الكهرباء قادمة: قطر وتركيا تتحركان لانقلاب سريع في توفير الخدمات في سوريا
شرع الحليفان التركي والقطري بسوريا في التعاون وتوفير أهم مفصل اقتصادي وهو الكهرباء؛ إذ أعلنا عن إرسال سفينتين لتوليد الكهرباء إلى سوريا.
وأظهر الحليفان فهما عميقا لطبيعة المشاكل التي تواجهها سوريا، وهي مشاكل أفشلت كل محاولات الإصلاح في العراق بعد أن ظل العراقيون يتساءلون إلى يومنا: أين الكهرباء.
وتهدف الخطوة القطرية – التركية إلى طمأنة الشارع السوري، الذي يعيش أوضاعا اقتصادية صعبة منذ بداية الحرب في 2011، بأن المرحلة الجديدة لن تقف عند التغيير الشكلي الذي يخدم مصلحة المجموعات المسلحة التي سيطرت على الحكم، وأن الاستقرار الأمني والسياسي سيصب في صالح السوريين ويحسّن وضعهم المعيشي، وأن تحسين فرص الحصول على الكهرباء سيكون خطوة أولى.
ويعتبر موضوع الكهرباء مقياسا جديا للتغيير؛ فإما أن يعطي إشارة واضحة إلى وجود أمل، أو يوفر مسوغا لحكم مسبق على فشل المرحلة الجديدة، وهذا مفهوم خاصة أن السوريين ظلوا يعارضون تغيير نظام الأسد بسبب ما عاينوه من أوضاع صعبة عرفها العراق بعد غزو 2003، حيث فقد العراقيون أبسط الخدمات، وأولها الكهرباء، دون أن يحصلوا عليها مجددا.
مساعي تلافي أخطاء تدخلات سابقة في دول مثل تونس ومصر، حيث شهد البلدان رفضا شعبيا واسعا لأي مساعدة من الدوحة وأنقرة باعتبارها تصب في خدمة الإسلاميين
ويعرف السوريون أن إيران، التي ساهمت في إسقاط النظام في العراق ودعمت الميليشيات الحليفة لها للسيطرة على السلطة، لم تهتم بأوضاع العراقيين، بل على العكس استثمرت في معاناتهم وتربحت منهم، بما في ذلك موضوع الكهرباء. وهذه الصورة يمكن استدعاؤها للحكم على أدوار قطر وتركيا والمجموعات المسلحة الحليفة لهما، وأن التأخير سيعني أن البلاد تسير على خطى العراق نحو الفوضى.
وأعلن مدير عام المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا خالد أبودي الثلاثاء أن سفينتين لتوليد الكهرباء من تركيا وقطر ستصلان إلى البلاد لرفع معدل التغذية، غداة إعلان واشنطن تخفيف بعض العقوبات.
وقال أبودي في تصريحات لوكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” إن “سفينتين لتوليد الكهرباء من تركيا وقطر قادمتان إلى سوريا، تولدان 800 ميغاواط، وهو ما يعادل نصف ما يتم توليده حاليا.”
ومن شأن ذلك أن “يسهم في زيادة حصة المواطن من الكهرباء بنسبة 50 في المئة تقريبا،” وفق أبودي، موضحا أن “العمل جار حاليا لتأمين خطوط نقل لاستقبال التيار الكهربائي من مكان رسو السفينتين.”
ومنذ سنوات يعاني السوريون من ساعات تقنين طويلة تتجاوز عشرين ساعة في اليوم الواحد، على وقع شحّ في الوقود والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد.
ويعتقد مراقبون أن التحرك السريع من قطر وتركيا هدفه تلافي أخطاء تدخلات سابقة في دول عرفت موجة أولى من “الربيع العربي” مثل تونس ومصر، حيث شهد البلدان رفضا شعبيا واسعا لأي مساعدة من الدوحة وأنقرة باعتبارها تصب في خدمة الإسلاميين وتهدف إلى تثبيت حكمهم.
ويعرف الحليفان أن الوقت ليس في صالح الإدارة العسكرية الحاكمة في سوريا، وأن نشوة التغيير يمكن أن تنقشع بسرعة وقد تتحول إلى غضب شعبي إذا وجد السوريون أن ما يسمعونه لا يعدو كونه مجرد شعارات. ومن السهل أن ينقلب الأمر على قطر وتركيا فتصبحان من المغضوب عليهما لأن السوريين يعرفون دورهما في دعم الإسلاميين وتسليحهم، ما كان أحد الأسباب التي أدت إلى إخراج ثورة 2011 من بعدها الاحتجاجي السلمي إلى نزاع مسلح عابر للدول، الأمر الذي أعاق فرصة إحداث التغيير في البلاد.
ومنذ اندلاعها قبل أكثر من 13 عاما، استنزفت الحرب قطاعي الطاقة والكهرباء مع خروج أبرز حقول النفط والغاز عن سيطرة السلطات من جهة، وتضرّر محطات توليد وأنابيب خلال المعارك من جهة أخرى. وحالت العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على دمشق دون وصول بواخر النفط إلى سوريا بشكل منتظم.
وجاء إعلان المسؤول السوري غداة إعلان وزارة الخزانة الأميركية إصدارها ترخيصا عاما جديدا لتوسيع الأنشطة والمعاملات المسموح بها مع سوريا خلال الأشهر الستة المقبلة، “للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي.”
وصدر القرار الأميركي على وقع جهود حثيثة تبذلها الحكومة الانتقالية في دمشق لرفع العقوبات عن البلاد. لكن المجتمع الدولي يبدي ترددا في رفع القيود. وقالت عدة دول، من بينها الولايات المتحدة، إنها في انتظار أن ترى نهج السلطات الجديدة في الحكم.
وإثر وصول السلطة الجديدة إلى دمشق بقيادة أحمد الشرع، كانت تركيا ثم قطر أول من فتح سفارتيهما في العاصمة السورية. وشكلت الدولتان منذ اندلاع النزاع السوري داعمتين رئيسيتين للمعارضة السياسية والعسكرية.
وتسعى الدولتان إلى نسج شراكات مع السلطة الجديدة التي تواجه تحديات كبيرة خصوصا في ما يتعلّق بإعادة تأهيل البنى التحتية وإعادة الإعمار بعد سنوات الحرب الطويلة. واستأنفت الخطوط الجوية القطرية الثلاثاء أولى رحلاتها إلى مطار دمشق.
وكانت قطر، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي أبقت على موقفها المناهض للأسد، قد عرضت المساعدة “لاستئناف” مطار دمشق عملياته و”ضمان صيانته خلال المرحلة الانتقالية”، وفق ما أفاد به مسؤول قطري وكالة فرانس برس الشهر الماضي. وأعلنت تركيا الشهر الماضي أن وفدا من وزارة الطاقة التركية زار سوريا.
وقال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار في اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في 28 ديسمبر “سنحدد احتياجات سوريا على صعيد البنى التحتية والطاقة والكهرباء، وسنبذل قصارى جهدنا لضمان استفادة (السوريين) من هذه الخدمات الأساسية.”