"تراتيل".. مسرحية تفضح تناقضات الجماليات الغربية

وكالة أنباء حضرموت

أثارت مسرحية “تراتيل” التي عُرضت في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية جدلا واسعًا على وسائل التواصل، لما يحتويه نصها من قضايا وطنية وعربية وفضحا لقيم غربية متناقضة.

المسرحية التي عرضت ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية التي عقدت أواخر شهر نوفمبر الماضي، أعدها وأخرجها الممثل المسرحي التونسي مهذب الرميلي بمشاركة تلاميذ معهد الفنون بالعمران، وسلطت الضوء على مفاهيم ثقافية وفنية عميقة تفضح تناقضات الجماليات الغربية. وأوضح المخرج أن “تراتيل” كان من المفترض أن تُعرض في القاعات، لكن فريق العمل قرر عرضها في الشارع لما تتيحه من تفاعل مباشر مع الجمهور.

وأشار إلى أن “المسرحية تستوحي عناصرها من الأساطير اليونانية، وخاصة أسطورة ‘أوديب ملكا’ للكاتب المسرحي سوفوكليس، حيث يطرح العمل نشأة المسرح وعلاقته بالأسطورة ويعيد النظر في تأثير الجماليات الغربية على الفن المعاصر.” أزياء الممثلين في المسرحية التي حيكت من قماش أكياس القمح هي أكثر ما أثار استغراب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، إلى جانب الحوار.

وعلق الرميلي على ذلك بأن “التلاميذ قدموا أداء جيدا والشارع تفاعل معهم بإعادة ترديد بعض نصوص العرض، وبعض النساء كن يزغردن، إلا أن البعض أخذ مشاهد صغيرة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وانساق مع استهجان العمل وطرح تساؤلات سلبية حوله.” وتابع: “انطلاقا من استلهام الأساطير، بنينا فرضية أخرى لجمع أحداث تلك الأساطير، مع إسقاطات على الواقع اليومي والدولي، باعتبار أن الفعل المسرحي ضروري أن يتعامل مع الواقع.”

و“مَن حضر واستمع للنص يجد قضايا وطنية وقضايا عربية ويجد فلسطين حاضرة في النص من خلال جماليات فنية غربية، باعتبار أننا انطلقنا من أساطير يونانية، وفي العمل رسالة أن الفن له بعد فني كوني عالمي، ولكن ليس نقلا للجماليات الغربية فقط، بل هناك إضافة،” وفق الرميلي.

وأردف: “من حقنا أن ننطلق من تلك الجماليات، ونسقطها على واقعنا، وتكون مبنية على روح جمالية تقبل المحلي، والإيقاعات التي سمعها الناس في المسرحية ليست غريبة عن الواقع المحلي، بعضها يذكِّر بالحضرة (موسيقى صوفية) وحتى ببعض الابتهالات الدينية، وهذا متعمد ليكون هناك قرب عاطفي من المتقبل.”

وأوضح المخرج أن “الأزياء وبعض الرقصات والإيقاعات ليست لشد الانتباه والغرائبية، بل هو الاشتغال على الشخصيات والحكاية، وكل حركة لشخصية مبنية على بحث معمق حول الأسطورة والفكر والحدث في حد ذاته.” وتابع أن “أبطال المسرحية في احتفالية دينية، على أساس أن أهل طيبة في الأسطورة المتوارثة بعد اللعنة التي حلت بالمدينة، وبعد أن عرف أوديب الحقيقة ونُفِيَ، توجهوا إلى الإله أبولو وتبين لهم أن اللعنة أتت من الحكام.”

و”المدينة المدمرة أسقطنا عليها الوطن المدمر في فلسطين، وكأننا حمّلنا الأخطاء لمَن يتحملها وطرحنا سؤال: هل هذا المواطن الذي ضربه صاروخ مسؤول أم أطراف أخرى في إطار صراعات سياسية إقليمية، ولم يكن علينا الذهاب إلى المباشرتية،” كما أوضح الرميلي الذي شدد على أن “تراتيل تشكل تمردًا فكريًا وفنيًا ضد الجماليات الغربية القائمة على زيف فكري.”

وقال: “الفن الغربي يقدم نفسه كحامل لقيم إنسانية عالمية، لكننا نرى اليوم شعوبًا تُباد مثلما يحدث في فلسطين، في حين يبرر الغرب تلك الجرائم.” وأضاف: “اليوم لا بد من مواجهة الفكر الغربي، لن ننسخ جمالياتهم، بل سنأخذ منها ما يفيدنا ونضيف إليه من روحنا وثقافتنا المحلية.” واستشهد الفنان التونسي بمفهوم “الاقتحام الأخلاقي” للمخرج البولندي ييجي غروتوفسكي، مشددًا على أن “الاقتحام الأخلاقي” لا يعني الالتزام بالمعايير الأخلاقية بل كسر الجمود الفكري.

وأكد أنه يسعى إلى خلق حالة من الإرباك الفكري لدى المشاهد، منوها بدور الفن في الثورات، ومشيرا إلى أن الثورة التونسية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي عانت من محاولة تأطيرها في قوالب جاهزة. وقال: “الثورة ماتت يوم وُضعت لها نماذج ثابتة لا يمكن الخروج عنها،” ودعا إلى “تحرير الفن من كل القوالب والأطر، مؤكدًا أن الجرأة الفنية يجب أن تكون بناءة وليست وقحة.”

وإلى جانب اشتغاله على هذه المسرحية كانت للرميلي مشاركة في مسلسل “الحرقة” عام 2021، و”عطيل وبعد” 2024 وهما عملان يقول الفنان إنه قصد أن يمثلا احتجاجا على غياب العدالة عالميا وطلبا للحق في العيش الكريم وتقرير المصير. حيث يؤكد أن “الفن موقف.. وغياب العدالة الاجتماعية عالميا هو ما يدفع الناس إلى ركوب مخاطر الهجرة غير النظامية بحثا عن عيش كريم.” ورأى أن “مواجهة هذا لا تُبنى بمقاربة أمنية فقط، بل بمقاربة تربوية وثقافية واجتماعية، ويحس المواطن بالانتماء عندما تحترمه، ويحس أنه شريك في الوطن.. نحن نصبر على الوضع، لكن يتم إشعارنا بأن الوطن لنا”.

أما في مسرحية “عطيل وبعد”، فأعاد الرميلي قراءة مسرحية شكسبير “عطيل”، منتقدًا الصورة النمطية التي رسمها الكاتب الإنجليزي للعربي. وقال: “عطيل في الرواية الغربية شخصية فاشلة وقاتل مهتز وغير ثابت، ونحن في مسرحيتنا قدمناه بشكل مختلف،” مؤكدا أن العربي في تصورهم هو رجل قوي ومحب، وليس شخصية مهتزة تسهل التلاعب بها.