"طريق القطن الجديد" فرصة مصر لإنقاذ قناة السويس

وكالة أنباء حضرموت

كسر حزب سياسي مصري حالة الصمت بشأن مستقبل الملاحة في قناة السويس، وظهرت تقديرات من دوائر قريبة من الحكومة حثتها على ضرورة البحث عن آفاق للتعامل مع التهديدات الراهنة في البحر الأحمر، وتعزيز الحضور العسكري الأميركي، وصعوبة المنافسة الدولية بعد تدشين مشروعات ملاحية.

وطالب حزب الوعي المصري (تأسّس حديثا ويقف على مسافة واحدة من السلطة والمعارضة)، الحكومة بطرح رؤية تربط الموانئ بطريق القطن الجديد (إميك) الذي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط لحماية قناة السويس، والاستجابة لدعوة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بشأن أن تكون مصر “طرفا فاعلا في المشروع.”

ودعا الحزب، الاثنين، الحكومة إلى التجاوب السريع مع المبادرة الإيطالية عبر تقديم رؤية متكاملة لربط الموانئ المصرية بالمسار المزمع تدشينه، خصوصاً ميناء شرق بورسعيد (شمال شرق) والعين السخنة (شمال على البحر الأحمر)، وتفعيل خطط ربط البحرين الأحمر والمتوسط من خلال القطار الكهربائي السريع كممرّ بديل.

ويفسّر مراقبون الدعوة على أنها استشعار بالمخاطر التي تحيط بقناة السويس من الخطوط الموازية التي يتم التفكير فيها، بما يضاعف من التهديدات التي تواجهها على الصعيدين الأمني والاقتصادي، ويفرض إعادة النظر في الطريقة التي تتعامل بها القاهرة مع التحديات الراهنة وفي المستقبل، والتي لم تعد قاصرة على ما تقوم به جماعة الحوثي في اليمن من تهديدات للملاحة والرد عليها عسكريا من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، بل وصلت حد اتساع نطاق التفكير في ممرات بديلة.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرور سفن بلاده عبر قناة السويس مجانا، يؤكد أن هناك مخاطر تحيط بها، تستدعي الدخول في شراكات دولية عملاقة، تكفل لها حماية قانونية واسعة، لأن طلب ترامب قد يجلب متاعب متعددة لمصر إذا صمّم على العمل به.

ويربط مشروع القطن بين الهند وبعض دول الشرق الأوسط وأوروبا، واستبعد مصر من حسابات مرور الملاحة، ما يؤثر بشكل سلبي على لوجستيات الملاحة المصرية.

وقال رئيس لجنة الاستثمار بحزب الوعي أحمد شكري إن تصريح وزير الخارجية الإيطالي ينطوي على إشارة تفيد في تعزيز الشراكة مع الدول التي يمر من خلالها المشروع المنتظر، ومصر بموقعها الجغرافي وبنيتها التحتية المتطورة طرف مهم في طرق التجارة بين الهند وأوروبا.

وأضاف لـ”العرب” أن مصر تنبهت مبكرا لخطورة وجود مشروعات ملاحية تؤثر سلبا على قناة السويس، واتجهت نحو تطوير اللوجستيات المقدمة للملاحة وتطوير الموانئ وتدشين خطوط القطارات، بما فيها تلك التي تربط بين البحرين المتوسط والأحمر وتقوم بتنفيذها للتأكيد أنها طرف مؤثر في مسارات التجارة العالمية.

وأوضح أن القاهرة أمام موقف أوروبي يطالبها أن تصبح جزءا من المشروع المنتظر، وما يشجع على اتخاذ خطوات إيجابية أن قناة السويس التي تشكل شريانا حيويا للدولة تواجه تراجعا في حجم مرور السفن التجارية، ما يفرض التحرك عبر مسارات جديدة، وزيادة تنافسية القناة مع الممرات المقترحة.

