المسيحيون في شمال سوريا أيديهم على قلوبهم خشية مصير يتوعدهم
سُمع صوت الجرس الذي كان يدعو الناس إلى العبادة، لكن الكنيسة لم تعد قائمة. وكان ذلك محزنا للمسيحيين.
لقد فجّر تنظيم داعش كنيسة القديس أوديشو قبل عقد، تاركا قرية تل طال شبه خالية من السكان.
وكان إسحاق نيسان، المسيحي الناجي من الهجوم، يتجول في الشوارع، يقف أمام المنازل المهجورة ويعدد الأماكن التي انتقلت إليها العائلات؛ الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وأوروبا.
وسيحيي المسيحيون المتبقون في شمال شرق سوريا هذا الشهر الذكرى العاشرة لهجوم داعش، في فبراير 2015، على أكثر من 30 قرية على طول نهر الخابور الذي قُتل خلاله عدد كبير من المسيحيين وأصيب آخرون، وأسر أكثر من 200 شخص. وفُجّرت الكنائس وفر الآلاف من منازلهم.
ومع اقتراب هذه الذكرى، يشعر المسيحيون بالقلق حيال مستقبل سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر على يد إسلاميين بقيادة هيئة تحرير الشام. ويشغل الآن زعيم الهيئة أحمد الشرع منصب الرئيس المؤقت، بينما ينحدر معظم أعضاء الحكومة من الفصائل الإسلامية.
وقد أكد الشرع مرارا وتكرارا أن الحقوق الدينية ستكون مصانة في سوريا ما بعد الأسد. وكانت هيئة تحرير الشام تابعة لتنظيم القاعدة في السابق، إلا أنها عارضت تنظيم داعش وانخرطت ضده في صراعات مميتة. ولا تزال خلايا التنظيم النائمة تواصل شن هجماتها رغم هزِيمته في سوريا سنة 2019.
وشهدت سوريا منذ سقوط الأسد هجمات متفرقة استهدفت مجموعات أخرى من المسيحيين. وأضرمت النار في شجرة عيد الميلاد في قرية السقيلبية خلال شهر ديسمبر، وهي حادثة وصفتها السلطات بالمعزولة.
وقال مار موريس عمسيح، مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، الذي يشرف على الكنيسة في الشمال الشرقي، لوكالة أسوشيتد برس “نأمل كمسيحيين أن نرى تعاونا بين جميع الأطراف السورية لضمان حقوق الجميع.”
وشدد على أن المسيحيين في سوريا يعارضون الحكم الإسلامي. وأضاف “نريدهم أن يعاملونا بطريقة مدنية.”
قرية مسيحية على طول نهر الخابور كانت تؤوي 45 ألف آشوري قبل هجوم 2015
وحثت الدول الغربية القيادة السورية الجديدة على حماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية وكذلك حقوق المرأة. وبينما يشكّل المسلمون السنة غالبية السوريين، يبقى ما يقرب من ربع السكان من المسيحيين أو الدروز أو العلويين.
وقبل الحرب كان المسيحيون يمثلون حوالي 10 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة، ويتعايشون مع الأغلبية المسلمة ويتمتعون بالحق في حرية العبادة في ظل حكم الأسد. وكان آخر رئيس للبرلمان في عهد الرئيس السابق مسيحيا.
ومع اندلاع الحرب الأهلية في 2011 نتيجة لاحتجاجات ضد الأسد لاقت حملة قمع حكومية، فر من البلاد مئات الآلاف من المسيحيين. وساهم صعود داعش، بما في ذلك الهجوم الذي شنه قبل عشر سنوات، بشكل كبير في نزوحهم الجماعي.
وقال إلياس عنتر إلياس، أحد سكان تل طال الذي يمثل قرى منطقة نهر الخابور في الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، “عشنا في سلام ولم نتوقع مثل هذا اليوم المظلم في تاريخنا الحديث.”
وفر الرجل البالغ من العمر 78 عاما مع عائلته في منتصف الليل عندما اجتاح المتطرفون القرى، ما أثار رعب السكان الذين عاشوا بسلام نسبي على مدى عقود. ولجأ المدرس المتقاعد إلياس مع عائلته إلى مدينة الحسكة شمال شرق البلاد وبقي فيها حتى استعاد المقاتلون الأكراد والمسيحيون بلدته بعد أشهر.
وروى إلياس “رأينا جثث مسيحيين مقطوعي الرؤوس على جانب الطريق والكلاب تتغذى عليهم.” وذكر أنها “صورة تؤلم القلوب.” وأشار إلياس إلى أن تل طال كانت موطنا لحوالي 400 نسمة قبل هجوم داعش لم يبق منهم اليوم سوى حوالي 30 فردا فقط.
وفي الموقع الذي كانت فيه كنيسة القديس أوديشو قائمة، أخبرنا إلياس عن أهميتها للمجتمع. وقال “هنا عمدنا أطفالنا. هنا تزوجت.” وعندما سئل عن سبب بقاء عائلته في سوريا، أجاب “أنا مرتبط بشدة بهذا المكان. قبورنا وشهداؤنا هنا. هذه أرضنا.”
وأفاد رئيس الأساقفة بأن 34 قرية مسيحية على طول نهر الخابور كانت تؤوي 45 ألف آشوري قبل هجوم 2015. وقدر عمسيح أن ثلثي مسيحيي سوريا، الذين كان تعدادهم نحو مليونين و200 ألف قبل الحرب الأهلية، غادروا البلاد منذ ذلك الحين.
وغادر السكان المسيحيون قرية تل نصري القريبة التي أصبحت الآن مأهولة بالنازحين من مناطق أخرى. ولا تزال كنيسة مريم العذراء قائمة ولكنها تعرضت لأضرار بالغة بعد تفجيرها في عام 2015.
ولم يعرب بعض المسيحيين الذين شهدوا أعمال العنف عن أي نية لمغادرة سوريا، على الرغم من الغموض القائم في ظل القيادة الجديدة.
وكانت جانيت شمعون تصلي في كنيسة في القامشلي سنة 2015 عندما انفجرت سيارة مفخخة في الخارج، ما رماها هي وابنتها على الأرض. وتحطم الزجاج وأصيب بعض الأشخاص.
وقالت شمعون خارج كنيسة مريم العذراء المرممة، حيث تواصل الصلاة يوميا، “اخترنا البقاء رغم الخوف. منزلنا وجذورنا هنا.”