والسياسية. ويمكّنه هذا المنظور من تقديم المشورة للرئيس الجديد بشأن السياسات الداخلية التي تؤثر على هذه الجماعات وتلك الخارجية المؤثرة على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط. وسيكون صوته موضع ترحيب في مركز صنع القرار.
ويبرز إنشاء منصب كبير مستشاري الرئيس للشؤون العربية والشرق أوسطية اعترافًا متزايدًا بثقل الجماعات الإسلامية والعربية الأميركية السياسي التي طالما تجاهلتها المؤسسة السياسية لكنها أصبحت الآن من أهم لاعبي الانتخابات، خاصة في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان، حيث ساعدت أصواتها على تحقيق فوز حاسم لترامب في 2024. وأصبح بولس الشخص المثالي الذي يمكنه مواصلة الانخراط مع هذه الجماعات وضمان إيصال أصواتها إلى أروقة السلطة.
كما ستكون لدوره الجديد تداعيات مهمة على السياسة الخارجية. ويجعله فهمه العميق لشؤون الشرق الأوسط وقدرته على بناء الجسور بين الثقافات شخصًا مناسبًا لتقديم المشورة للرئيس بشأن القضايا التي تؤثر على الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي الأوسع. وستساعد خبرته على تشكيل نهج الإدارة في مواجهة القضايا الحيوية التي تمتد من العلاقات الدبلوماسية مع الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى السياسات التي تؤثر على الجماعات المحلية الأميركية المسلمة.
ويؤكد تعيين بولس التزام إدارة ترامب الأكبر بالشمولية والتنوع. ويبرز تناغم فريق ترامب مع التركيبة السكانية الأميركية المتغيرة وفهمه الحاجة إلى القيادة التي تعكس هذه التركيبة المتنوعة. ويمكنني أن أشهد، بصفتي شخصًا راقب عمل بولس مباشرة، على تفانيه في سد الفجوات، وتعزيز الشمولية، وضمان منح من يشعرون بالتهميش تاريخيًا صوتًا في تشكيل مستقبل البلاد.
كما أنني أمتلك منظورًا فريدًا حول تأثير عائلة بولس والتزامها العميق تجاه المجتمع والبلاد. وتتجاوز قصة بولس تعيينًا مبنيًا على علاقة عائلية، فهو شخصية مؤثرة يؤكد اختيارها اعتراف إدارة ترامب بقوة الجماعات الإسلامية والعربية الأميركية السياسية المتنامية. وهي خطوة محسوبة ستنتج عنها تغييرات بعيدة المدى على السياسة الداخلية والخارجية في واشنطن، بما سيضمن استمرار نيلها مقعدًا حول الطاولة خلال السنوات القادمة. هذه هي القصة الحقيقية حول شخص مسعد بولس. فأميركا لن تجد شخصًا أنسب منه لهذا المنصب، والجماعات الإسلامية والعربية الأميركية لن تجد صديقًا أفضل منه.