العراق يحشد لاحتواء الأزمة في الشرق الأوسط خوفا من امتداد الصراع إلى ساحته

وكالة أنباء حضرموت

تحشد الدبلوماسية العراقية جهودها عبر تحركات مكثفة بهدف احتواء التصعيد الإقليمي المتزايد، وذلك في مسعى حثيث لتجنب تحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة.

تتزايد المخاوف في الأوساط السياسية والأمنية العراقية من هذا السيناريو، ما يدفع الحكومة إلى اتصالات مكثفة إقليميا ودوليا لتثبيت سيادتها ودعوة الأطراف إلى ضبط النفس.

وتعكس التحركات العراقية الموقف الرسمي الرافض لأي انتهاك لسيادة البلاد. فقد أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الاثنين خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رفض العراق القاطع للعدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتصعيد الخطير المتمثل بالقصف الأميركي للمنشآت النووية.

وذكر مكتب رئيس الوزراء العراقي في بيان أن السوداني وبوتين بحثا خلال الاتصال "آخر تطوّرات الأوضاع الإقليمية والدولية".

وأكد السوداني "رفض العراق الواضح للعدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتصعيد الخطير المتمثل بالقصف الأميركي للمنشآت النووية".

وتأتي هذه التطورات في سياق حملة عسكرية إسرائيلية مستمرة منذ 13 يونيو، تستهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين بإيران، والتي ترد بضرب مقرات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية بصواريخ بالستية وطائرات مسيّرة.

في هذا الإطار المتوتر، نفذ الجيش الأميركي فجر الأحد "هجمات ناجحة جدا" على ثلاث منشآت نووية إيرانية هي فوردو وأصفهان ونطنز، وفق ما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات عدة قد تكون غير متوقعة.

واستنكر السوداني خرق أجواء العراق من جانب الطائرات "الأميركية والصهيونية"، وفق البيان.

وتقدم العراق في وقت سابق بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن اختراق الطيران الإسرائيلي لأجوائه من أجل استهداف دول بالمنطقة.

ودعا السوداني إلى "مساندة خطوات العراق في منع انتهاك سيادته، واضطلاع مجلس الأمن الدولي بدوره الأساسي لوقف الحرب". وشدد على "أهمية بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية، رغم عدم المصداقية وضعف الثقة بسبب العدوان الذي أثر على سير المفاوضات" بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني.

من جانبه، شدد بوتين خلال الاتصال على أهمية إنهاء التصعيد، مؤكداً قيامه بجهود خاصة في هذا الإطار. كما أشاد بـ"جهود الحكومة العراقية التي تعمل على عدم اتساع الحرب"، معبراً عن "رفضه للمساس بأجواء العراق وسيادته".

وهنأ بوتين رئيس الوزراء بنجاح العراق في استضافة القمة العربية، مؤكدًا دعوته للعراق من أجل المشاركة في القمة الروسية العربية التي ستعقد في 15 أكتوبر المقبل.

وفي إطار جهودها لاحتواء الأزمة، كشفت وزارة الخارجية العراقية، اليوم الاثنين، أنها اجرت تحرّكاً دبلوماسياً في إسطنبول لاحتواء التصعيد في المنطقة، وسط دعوات برلمانية لاجتماع عربي عاجل ردا على انتهاك السيادة العراقية.

وذكر بيان لوزارة الخارجية أن "نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، شارك في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول العربية الذي عُقد في إسطنبول الجمعة، بناءً على دعوة عراقية، لبحث تداعيات العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما ترأس وفد العراق المشارك في أعمال الدورة الـ(51) لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة في إسطنبول للمدة من 21 إلى 22 يونيو 2025".

وأكد الوزير حسين خلال كلمته أن "التصعيد الإسرائيلي يشكّل تهديدًا خطيرًا يتجاوز إيران ليطال أمن واستقرار المنطقة بأسرها، ودعا إلى تحرك جماعي للضغط على القوى الدولية وطرح مبادرات مشتركة لوقف التدهور، كما اقترح تشكيل لجنة مشتركة مفتوحة العضوية للتواصل بهدف خفض التوتر".

وقد أدان البيان الختامي للاجتماع العربي الطارئ العدوان الإسرائيلي، مطالبًا بوقفه فورًا والعودة إلى الحوار، كما تبنى مقترح وزير الخارجية بتشكيل لجنة من دول منظمة التعاون الإسلامي.

وتتواصل هذه المساعي الدبلوماسية عبر لقاءات ثنائية مكثفة أجراها الوزير حسين مع نظرائه الإيراني والتركي والأوزبكي والمصري والسوري. وتركزت هذه اللقاءات على تداعيات العدوان الإسرائيلي على إيران، وأهمية تنسيق الجهود لاحتواء الأزمة، وضرورة تفعيل قنوات الحوار لخفض التصعيد.

