ليبيا تعيش على وقع صدمة مقطع مصور للنائب المخفي قسرا إبراهيم الدرسي
اهتزت الساحة السياسية والحقوقية الليبية لما كشف عنه شريط مصوّر مسرب من أوضاع إنسانية مزرية للنائب إبراهيم الدرسي وهو معتقل بملابسه الداخلية وفي عنقه سلسلة مشدودة إلى الجدار الذي يتكئ عليه وهو يستجدي العفو والسماح من قائد أركان القوات البرية في شرق البلاد صدام حفتر.
وما إن تم نشر المقطع من قبل موقع “أفريك آسيا” الفرنسي، حتى قام مجلس النواب بقطع بث جلسته المباشرة، ليعلن المتحدث باسم المجلس عبدالله بليحق إحالة الجلسة إلى “مغلقة”.
وفي أول رد فعل على المقطع، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية بيانا شديد اللهجة دانت فيه ما وصفته بما بالاحتجاز المهين وغير الإنساني الذي تعرّض له النائب الدرسي.
وأكدت من خلاله أن ما حدث يمثّل “امتهانا للكرامة البشرية وعدوانا فاضحا على القيم”، ووصفت المشهد بأنه أقرب إلى ممارسات الأنظمة الشمولية.
وشددت حكومة الدبيبة على أن الخلاف السياسي بينها وبين النائب لا يمنعها من إدانة ما تعرّض له، واعتبرته “جريمة مكتملة الأركان لا تبرّرها الظروف ولا السياقات”.
وخصّت بالذكر “القيادة العامة في شرق ليبيا”، بعد ظهور النائب في التسجيل المسرّب وهو يطلب العفو منها.
كما حمّلت رئيس مجلس النواب عقيلة صالح المسؤولية المباشرة عن صمته وتجاهله لما يتعرّض له أحد أعضاء المجلس، معتبرة أن هذا الصمت “تخلّ غير مقبول عن الواجب السياسي والأخلاقي”.
ودعت الحكومة إلى فتح تحقيق دولي عاجل ومستقل بإشراف بعثة دولية لتقصي الحقائق، للكشف عن ملابسات ما جرى، وضمان سلامة النائب، ومحاسبة المتورطين “مهما كانت صفاتهم أو مواقعهم”، كما حذرت من أن استمرار حالات الإخفاء القسري، والتعدي على الحصانة البرلمانية دون مساءلة، “يهدد العملية السياسية، ويكرس مناخ الإفلات من العقاب”.
ورجحت مصادر ليبية مطلعة أن يكون الشريط المسرب تم تصويره بعد أسابيع قليلة من احتجازه من قبل جهة أمنية ذات مرجعية سلفية متشددة موالية لصدام حفتر، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن مصيره بعد عام من اختطافه، وعما إذا كان قد تمت تصفيته مثلما حدث مع زميلته سهام سرقيوة في العام 2019، أو لا يزال حيا في أحد السجون النائية البعيدة الخارجة عن سلطة القانون.
وأظهر الشريط المصور النائب المختطف في حالة إعياء شديد وقد فقد أسنانه وظهرت على وجهه العديد من الكدمات بما يشير إلى التنكيل والتعذيب اللذين تعرض لهما من قبل محتجزيه، فيما قال الصحافي البريطاني إيان بيلهام تيرنر إن الفيديو المصور يعود إلى 6 أيام من اختطاف الدرسي في مدينة بنغازي بتاريخ الثاني والعشرين من مايو 2024.
وظهر النائب وهو يستنجد بقائد الكرامة خليفة حفتر وابنه صدام لإطلاق سراحه والإفراج عنه، مؤكدا مرارا وتكرارا دعمه “للقيادة العامة” وعملية الكرامة، حسب وصفه، وسعى إلى نفي كل التهم المنسوبة إليه والتي أدت إلى اختطافه دون أن يشير إلى ماهية التهم، مؤكدا أنه كان ولا يزال جزءا من عملية الكرامة ولن يخذل قائدها على الصعيدين السياسي والشعبي، في إشارة إلى حفتر.
