إجراءات أمنية غير مسبوقة ترافق انطلاق انتخابات جبل لبنان البلدية
انطلقت صباح الأحد في لبنان المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية، في أول عملية اقتراع تشهدها البلاد في عهد الحكومة الجديدة التي تولت مهماتها عقب حرب مدمّرة بين إسرائيل وحزب الله، وسط ترقب شعبي وإجراءات أمنية مشددة.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند السابعة صباحا (04:00 ت غ) في محافظة جبل لبنان، وهي الأكبر من حيث عدد السكان، وتضم مناطق ذات انتماءات سياسية ودينية مختلفة، منها الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، والتي تعرضت لدمار كبير جراء الغارات الاسرائيلية خلال النزاع. ومن المقرر أن تقفل الصناديق عند السابعة مساء.
ومنذ ساعات الصباح الباكر، انتشرت قوات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في مختلف مراكز الاقتراع، لتأمين سير العملية الانتخابية وضمان سلامة الناخبين.
وقال هشام شمص (39 عاما) بعد الادلاء بصوته في مركز انتخابي في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية "رغم كل الهجمة التي صارت على موضوع بيئة المقاومة وسلاح المقاومة (في إشارة الى حزب الله)، نحن أتينا لنثبت حقنا ونوصل صوتنا بأن هذا قرارنا وهذا خيارنا مهما حصل من دمار".
وأكد رئيس الجمهورية جوزيف عون، من وزارة الداخلية أهمية الانتخابات لكي "نعطي ثقة للناس ونعطي ثقة للعالم الخارجي أن لبنان عاد يبني مؤسساته وعاد يقف على السكة الصحيحة".
وتولت الحكومة مسؤولياتها في فبراير وتعهدت تنفيذ خطوات إصلاحية وبناء "الثقة" مع المجتمع الدولي بعد أكثر من عامين ونصف عام من تصريف الأعمال في السلطة التنفيذية وشغور في رئاسة الجمهورية، انتهى بانتخاب عون في يناير.
وأتت التغييرات السياسية الداخلية على وقع تغير في موازين القوى بعد تكبد حزب الله خسائر كبيرة على صعيد بنيته العسكرية والقيادية خلال النزاع مع إسرائيل الذي بدأ في أكتوبر 2023 على خلفية الحرب في قطاع غزة، وتحول مواجهة مفتوحة اعتبارا من سبتمبر 2024.
وبحسب وزارة الداخلية، بلغ إجمالي عدد المرشحين للمقاعد البلدية والاختيارية في جبل لبنان 9321 شخصا من بينهم 1179 من الاناث.
ودعا الرئيس عون المواطنين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات، مؤكداً على أهمية هذا الاستحقاق الديمقراطي ودور البلديات الرئيسي في الإنماء، خاصة في ظل انحلال غالبية المجالس البلدية.
وأشار إلى أن نحو 90 بالمئة من البلديات لم تعد قائمة فعلياً، مما يضاعف من أهمية هذه الانتخابات. وشدد على ضرورة اختيار المرشحين بناءً على مصلحة البلدة أو المدينة، وعدم السماح للانتماءات الطائفية أو المذهبية بالتأثير على الخيارات. كما طمأن إلى أن أي محاولة غش أو تلاعب سيتم قمعها بسرعة.
وفي حين يشكّل الولاء الحزبي والانتماء المذهبي معيارا أساسيا في الانتخابات في لبنان المنقسم طائفيا والقائم على مبدأ المحاصصة، تتيح الانتخابات البلدية والاختيارية هامشا أكبر للعائلات والقوى المحلية بأداء دور.
وشدد وزير الداخلية والبلديات، أحمد الحجار على أن غرفة العمليات والأجهزة الأمنية تتابع عن كثب جميع المخالفات التي قد ترصد خلال النهار، وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق كل مخالفة يتم توثيقها.
وتضم محافظة جبل لبنان ستة أقضية هي: بعبدا، المتن، عاليه، الشوف، كسروان، وجبيل. وقد بلغ عدد المرشحين 9321 مرشحاً، من بينهم 8142 ذكراً و1179 أنثى. وفازت بالتزكية 68 بلدية.
ومساء السبت، أعلنت محافظة جبل لبنان تأجيل الانتخابات في الناعمة وحارة الناعمة في قضاء الشوف، وذلك "لتأمين حسن سير العملية الانتخابية ومقتضيات المصلحة العامة". وعلّلت وزارة الداخلية والبلديات القرار بأنه "استناداً إلى القرار القاضي بفصل بلدة الناعمة عن بلدة حارة الناعمة وإنشاء بلديتين مستقلتين لكلٍّ منهما، ونظرا لأن إنشاء بلدية باسم الناعمة يستوجب تحديد نطاقها الإداري المستقل، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج على صعيد المقاعد البلدية والاختيارية، تقرّر التأجيل".
وبينما تنص القوانين على إجراء الانتخابات البلدية كل ستة أعوام، تعود عملية الاقتراع الأخيرة الى عام 2016. وأرجئت الانتخابات البلدية مرة أولى عام 2022 لتزامنها مع النيابية، وبعدها بعام لنقص التمويل في ظل أزمة مالية خانقة تواجهها البلاد منذ 2019.
أما الارجاء الأخير فحصل في أبريل 2024، وأتى في ظل النزاع بين إسرائيل وحزب الله.
وعلى رغم سريان وقف لإطلاق النار بين الجانبين منذ أواخر نوفمبر، تواصل اسرائيل شنّ ضربات جوية تقول إنها تستهدف عناصر في الحزب أو بنى عسكرية تابعة له. كما أبقت الدولة العبرية على وجود عسكري في خمس مرتفعات في جنوب لبنان تتيح لها الاشراف على جانبي الحدود، على رغم أن وقف إطلاق النار نصّ على سحب كل قواتها التي توغلت خلال الحرب.
وتلعب البلديات دورا حيويا في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل إدارة النفايات، وصيانة الطرق، وتوفير المياه والكهرباء، وتنظيم المشاريع المحلية.
وتجري هذه الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعيشها لبنان، مما يزيد من أهمية اختيار مجالس بلدية قادرة على إدارة الموارد بكفاءة وتلبية احتياجات المواطنين.
ويشهد لبنان حالة من الاستقطاب السياسي، مما يجعل الانتخابات البلدية اختباراً مهماً لمدى قدرة النظام السياسي على إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ومن المقرر أن تجرى في 24 مايو، الانتخابات البلدية في محافظتي النبطية والجنوب، أي في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل والتي تعرضت لدمار هائل خلال الحرب.
وتجرى الانتخابات في محافظتي الشمال وعكار في 11 مايو، ومحافظات بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل في 18 منه.