إلى ذلك، قال رئيس كتلة "حقوق" النيابية حسين مؤنس، في تصريح إعلامي إن "العراق، وباعتباره يرأس حالياً الجامعة العربية، مطالب بأن يمارس دوره بشكل أكبر وأوسع، من خلال دعوة الدول الأعضاء إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة التطورات الخطيرة الأخيرة وعلى رأسها خرق السيادة العراقية من قبل الكيان الصهيوني".

وأضاف أن "العدوان الإسرائيلي الأخير لا يشكّل تهديدا للعراق فقط، بل يمثل انتهاكاً مباشراً للسيادة ويطال دولا أخرى مثل الأردن"، مشيرا إلى "ضرورة عقد اجتماع عربي على مستوى رؤساء أو وزراء الخارجية، للخروج بموقف سياسي موحد تجاه هذه الاعتداءات".

وحذر مندوب العراق لدى مجلس الأمن الدولي، الأحد، من أن منطقة الشرق الأوسط تمرّ بتصعيد خطير يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، معربا عن قلق بغداد إزاء التطورات العسكرية المتسارعة، وفي مقدمتها الهجوم العسكري على المنشآت النووية الإيرانية.

ويشهد العراق منذ فجر الأحد، انتشارا أمنيا مكثفا، قرب المعسكرات والمواقع التي تضم قوات للتحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الموجودة في العراق، تحسبا لأي هجمات قد تتعرض لها ردا على دخول واشنطن الحرب على إيران واستهدافها المنشآت النووية.

ويشهد العراق منذ فجر الأحد انتشارا أمنيا مكثفا قرب المعسكرات والمواقع التي تضم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تحسبا لأي هجمات قد تتعرض لها ردًا على دخول واشنطن الحرب على إيران واستهدافها المنشآت النووية.

أفادت تقارير إعلامية بأن السوداني يجري اتصالات مكثفة مع قادة الإطار التنسيقي لتهدئة الفصائل، ومنع دخولها إلى ساحة الحرب المشتعلة.

ويُدرك السوداني أن دخول الفصائل العراقية ساحة المعركة سيُعرض القواعد الأميركية لهجمات، مما سيؤدي لردة فعل عسكرية أميركية حتمية، تضع بغداد بين نيران حليفيها المتصارعين.

هذا السيناريو الكارثي سيزيد من عزلة العراق الدولية، ويضعه في موقف حرج أمام الإدارة الأميركية التي قُدمت لها وعود سابقة بحماية قواعدها.

وقد وجه وزير الداخلية، عبدالأمير الشمري، السبت، بيانًا للأجهزة الأمنية بتوفير الحماية لـ"الأهداف الحيوية التي تمثل الشريان الرئيسي لاقتصاد البلاد"، مؤكدا “اليقظة وتكثيف الجهد الأمني".

وكانت فصائل عراقية مسلحة، قد رهنت، الأسبوع الماضي، تدخلها في الحرب إلى جانب إيران، بمشاركة القوات الأميركية في العدوان الحالي على طهران، مؤكدة أنها أبلغت حكومة السوداني بذلك.

وكانت فصائل عراقية مسلحة، من أبرزها "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، قد رهنت الأسبوع الماضي تدخلها في الحرب إلى جانب إيران بمشاركة القوات الأميركية في العدوان الحالي على طهران، مؤكدة أنها أبلغت حكومة السوداني بذلك.

وهذا الوضع دفع عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب صلاح التميمي، الأسبوع الماضي، إلى دعوة الحكومة إلى إجراء مراجعة شاملة وفورية لعقود منظومات الدفاع الجوي، والعمل على إيجاد حلول عاجلة لتعزيز قدرة العراق على حماية مجاله الجوي، منتقدا في الوقت ذاته الإهمال الحكومي في التعاطي مع هذا الملف.

وتُظهر هذه التطورات مدى التعقيد البالغ للموقف العراقي، الذي يجد نفسه محاصرا بين مطرقة التصعيد الإقليمي المستمر وسندان التزاماته الدولية والداخلية المتعارضة.

وتواجه بغداد، رغم سعيها الحثيث لتأكيد سيادتها ورفضها أن تكون ساحة لصراعات الآخرين، تحديا وجوديا في المضي قدما وسط هذه التحديات الجسيمة، ويتعلق الأمر بقدرة الحكومة على حماية مجالها الجوي، كبح جماح الفصائل المسلحة التي تهدد بجر البلاد إلى حرب أوسع، وفي الوقت ذاته الحفاظ على علاقاتها المتوازنة مع القوى الإقليمية والدولية.

وهذا الموقف الدقيق يتطلب حكمة سياسية غير عادية وقدرة فائقة على المناورة لتجنب الانزلاق إلى دوامة الفوضى التي قد تنهي جهود الاستقرار والبناء التي بذلت بصعوبة بالغة.