اتفاق هش لكنه ضروري لمنع اتساع دائرة الحرب

وكالة أنباء حضرموت

دخل وقف هشّ لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيز التنفيذ الثلاثاء بعد 12 يوما من الحرب. ورغم أن الاتفاق هش ويمكن اختراقه في أيّ لحظة، إلا أنه يظل مطلبا من جميع الأطراف المتدخلة في الحرب التي يريد كل طرف فيها أن يبدو في صورة الطرف المنتصر.

وكان الاتفاق مطلبا ملحا وضروريا بالنسبة إلى الشركاء المباشرين في الحرب وقوى إقليمية لكونه يقطع الطريق أمام اتساع دائرة الحرب خاصة بعد دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر وقصفها مواقع نووية إيرانية ولجوء إيران إلى رد داخل قطر وتلويحها بتوسيع الرد ليشمل دولا خليجية أخرى بمنطق عليّ وعلى أعدائي.

من الواضح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو المستفيد الأول، فقد نجح في دفع إسرائيل إلى ضرب إيران بهدف جرها إلى التفاوض حول برنامجها النووي، ثم أعلن بنفسه عن وقف إطلاق النار، ما يجعله في صورة من يتحكم بما يجري في الشرق الأوسط، وأن بيده الحل والربط.

السلطات الإيرانية تتخوف من أن يفضي حجم الخسائر إلى اهتزاز الثقة بالقيادة، وأن يستجيب الشارع إلى دعوات تغيير النظام

وسعى الرئيس الأميركي منذ استلام مهامه في يناير الماضي إلى التحرك كزعيم للعالم، والضغط لوقف الحروب بأوامر منه مثلما جرى في غزة بين حماس وإسرائيل أو بين روسيا وأوكرانيا، لكن ضغوطه لم تفض إلى نتائج على الأرض.

وخلال التصعيد بين الهند وباكستان، قال ترامب إنه هو من فرض وقف إطلاق النار بين الخصمين اللدودين رغم نفي الهند أن يكون الرئيس الأميركي قد ضغط لأجل إنهاء المعارك.

واتّهم ترامب الثلاثاء إيران وإسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار، قائلا إنهما “لا تعرفان ما الذي تفعلانه.” لكنه حرص على التأكيد أن وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه هو “ساري المفعول” بين الطرفين.

وإذا كان ترامب قد حصل على تقدير بأنه صاحب قرار بدء الحرب وإنهائها، فإن أكبر مستفيد هو إسرائيل التي نجحت في تفكيك قدرات عدو إستراتيجي لها، وأظهرت قدرتها على المبادرة وتحقيق ضربات استباقية تمكنت من خلالها من تصفية كبار القادة العسكريين والعلماء المشتغلين بالبرنامج النووي ما وضعها في موقف قوة قياسا بردود إيران التي جاءت في سياق ردة الفعل، وهدفت إلى الاستعراض الإعلامي دون تحقيق نتائج شبيهة بما حققه الإسرائيليون بقتل قادة عسكريين وسياسيين أو استهداف منشآت نوعية أو خلق أزمة داخلية في إسرائيل.

وأعلنت إسرائيل صباح الثلاثاء موافقتها على المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، مؤكّدة تحقيق “كلّ الأغراض” من حربها التي أطلقتها في 13 يونيو بهدف معلن هو القضاء على البرنامج النووي الإيراني. لكن يشكك متابعون في التزام إسرائيل بقرار وقف إطلاق النار بشكل دائم.

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيان زامير إن قواته قد وصلت إلى “نهاية فصل مهمّ لكن الحملة على إيران لم تنته بعد.”

ونشط المسؤولون الإيرانيون في إطلاق التصريحات عن “النصر” الذي حققته بلادهم بصمودها في حرب الإثني عشر يوما، وأنهم ردوا على إسرائيل كما ردوا على الضربات الأميركية بالهجوم على قاعدة العديد القطرية دون مراعاة المصالح مع قطر.

ويرى مراقبون أن الحديث الرسمي الإيراني عن “النصر” يحمل محاولة للالتفاف على الخسائر الكبيرة التي حدثت في صفوف إيران، والهدف الرئيسي هو استمالة الشارع الإيراني للرواية الرسمية والتخفيف من تأثير الرواية التي تنقلها وسائل الإعلام الخارجية، الخاصة بالخسائر التي لحقت بإيران.

ويتخوف الإيرانيون من أن تفضي الخسائر الميدانية، وخاصة تصفية القيادات العسكرية، إلى اهتزاز الثقة بالنظام وقدرته على حماية البلاد، وأن يستجيب الشارع الإيراني إلى دعوات التظاهر وتغيير النظام. لكن الخطاب الدعائي الرسمي لا يبدو قادرا على تحقيق ذلك في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي أفرزها رهانه على الحروب وتبديد أموال النفط في المغامرات العسكرية والإنفاق على الميليشيات في دول مثل لبنان واليمن والعراق.

وقالت إيران إنها لقّنت إسرائيل “درسا” و”أجبرتها” على وقف الحرب “بشكل أحادي”، مجاهرة بـ”النصر”، ومؤكّدة أنها ما زالت “في حالة تأهّب” استعدادا “للردّ على أيّ اعتداء.”

وقال الحرس الثوري في بيان قبيل بدء سريان وقف إطلاق النار بلحظات، إنه “ضرب مراكز عسكرية ولوجستية للكيان الصهيوني (…) ولقّن العدو درسا تاريخيا لا يُنسى.”

ولا يزال من غير المعروف أيضا الشروط التي اتفق عليها الطرفان وغير المذكورة في منشور ترامب الحماسي على وسائل التواصل الاجتماعي الذي أعلن فيه “وقف إطلاق النار الكامل والشامل” الوشيك، وما إذا كانت الولايات المتحدة وإيران ستعيدان إحياء المحادثات النووية الفاشلة، ومصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب الذي يعتقد عدد من الخبراء أنه ربما نجا من حملة القصف التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال جوناثان بانيكوف نائب مسؤول المخابرات الوطنية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط سابقا “حقق الإسرائيليون الكثير من أهدافهم.. وإيران تبحث عن مخرج.. تأمل الولايات المتحدة أن تكون هذه بداية النهاية. يكمن التحدي في وجود إستراتيجية لما سيأتي لاحقا.”

ولا تزال هناك تساؤلات أيضا بشأن ما تم الاتفاق عليه بالفعل، حتى في الوقت الذي عزز فيه إعلان ترامب الآمال في نهاية الصراع الذي أثار مخاوف من اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا.

وتساءل دنيس روس، وهو مفاوض سابق لشؤون الشرق الأوسط في إدارات جمهورية وديمقراطية “هل يصمد وقف إطلاق النار؟.. نعم، يحتاجه الإيرانيون، وقد هاجم الإسرائيليون أغلب قائمة الأهداف” التي وضعها الجيش الإسرائيلي.

لكن لا تزال العقبات قائمة، إذ يقول روس “ضعفت إيران بشدة، لكن ما هو مستقبل برامجها النووية والصاروخية الباليستية؟ ماذا سيحدث لمخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب؟ ستكون هناك حاجة إلى المفاوضات، ولن يكون حل هذه المسائل سهلا.”