تقارب بين المغرب وكينيا يمهد لدعم مقترح الحكم الذاتي
يزور موساليا مودافادي، وزير الخارجية الكيني، المغرب من أجل افتتاح سفارة بلاده في الرباط، يوم الاثنين المقبل، وفق ما أفادت به تقارير إعلامية كينية، في خطوة تعكس تحوّلا مهمّا في توجهات السياسة الخارجية لهذا البلد الأفريقي الداعم لجبهة البوليساريو، ودعم مقترح الحكم الذاتي الذي يتبناه المغرب.
ويقول مراقبون، إن الخطوة الكينية تحمل إشارة ضمنية إلى احتمال مراجعة نيروبي لموقفها من هذا النزاع الإقليمي، مقابل تبني مقاربات أكثر توازنا تحفظ مصالحها الإستراتيجية مع المغرب.
وذكرت صحيفة “ذي إيستلاي فويس” الكينية أن “السفيرة جيسيكا جاكينيا، أول مبعوثة كينية إلى المغرب، وجّهت دعوات رسمية لحضور حفل الافتتاح الرسمي الذي سيُقام الاثنين المقبل بحضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة”، معتبرة أن “افتتاح السفارة يعكس تحولا ملحوظا في موقف كينيا المتذبذب تاريخيا تجاه الرباط، والذي ظلّ لسنوات متأثرا بقضية الصحراء.”
الدبلوماسية المغربية حققت الكثير من الاختراقات من حيث اعتراف الدول بسيادة المغرب على الصحراء
وتأتي هذه الخطوة المرتقبة بعد أيام من اعتماد الرئاسة الكينية لمسودة السياسة الخارجية الجديدة للبلاد، التي تجاهلت ذكر النزاع في الصحراء المغربية خلافا لسابقاتها من المسودات، وذلك بتوصية من لجنة الدفاع والاستخبارات والعلاقات الخارجية في البرلمان؛ ما يؤشر على تراجع الدعم العلني الكيني للانفصاليين في تندوف، وسيساهم في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الرباط ونيروبي.
واعتبر البراق شادي عبدالسلام، الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “الخطوة الكينية هي تطور طبيعي وتحصيل منطقي لعملية تراكمية، تجمع بين تحرك إستراتيجي ثابت المبادئ، وحس دبلوماسي هادئ، يعتمد مقاربات ومساقات عديدة تهم الجانب السياسي والاقتصادي والأمني بهدف تقريب الرؤى وتقارب المصالح بين الجانبين المغربي والكيني.”
وأشار البراق، في تصريح لوسائل إعلام محلية، إلى “نجاح الجهود الدبلوماسية المغربية في كينيا، على خلفية الالتزام الصارم بتنزيل الرؤية الملكية السامية من طرف السلك الدبلوماسي، والتمسك بالإستراتيجية الملكية في موضوع العلاقات الخارجية وملف الترافع عن الوحدة الترابية.”
وأضاف الخبير الدولي أن “الكيان الدبلوماسي المغربي في كينيا اشتغل بفلسفة واضحة تعبّر عن الأداء المهني المتسم بروح وطنية خالصة، وبمسؤولية والتزام، كما أن الإستراتيجية النوعية للدبلوماسية المغربية في كينيا يمكن اعتبارها نموذجا للتكامل بين الرؤية الملكية للسياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي القنصلي البنّاء والدور الفاعل للمصالح الخارجية وجهود الدبلوماسية الموازية بمختلف فروعها،” مؤكدا أن “التحول في الموقف الكيني هو تأكيد على نجاح الإستراتيجية الدبلوماسية المغربية في أفريقيا، التي عملت منذ عقود على تفكيك التوجه العدائي لكل المحاور المعادية للمملكة في القارة، والتي تعتمد مبادئ متجاوزة تاريخيا في إدارة علاقاتها الخارجية،” لافتا إلى أن “هذا التفكيك كان هدفا معلنا لديناميكية عمل السياسة الخارجية المغربية، حين عمد صانع القرار الدبلوماسي إلى اعتماد مقاربة متبصّرة مغربية للتعاون جنوب-جنوب، الذي أرسى قواعده العاهل المغربي الملك محمد السادس، ليشكل قوة دافعة للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.”
وخلص الخبير إلى أن “استمالة الموقف السياسي لكينيا ابتدأت بفتح مشاريع دبلوماسية مستدامة في هذا البلد الذي يشكل أهمية كبرى للدبلوماسية العالمية متعددة الأطراف، خاصة أن عاصمته نيروبي تشكل أحد المكاتب الرئيسية الكبرى لمنظومة الأمم المتحدة في العالم وكانت من أكبر داعمي الأطروحة الانفصالية على المستويين القاري والدولي.”
استمالة الموقف السياسي لكينيا ابتدأت بفتح مشاريع دبلوماسية مستدامة في بلد يشكل أهمية كبرى لدبلوماسية عالمية متعددة الأطراف
ويقود المغرب حملة دبلوماسية مكثّفة لدفع دول جديدة إلى دعم مواقفه، منذ أن انتزع اعتراف الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب، بسيادته على المنطقة المتنازع عليها نهاية 2020.
وحققت الدبلوماسية المغربية الكثير من الاختراقات إقليميا وقاريا ودوليا من حيث اعتراف العديد من الدول بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، رغم الضغوط التي قامت بها الجزائر الحليف الأبرز لبوليساريو لعرقلة تلك النجاحات.
وتقع الصحراء المغربية على ساحل المحيط الأطلسي، وتبلغ مساحتها 266 ألف كلم مربع وهي غنية بالفوسفات وساحلها الممتد على طول ألف كلم غني بالأسماك.
وتقترح الرباط حكمًا ذاتيا موسعًا في الصحراء المغربية تحت سيادتها بينما تسعى بوليساريو المدعومة من الجزائر إلى الانفصال.
ويعترف الاتحاد الأفريقي بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بوصفها أحد أعضائه، لكن الكثير من الدول الأفريقية قامت بفتح قنصليات في مدينة العيون والاعتراف بمشروع الحكم الذاتي المغربي، ما يشير إلى أن الرباط لا تزال تمتلك كل خيوط اللعبة في ملف الصحراء.