انتخابات الصحافيين المصريين: هزيمة مرشح الحكومة رسالة احتجاج سياسية
فاز خالد البلشي مرشح المعارضة بمنصب نقيب الصحافيين للمرة الثانية على التوالي، وهزم منافسه (مرشح الحكومة) عبدالمحسن سلامة في رسالة احتجاج من الأغلبية الصحافية إلى السلطة في مصر، تؤكد التمسك بالحريات الإعلامية ورفض التضييق وعدم التدخل في شؤون نقابتهم.
وأعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة الصحافيين، مساء الجمعة، فوز المرشح والنقيب الحالي خالد البلشي بدورة جديدة، وخسارة منافسه عبدالمحسن سلامة نقيب الصحافيين الأسبق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق.
وحصل البلشي على 55 في المئة من أصوات المشاركين في الانتخابات وعددهم 6 آلاف من إجمالي 10 آلاف صحافي مقيدين بكشوف الانتخابات، وباتت تشكيلة مجلس النقابة متساوية تقريبا بين الأعضاء المعارضين والمتماهين مع الحكومة، بعد أن جرت انتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب وستة مقاعد بالمجلس، وأفرزت فوز خمسة مرشحين من صحف تابعة للحكومة، مقابل معارض واحد، ليصبح المجلس المكون من 12 عضوًا، متوازنا ويرأسه نقيب معارض ينتمي إلى تيار اليسار.
يحيى قلاش: نتيجة انتخابات الصحافيين مؤشر على ما يريده الشارع من الحكومة
وتفوق البلشي قبل عامين على منافسه خالد ميري رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” الحكومية، أيّ أنه في المرتين هزم مرشحين لأكبر مؤسستين قوميتين (الأهرام والأخبار)، ما يظهر أن الصحافيين يرفضون وصاية الحكومة عليهم مهما كانت الإغراءات المالية والخدمية، مقابل التمسك بالحريات.
وحاولت دوائر حكومية مساعدة المرشح سلامة بجملة امتيازات خدمية، لكن خسارته بفارق كبير عن البلشي عبّرت عن رفض أسلوب إدارة بعض الأحزاب السياسية للانتخابات بحشد الناس للتصويت لمرشحيهم عبر توزيع مواد غذائية.
وبدت الإغراءات التي تم الإعلان عنها من خلال حملة المرشح عبدالمحسن سلامة وكأنها تحاول شراء أصوات الصحافيين، حيث وعد بأرضٍ ووحدات سكنية للنقابة، وتعهد بزيادة كبيرة في بدل التدريب والتكنولوجيا الذي يُصرف شهريا للصحافيين بقيمة (77 دولارا)، وهناك من رأى أنه يُحسب للحكومة ترك الاختيار النهائي للصحافيين دون تدخلات مباشرة.
ومن المتعارف عليه في انتخابات الصحافيين أن يكون المرشح الحكومي على منصب النقيب هو الأوفر حظا، ويتم دعمه بمزايا مالية وخدمية تحسم المنافسة لصالحه غالبا، بغض النظر عن تاريخه النقابي ومسيرته السياسية، لكن تلك المعادلة تغيرت وصارت الجماعة الصحافية تختار المرشح المحسوب على المعارضة وإن خسرت الخدمات، لأنها تريد كسب بعض من الحريات.
وعبّر البلشي عن توجهات الجماعة الصحافية عقب إعلان فوزه مباشرة، حيث هتف وهو مرفوع على الأعناق “عايزين (نريد) صحافة حرة، عاشت حرية الصحافة،” قبل أن يُدلي بتصريحات صحفية قال فيها إن أبناء المهنة يريدون خدمات تحفظ لهم كرامتهم بلا مساومات، وتكون الخدمات حرة، وتظل المهنة حرة وقادرة على التعبير عن الناس، ولن يسمح الصحافيون لأحد باختطاف نقابتهم، وستظل نقابة للجميع.
وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن الحكومة أخطأت التقدير للمرة الثانية ولم تستوعب رسالة الصحافيين في الانتخابات الماضية عندما تمرّدوا ضد الواقع الذي تعيشه المهنة من قيود على الحريات واستهداف للكلمة ومطاردة أيّ صوت معارض واتهامه بالتخوين، ومهما كان المرشح المدعوم من المسؤولين عن إدارة الإعلام وجاء بدعم سخي، فإنه سوف يظل محل رفض، بسبب أسلوب إدارة الحكومة للإعلام.
وجاء تفوق خالد البلشي كإشارة اعتراض مهنية لا تخلو من دلالات سياسية، مفادها أن التضييق على الفضاء العام ليس مجديا، بدليل أن الحكومة أخفقت في إيصال مرشحها إلى مقعد النقيب للمرة الثانية رغم السيطرة شبه الكاملة على الملف، لكنها تنتقي بعض العناصر التي تدين بالموالاة لإدارة الكثير من المؤسسات والهيئات مقابل تنحية أصحاب الكفاءة الذين بإمكانهم التوازن بين متطلبات النظام والشارع.