وتشارك القاهرة في طريق الحرير الصيني الذي يعتمد على قناة السويس، وتعوّل عليه بكين لتكون لها كلمة عليا في مسارات التجارة العالمية، لكن المشروع تقابله خطة تستهدف تأكيد شراكة الولايات المتحدة المزدهرة مع الهند، وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في منطقة جنوب أوراسيا، ممثلة في طريق القطن الجديد.

ويشارك في طريق القطن دول الهند والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، ويستهدف المشروع تسريع سلاسل توريد البضائع من الشرق إلى الغرب، وبالتحديد من الهند والدول التي يعبر من خلالها الممر الاقتصادي الجديد إلى أوروبا والولايات المتحدة.

وأصدر المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية (قريب من دوائر حكومية)، دراسة أيضا بعنوان “قناة السويس في مواجهة المنافسة العالمية: تحركات وطنية تُسابق المُستقبل”، طالب فيها الجهات المختصة بمراعاة مختلف المعايير الجديدة التي تفرضها التحولات العالمية والإقليمية السياسية والاقتصادية والبيئية.

وأشارت الدراسة إلى أن المستقبل لن يكون يسيرًا أمام قناة السويس، فمقوّمات القناة التي لم يكن لأيّ ممر آخر منافستها تتعرض لضغوط عديدة، وتزايدت التحديات الجيوسياسية حولها، ما يرفع تكلفة التأمين على البضائع والسفن العابرة.

طلب الرئيس الأميركي مرور سفن بلاده عبر قناة السويس مجانا، يؤكد أن هناك مخاطر تحيط بها، تستدعي الدخول في شراكات دولية عملاقة، تكفل لها حماية قانونية واسعة

وقال الخبير الأمني ونائب رئيس حزب المؤتمر (موال للحكومة) اللواء رضا فرحات إن الحكومة المصرية منفتحة على أيّ تحركات تدعم قناة السويس ومستقبل حركة الملاحة فيها، حال كان ذلك يخدم المصالح الاقتصادية، وأنه وفقا للدراسات المطروحة حاليا فمشروعات إقامة ممرات أخرى بديلة لن تُغني عن القناة، ومصر حريصة على إحداث التكامل بين كافة الممرات بما يدعم حركة الملاحة في قناة السويس.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه كان يمكن النظر بسلبية للمشروعات الأخرى في أجواء مختلفة، لكن الوضع في ظل الصراعات الممتدة يجعل الأمر في حاجة إلى مراجعة، وإسرائيل قد لا تكون في مأمن من ضربات الحوثيين وحركات أخرى أو إيران وإن حدثت تهدئة وقتية، في وقت تعرضت فيه قناة السويس لخسائر فادحة.

وذكر أن الحكومة المصرية تتحرك عبر مسارات عدة، من خلال إقامة طرق نقل برية تمتد إلى أفريقيا، ما يخدم القارة الأوروبية التي تسهّل مهمة الوصول إلى هناك، وتطوير الموانئ والبنى التحتية في مجالات النقل والطرق والتوسع في إقامة مناطق لوجستية وزيادة الأرصفة وتسريع عملية تطوير المنطقة الاقتصادية بقناة السويس.

ودخل على خط منافسة قناة السويس خلال العقد الماضي لاعب لوجستي جديد هو المعروف باسم الجسر الأوراسي البري، والذي دشنته الصين عام 2011 معتمدة على شبكات السكك الحديد لتكون مناظرة لنقل البضائع بواسطة السفن.

وحسب دراسة المركز المصري للفكر، فإن أعمال هذا الخط توسعت على مدار السنوات الماضية، وتمكن عام 2023 من الإسهام في تداول 260 مليون طن من البضائع، و3.2 مليون حاوية مكافئة بين قارتي آسيا وأوروبا.

والتقى رئيس هيئة قناة السويس في فبراير الماضي المبعوث الفرنسي لشؤون الممر الاقتصادي الهندي للشرق الأوسط أوروبا، وأكد على أن طرق الممر الجديد قيد الدراسة، وهناك العديد من البدائل التي تتم دراستها ويمكن من خلال بعضها التعاون مع مصر عبر العبور بقناة السويس.