«كراش هوك» أم «بلاك هوك»؟.. سر الحوادث المتكررة للمروحية الشهيرة
منذ دخولها الخدمة قبل أكثر من أربعة عقود، شكلت مروحية "بلاك هوك" العمود الفقري لسلاح الجو الأمريكي، ورمزاً لقوته الجوية.
لكن رغم سجلها الحافل في العمليات القتالية من بنما إلى أفغانستان، اكتسبت المروحية لقباً مثيراً للجدل هو "كراش هوك" (Crash Hawk) في إشارة إلى سلسلة من الحوادث القاتلة التي طاردت هذا الطراز لعقود طويلة. فهل المشكلة في التصميم؟ أم في طبيعة المهام التي تُكلف بها؟
سوخوي 35 إلى إيران؟.. القصة الكاملة للعميل «364»
ووفقا لمجلة ناشيونال إنترست، دخلت مروحية "البلاك هوك"، التي تنتجها شركة سيكورسكي (Sikorsky)، الخدمة عام 1979 لتسد فجوة حيوية في قدرات النقل التكتيكي والإخلاء الطبي والدعم القتال.
فهي مروحية سريعة، متينة، ومرنة، قادرة على نقل الجنود إلى خطوط المواجهة الأولى أو سحب المعدات الثقيلة من ساحات القتال.
غير أن هذه المزايا الميدانية جاءت على حساب هامش الأمان الجوي.
فالتصميم الذي منحها قدرة استثنائية على المناورة في البيئات المعقدة تضمن دوّاراً رئيسياً صغيراً نسبياً مقارنة بوزنها، ما يجعلها حساسة جداً لأي تغير في الضغط الجوي أو درجة الحرارة.
مروحية بلاك هوك أمريكية
وبذلك يصبح الفرق بين الطيران المستقر وفقدان الرفع الجوي ضئيلاً للغاية، خصوصاً في المناطق المرتفعة أو الحارة.
تصميم جريء.. وهامش خطأ محدود
من الناحية التقنية، تُعد المروحيات بطبيعتها أكثر عرضة للحوادث من الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، لأنها تطير ببطء وعلى ارتفاعات منخفضة وتعتمد كلياً على قوة المحرك للبقاء في الجو.
أما البلاك هوك، فقد أضاف تصميمها الطموح طبقة إضافية من التعقيد. فهي تتطلب من الطيارين تحكماً دقيقاً واستجابة مستمرة، خاصة أثناء التحليق على ارتفاع منخفض أو في ظروف رؤية محدودة.
هذا التعقيد يجعلها منصّة عالية الأداء لكنها بلا مجال للخطأ، إذ إن أي خلل في التوازن أو في نظام الرفع يمكن أن يتحول إلى كارثة خلال ثوانٍ معدودة.
نظام معقّد.. ونقص في الاحتياطات
تستخدم البلاك هوك نظام دوّار رئيسي بأربع شفرات متصل بعلبة تروس شديدة التعقيد، وهي نقطة ضعف برزت في عدد من التحقيقات الخاصة بحوادث سابقة.
مروحية بلاك هوك أمريكية
فغياب أنظمة التكرار الكافية في بعض المكونات الحيوية، مثل المحرك أو نظام النقل، يعني أن أي عطل فردي يمكن أن يؤدي إلى فشل شامل لا يمكن التعافي منه.
ورغم أن تصميمها الأصلي استوفى معايير السلامة في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن المواصفات الحديثة كانت ستفرض دمج أنظمة احتياطية أكثر تطوراً تقلل من احتمالات الانهيار الكلي.
بيئة تشغيل قاتلة
يرى عدد من الخبراء أن السمعة السلبية للمروحية لا تعود إلى خلل تصميمي بقدر ما ترتبط بطبيعة المهام القتالية التي تُكلّف بها.
فهي غالباً ما تُستخدم في مهام التحليق المنخفض لتفادي الرادارات ونيران العدو، ما يجعلها عرضة للأسلاك الهوائية وأبراج الاتصالات ونيران الأسلحة الخفيفة.
وفي مثل هذه الظروف، تبدو احتمالات الحوادث أعلى بكثير مما تواجهه المروحيات المدنية التي تعمل في بيئات آمنة ومنظمة.
حوادث رسخت اللقب
ساهمت عدة حوادث شهيرة في ترسيخ لقب "كراش هوك" في الذاكرة العامة.
أبرزها ما حدث خلال معركة مقديشو عام 1993، عندما أُسقطت مروحيتان من طراز بلاك هوك في واحدة من أكثر المعارك دمويةً للجيش الأمريكي بعد حرب فيتنام.
وقد خلد الصحفي مارك باودن تلك الحادثة في كتابه الشهير "بلاك هوك داون"، الذي تحوّل لاحقاً إلى فيلم سينمائي من إخراج ريدلي سكوت.
وفي حادث أحدث نسبياً، اصطدمت مروحية بلاك هوك فوق نهر بوتوماك بطائرة مدنية كانت متجهة إلى مطار ريغان في واشنطن، ما أدى إلى مقتل جميع الركاب وأفراد الطاقم، في واقعة أعادت الجدل حول سجل السلامة الخاص بهذا الطراز.
مروحية بلاك هوك أمريكية
رغم كل ما يثار حولها، تبقى البلاك هوك إحدى أنجح المروحيات العسكرية في التاريخ الحديث، إذ تجاوز عدد الوحدات المنتجة أربعة آلاف مروحية، ولا تزال قيد الإنتاج والتطوير حتى اليوم.
لكنها أيضاً مثال واضح على الثمن الباهظ الذي تدفعه التكنولوجيا العسكرية عندما تعمل عند حدود قدرتها القصوى.
فالـ"بلاك هوك" ليست مجرد مروحية، بل رمز لقوة جوية جريئة تعمل على حافة الخطر، وتُجسّد المعادلة الصعبة بين الأداء العالي... واحتمال التحطم.
سنة دخول الخدمة: 1979
عدد المروحيات المنتجة: أكثر من 4,000 (ولا تزال قيد الإنتاج)
الطول: 19.76 متر
قطر المروحة الرئيسية: 16.4 متر
الوزن الأقصى عند الإقلاع: 9980 كغ
السرعة القصوى: 183 عقدة (340 كم/س)
المدى التشغيلي: 590 كم دون التزود بالوقود، ويصل إلى 1,380 ميل بحري بخزانات إضافية
ارتفاع الطيران: نحو 5,800 متر
الحمولة: 11 جندياً مجهزين أو 6 نقالات طبية؛ حمولة خارجية تصل إلى 4100 كغ
الطاقم: 4 أفراد (طياران واثنان من طاقم الدعم أو الرماة)