ونجح البلشي في الدورة الأولى في طمأنة الحكومة بأنه ليس صداميا ويدعم توجهات الدولة في الكثير من التحديات المرتبطة بالأمن القومي، ومع كل موقف يحتاج من النقابات المهنية أن تكون خلف السلطة يسارع لدعمها ويحاول حشد الرأي العام لتحقيق هذا الغرض، أي أنه يتعامل بتوازن وعقلانية ولا يميل إلى الصدام أو محاولة إحراج النظام، ويعرف متى يُصعّد وفي أيّ وقت يُليّن الخطاب.
ومن الحنكة السياسية أن تتعامل الحكومة مع استمرار وجود شخصية معارضة لها على رأس نقابة الصحافيين، باعتبارها قلعة الحريات، على أن ذلك ميزة تُحسب لها، وبإمكانها التسويق لتلك الوضعية كمحدد كاشف عن عدم استهداف المعارضين لها، بل تصون الحريات ولا تُسكتها كما يتهمها معارضون، وبالتالي فهي لن تخسر في وجوده.
وجزء من خسارة المرشح الحكومي أن الفترة التي سبقت الانتخابات شهدت تصاعدا في حدة الخلافات، وحاول بعض الأطراف تشتيت أولويات الجماعة الصحافية، وأثيرت اتهامات مشينة بلغت حد التلاسن وتشويه الصورة والطعن في التوجهات، ما دفع البعض للتصويت العقابي، وهو ما استفاد منه المرشح المحسوب على المعارضة.
وكانت الرسالة الأبرز من العاملين في المؤسسات الصحفية الحكومية أنهم أصبحوا أكثر رفضا لكل توجيه يُمكن أن يُمارس عليهم من رؤسائهم في التحرير والإدارة، وفكرة الحشد التي كانت تحدث في الماضي القريب لاختيار المرشح الحكومي لم تعد موجودة، وهي رسالة تحمل احتجاجا ضد طريقة اختيار من يديرون الصحف القومية أنفسهم بدليل أن توجهاتهم محل رفض من الذين يعملون تحت رئاستهم.
وأكد يحيى قلاش نقيب الصحافيين المصريين سابقا أن خسارة المرشح المحسوب على الحكومة للمرة الثانية رسالة رفض لأوضاع المهنة والتمسك بتصحيح مسارها، وهذا ما يجب أن تستمع إليه الأجهزة المختلفة وتتجاوب معه، لأن الصحافيين أكدوا التمسك بالحفاظ على المهنة كمنبر للحريات ونبض للشارع.
◄ الإغراءات التي تم الإعلان عنها من خلال حملة المرشح عبدالمحسن سلامة بدت وكأنها محاولة لشراء أصوات الصحافيين
وقال في تصريح لـ”العرب” إن نتيجة انتخابات الصحافيين مؤشر على ما يريده الشارع من الحكومة، لأنها نقابة رأي، والمهم قراءة مضمون الرسالة بتمعن وتعمق لأنها تشير إلى أن مصر تحتاج إلى التنوع والتعددية والانفتاح والإصلاح.
وأوضح أن هذا ما يريده الشباب المصريون وعبّر عنه شباب الصحافيين لأنهم يريدون رسم مستقبل مغاير للبلد، وتلك كانت رسالة الصحافيين أيضا خلال أواخر عهد نظام حسني مبارك عندما نجح المرشح المعارض جلال عارف لدورتين متتاليتين نقيبا للصحافيين (من 2003 إلى 2007) لكن النظام وقتها لم يستمع لرسالة الصحافيين.
ولفت يحيى قلاش إلى أن النقابة يصعب تحويلها إلى حزب سياسي أو تتصادم مع السلطة، بدليل ما حدث في الدورة الأولى لخالد البلشي وتعامل خلالها بحكمة، وكانت هناك مشاورات واتصالات ولقاءات ونقاش مستدام مع دوائر حكومية، والمهم استمرار ذلك، من أجل التفاعل بإيجابية مع تطلعات الصحافيين.
وبقدر ما كانت رسالة الصحافيين مزعجة لدوائر حكومية اعتقدت أنها سيطرت على مفاتيح الإعلام، إلا أنها قد تصبح دافعا للإصلاح العام إذا أحسنت الحكومة قراءة فحواها، وتأكدت أن الجماعة الصحافية ترفض سياسة التأميم مهما كانت المبررات.
ويأمل صحافيون كثيرون أن تقف السلطة عند نتيجة انتخابات نقابتهم، لأنها تتناغم ضمنيا مع تحفظات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أداء ملف الإعلام، على مستوى الإدارة والمحتوى، وهو ما صدّق عليه الصحافيون برسائل يجب التعامل معها بعقلانية واستيعاب ما حوته من مضامين سياسية سريعا.