وقال الدرسي في المقطع المسرب “سيدي اللواء صدام حفتر، أرجوك أن تنظر إلى حالي، فأنا أبو أسرة، ويعني دائما مع الكرامة ومع الجيش، أتمنى أن تأمر بالإفراج عني، وسأكون صوتك الذي لا يكل ولا يمل، وسأكون سيفك المسلول على أعدائك، وسأكون بجانبك وسأدعمك في كل المحافل.”
وأضاف “سيدي أنا إنسان مظلوم، لطالما كنت مع الكرامة، لم أخن يوما، لم أنزع يدي يوما من بيعتكم، فأرجو منك أن تساعد في إخراجي من هذا الموقف، لأن زوجتي وأولادي يعلم الله أكيدة في حال يعلم الله بيه، والكل يعلم أني مع الكرامة ومعكم، ولم أنزع يوما يدا من طاعة”، مردفا “أرجو من سيادتكم ورحمتكم التي شهد لكم بها القاصي والداني وعطفكم وقوة شخصيتكم أن تأمر بالإفراج عني والعودة إلى منزلي وإلى أهلي.”
النائب المختطف إبراهيم الدرسي ظهر في حالة إعياء شديد بما يشير إلى التنكيل والتعذيب اللذين تعرض لهما
وذكر الصحافي تيرنر الذي حقق سبق نشر المقطع، أن المتورطين في عملية الاختطاف والإخفاء هم: صدام حفتر، علي المشاي، إبراهيم غباش القذافي، أحمد العجيلي، رمضان بوكر، علي الجلالي، ضو الصويعي، ونيس العبد.
وقبل نحو عام، تعرض الدرسي في السادس عشر من مايو 2024 للاختطاف في ظروف غامضة، وذلك بعد خروجه من احتفال إحياء الذكرى السنوية لانطلاق ما يعرف بعملية الكرامة.
وقالت وزارة الداخلية الليبية آنذاك إنّ “مديرية أمن بنغازي تلقت بلاغا حول اختفاء عضو البرلمان إبراهيم الدرسي إثر الدخول إلى منزله وسرقته في ساعات متأخرة من الليل”.
وأكدت في بيان أنها “اتخذت خطوات فورية للتحقيق في هذه الحادثة، وتم تكليف مدير أمن بنغازي وجهاز الأمن الداخلي وجهاز البحث الجنائي بفتح تحقيق شامل وعاجل للوقوف على ملابسات اختفاء الدرسي”.
ونفت وزارة الداخلية في بيانها “بشكل قاطع الأخبار المتداولة حول مقتله”، مؤكدة أنّ “هذه الأخبار غير صحيحة تماما”، داعية وسائل الإعلام والمواطنين إلى “عدم الانسياق وراء الشائعات غير الموثوقة”.
وأعلن مجلس النواب الليبي في بنغازي أن النائب الدرسي تعرّض لعملية اختطاف، مطالبا الأجهزة الأمنية بذل جهودها والعمل على ضمان عودته “سالما”.
وأدان مجلس النواب ما وصفه بـ”حالات الاختطاف والتغييب والاعتداء”، وطالب النائب العام “التحقيق في الحادثة وتقديم المدانين للعدالة”.
كما أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها العميق إزاء واقعة اختطاف النائب إبراهيم الدرسي في بنغازي، ودعت في بيان وفي وقت متأخر ليل السبت السلطات المختصة إلى “تحديد مكانه وتأمين إطلاق سراحه الفوري”، كما حثت السلطات على إجراء “تحقيق شامل في ملابسات اختفاء الدرسي” ومحاسبة المسؤولين.
