مسقط تبذل جهودا معلنة وغير معلنة لاحتواء التوترات في المنطقة
بدأت سلطنة عُمان جهودا حثيثة، معلنة وغير معلنة، لاحتواء بعض التوترات في المنطقة من خلال علاقاتها الجيدة مع عدد من الأطراف الرئيسية، وتسعى لأن تكلل جهودها بالنجاح في أزمة التهديدات العسكرية في جنوب البحر الأحمر والعمليات التي تقوم بها جماعة الحوثي في اليمن ضد الملاحة الدولية، وتتمكن من وقف تصاعد حدة التوترات بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية.
وقال وزير خارجية عُمان بدر بن حمد البوسعيدي لـ”العرب” إن ما يجري في البحر الأحمر يهدد مصالح قوى إقليمية ودولية عديدة، وبلاده تحاول أن تجد حلا توافقيا يحد من الخيار العسكري هناك، “ولن تبخل بأي جهود تستطيع القيام بها في هذا المسار، بما يتسق مع رسالتها السياسية، وخبرتها في مجال الوساطة الإقليمية.”
وأكد في سؤال لـ”العرب” خلال حديثه مع مجموعة من الصحافيين في مسقط، الأربعاء، أن أزمتي البحر الأحمر وإيران واجهة لأزمة واحدة، فما يجري في الأراضي الفلسطينية هو أصل التوترات الراهنة، فالحرب على قطاع غزة هي التي تسببت في ارتدادات أو أعراض عسكرية وسياسية متباينة في المنطقة، ووقف الحرب يفتح المجال لإمكانية التهدئة في البحر الأحمر، ومع طهران.
عُمان لن تفتح مكتبا سياسيا لحماس في مسقط أو توافق على نقل قادتها إليها، لأن موقفها ثابت حيال دعم السلطة
وتنظم سلطنة عُمان جولة لصحافيين وإعلاميين من جنسيات مختلفة تمتد نحو أسبوع تتضمن لقاءات مع وزراء ومسؤولين كبار ضمن برنامج “عُمان والعالم”، وزيارات إلى بعض الأماكن والمعالم في عُمان للتعرف على النهضة الحضارية التي تشهدها السلطنة في مجالات مختلفة، وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة لتولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد السلطة في عُمان.
وكان اللقاء الذي عقده وزير الخارجية من أهم اللقاءات الإعلامية، حيث تحدث فيه عن قضايا متعددة، وفتح الباب لنقاش مفتوح مع الصحافيين الحاضرين، ولم يتردد في الإجابة عن الأسئلة، لكنه بدا دبلوماسيا أكثر من اللازم مع بعضها.
وأوضح لـ”العرب” أن مسقط على استعداد للقيام بدور حيوي في الأزمة الغربية مع إيران بشأن البرنامج النووي ينسجم مع دور مهم قامت به في اتفاق سابق، وتلقت من طهران ردودا “مشجعة على قاعدة حل أزمة البرنامج وفقا لمصالح الجميع، وأبدت مرونة وانفتاحا واستعدادا للتفاهم العاجل والدخول في نقاشات تفضي إلى حل سلمي للأزمة، يمكن أن يقي المنطقة من خوض جولة صعبة للتصعيد.”
وتوحي هذه الإشارة إلى أن طهران لا تريد الدخول في صدام مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الذي يتجه إلى منح أولوية للأزمة مع إيران بعد تسلمه مقاليد السلطة في العشرين من يناير الجاري، في خضم استنفار واضح من جانب إسرائيل ضد إيران، وعدم استبعاد استهدافها عسكريا مرة أخرى وبضربة أشد قسوة.
ولم يؤكد وزير الخارجية العُماني أو ينف طلب مصر وساطة بلاده مباشرة لوقف هجمات جماعة الحوثي في اليمن، مؤكدا أن سلطنة عُمان لن تتوانى عن بذل جهود لوقف التهديدات في البحر الأحمر، وبالتالي كبح توابعها، وأنه ناقش هذه القضية خلال لقائه مع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في مسقط قبل أيام، إلى جانب عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك بين القاهرة ومسقط.
وأشار إلى وجود تأثيرات سلبية كبيرة للأوضاع المضطربة في المنطقة على جهات عدة، وأن دولا مختلفة تكبدت خسائر اقتصادية بسببها، لكن عُمان لم تتأثر كثيرا بما يجري في البحر الأحمر، باستثناء انخفاض ملحوظ في سياحة السفن.
وألمح البوسعيدي إلى أن عُمان لن تفتح مكتبا سياسيا تابعا لحركة حماس في مسقط أو توافق على نقل قادتها إليها، لأن موقفها ثابت حيال دعم السلطة الفلسطينية عامة، وهناك سفارة لدولة عُمان في رام الله، وأخرى فلسطينية في مسقط، وهما الجهة الشرعية لتمثيل الشعب الفلسطيني، مطالبا جميع الفصائل بالتوافق والتفاهم والوحدة.
وأبدى وزير خارجية عُمان تحفظه على فكرة إرسال قوات عربية إلى قطاع غزة، معتبرا أن الفلسطينيين لديهم كوادر جيدة تستطيع تحمل المسؤولية، مشددا على أن حل القضية الفلسطينية يقوم على احترام شرعية القرارات الدولية، ومبادرة السلام العربية، ومنح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره.
وذهبت تقارير غربية إلى وجود اتجاه لتشكيل قوة عربية تقوم بحفظ الأمن في غزة عقب وقف الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع، ضمن ترتيبات وتجهيزات تتعلق باليوم التالي لوقف إطلاق النار، وعدم إسناد أي مسؤولية أمنية لحماس.
وتوقف البوسعيدي عند ما يجري من تطورات في سوريا بالتأكيد على ثوابت الموقف العُماني حيال الحفاظ على استقرار سوريا، وعدم تبني موقف سلبي من الإدارة الجديدة في دمشق، فمن المهم الحفاظ على وحدة أراضي الدولة السورية وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي تضم جميع مكونات الشعب السوري، واستعادة دور دمشق في المحيط العربي أولا، والدولي ثانيا، وأيّ مشكلة يبدأ حلها من الداخل.
وظلت سفارة عُمان في دمشق وسفارة سوريا في مسقط مفتوحتين ولم تغلق أي منهما في المرحلة السابقة أو الحالية، والتواصل مستمر وموجود مع القيادة الجديدة في سوريا، مستشهدا باتصاله مؤخرا بوزير الخارجية أسعد الشيباني.
وشارك في اللقاءات التي عقدت مع الصحافيين في مسقط، وزراء: التراث والسياحة سالم بن محمد المحروقي، والتنمية الاجتماعية ليلى بنت أحمد النجار، والإسكان والتخطيط العمراني خلفان بن سعيد الشعيلي، والخارجية بدر بن حمد البوسيعيدي.