رامي العنتري
فلسطين ... ليتنا لم نكبر!
كثيرة هي المواقف التي غُرست في عقولنا منذُ كنا صغاراً ولا زالت عالقة في أذهاننا إلى يوم أن أصبحنا أكبر من سنين طفولتنا.
فعلى امتداد سنين الطفولة تشبعت أفكارنا بهموم أمتنا الإسلامية من أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب ومن أقاصي الشمال إلى أقاصي الجنوب؛ غير أن ما شغل حيزاً كبيراً في عقولنا وسيطر على مشاعرنا كمسلمين هي قضية المسجد الأقصى وفلسطين... حتى ظننا يوم كنا صغاراً أنه عندما نكبر ونصير رجالاً فإنه يمكننا العبور على حدود الدول وتجاوز الأسلاك الشائكة والتغلب على منافذ العبور في كل دولنا العربية والإسلامية بلا تصاريح ولا أختام واسترداد المسجد الأقصى وتحرير فلسطين تصديقاً لما وجدناه من تنشئة في المدارس ودور التحفيظ وحلقات العلم في المساجد وكأننا نملك صك العبور الى فضاء لا حدود له من هذه المعمورة إذا ما فكرنا للانتصار لكل المظلومين والمضطهدين من إخواننا المسلمين.
لقد رُسمت في عقولنا يوم كنا صغاراً صيحات الاستغاثة للفلسطيني محمد الدرة وابنه المختبئ خلف ظهره يطلب من المحتلين اليهود بعدم قتل ولده دون فائدة فيرموه قتيلا على حضن والده وهو لا يملك لولده شيئا، ولقد رسمت في عقولنا أيضا انتفاضة الأقصى في العام 2001 وصلف مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لأبناء شعب فلسطين لهذه الانتفاضة وارتكابه لمجازر تقشعر لها الأبدان ضد الأطفال والنساء دون رادع لهذه الهمجية الوحشية تجاههم.
كل هذه المواقف وغيرها حُفرت في عقولنا ولازمت أفكارنا ويحدونا الأمل للانتقام من المحتلين اليهود يوما ما ولو طال الزمان، غير أننا كبرنا ... وليتنا لم نكبر! رأينا كيف تذبح فلسطين وكيف ينكل بهم وكيف يبادون ويحاصرون وزعماء أمتنا ينظرون إليهم بأعين متبلدة بل وهم مشاركون في هذا الحصار المقيت ضد أبناء فلسطين.
كبرنا ... وليتنا لم نكبر! ورأينا كيف يتسابق حكام العرب والمسلمين ومعهم الخونة على إرضاء اليهود بكل السبل والوسائل لضمان عدم النيل من مناصبهم وعروشهم.
كبرنا ... وليتنا لم نكبر! ورأينا كيف يباد الأطفال والنساء والعجزة ويشردون إلى العراء ولم يحرك هذا ضمائر أمتنا أو نخوتهم تجاه إخوانهم المستضعفين والمغلوب على أمرهم.
كبرنا... وليتنا لم نكبر! ورأينا كيف يتحالف الغرب ومعهم الخونة من أبناء أمتنا على شعب فلسطين ليسلبوه أرضه وحقه في العيش والبقاء.
كبرنا ... وليتنا لم نكبر! وعرفتنا فلسطين معانٍ من التضحية والفداء والبسالة يوم أن تخلى عنهم إخوة الدين والعقيدة وتركوهم يبادون وقطعان العرب ينظرون ولم يحركوا ساكنا.
تلك الحقائق كشفت لنا منافقي العصر وفضحت عبيد المناصب ممن آثروا الدعة والراحة وهزمت ضعاف الإيمان أمام قول الحق في وجه الاحتلال ولو بين المخابئ والجدران المحصنة.
عذراً أقصى ... عذراً فلسطين ... «فحين كبرت لم تعد كل بلاد العُرب أوطاني، ولا كل العُرب إخواني، وحين كبرت لم احصل على تأشيرة للبحر ولم ابحر، وأوقفني جواز غير مختوم على الشباك ولم أعبر، كبرت أنا وليتني بقيت كالطفل لم أكبر»