متابعون يرون أن تسريب فيديو الدرسي، يعد ضربة موجعة لقيادة الجيش في المنطقة الشرقية، ولمجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح
وكشف أحد أعضاء مجلس النواب أنّ “الدرسي حضر الاحتفالية التي شهدتها بنغازي في السادس عشر من مايو 2024 لإحياء ذكرى معركة الكرامة، وكان بخير حتى بعد الساعة الثامنة مساء، ومن ثم أصبحت هواتفه لا تجيب ومن ثم أغلقت”، مشيرا إلى “إبلاغ الجهات الأمنية المختصة في المدينة، للبحث عنه ومعرفة مصيره.”
وفي السابع والعشرين من مايو من العام الماضي، جدد المشير خليفة حفتر مطالبته كافة الأجهزة الأمنية وقياداتها بتكثيف العمل والجهود لكشف ملابسات حادثة خطف الدرسي، وذلك خلال اجتماع مع رئيس الأركان العامة الفريق عبدالرازق الناظوري، ووكيل وزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب فرج قعيم، ومدير أمن بنغازي اللواء أحمد الشامخ، ومدير الإدارة العامة للبحث الجنائي اللواء صلاح هويدي، ورئيس جهاز الأمن الداخلي الفريق أسامة الدرسي.
وقال مكتب إعلام القيادة العامة للجيش إن حفتر “شدد خلال هذا الاجتماع على ضرورة تكثيف العمل والجهود من كافة الأجهزة الأمنية وقياداتها لكشف ملابسات حادثة اختطاف عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي وإرجاعه إلى أهله وذويه سالما والقبض على المتورطين بصورة عاجلة”.
ويرى مراقبون أن اختفاء الدرسي كان في إطار القبضة الحديدية التي يتم اعتمادها في حكم مناطق نفوذ قوات حفتر، وجاء ليلفت الانتباه إلى ظاهرة الاختطاف والاحتجاز خارج القانون والاختفاء السري والتعذيب والتنكيل بالمعارضين وبالمختلفين مع سلطة الأمر الواقع في شرق البلاد.
وتساءل المراقبون عما يمكن أن يتعرض له المعارضون الحقيقيون لسلطة الجنرال حفتر وأسرته إذا كان ما تم الكشف عنه هو نصيب نائب برلمان من أبرز الموالين المدافعين عن عملية الكرامة وسلطة القيادة العامة للجيش.
وحاول عضو مجلس النواب علي الصول تبرئة سلطات المنطقة الشرقية، معتبرا أن الصور التي نشرت للدرسي مفبركة ولا صحة لها.
وقال الصول “من فبرك الصور ونشرها يسعى لإثارة الفتنة في البلاد ويعمل على إطالة أمد الأزمة”، وأضاف “يظل مصير النائب إبراهيم الدرسي مجهولا حتى اللحظة، وعلى الجهات المسؤولة تكثيف عمليات التحقيق في القضية وكشف ملابساتها في أسرع وقت ممكن.”
وفي أواخر مارس الماضي، أفاد مصدر من عائلة النائب إبراهيم الدرسي بأن زوجته تلقت ردا صادما من مدير جهاز الأمن الداخلي فرع بنغازي عبدالحميد الرعيض بأن زوجها قد قُتل، ونُصحت بعدم السؤال عنه من جديد، وإلا ستواجه عواقب وخيمة. ورغم محاولاتها استلام جثمانه، لم تحصل على أي معلومات رسمية بعد.
ويرى متابعون للشأن الليبي أن تسريب فيديو الدرسي، يعد ضربة موجعة لقيادة الجيش في المنطقة الشرقية، ولمجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح، معتبرين أن التسريب في هذا الوقت بالذات ليس وليد صدفة، وإنما جاء في سياق تصفية حسابات، وضمن خطة مخابراتية تهدف بالأساس إلى الجهود المبذولة خلال هذه الفترة لتشكيل حكومة جديدة وقيادة موحدة للقوات المسلحة.