صراعات على زعامة أفريقيا في مجلس الأمن تهدد بريكس
تطفو نقاشات دبلوماسية حول إصلاح مجلس الأمن الدولي على السطح بين حين وآخر مع وجود لجنة تتولى المهمة، ما يجعل ترتيبات الأوزان الفاعلة إقليميا تمضي على قدم وساق، وإن لم تكن هناك قرارات نهائية بشأن الإصلاح أو تحديد جدول زمني للوصول إليه، الأمر الذي كان مثار حوار في اجتماع وزراء خارجية تجمع بريكس في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية مؤخرا.
والتقى وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في القاهرة المندوب الدائم لدولة الكويت لدى الأمم المتحدة ورئيس المفاوضات الحكومية الدولية لإصلاح مجلس الأمن طارق البناي، وأكد له أن موقف مصر التفاوضي في هذا الملف يرتكز على الموقف الأفريقي وفقا لتوافق أوزوليني، وإعلان سرت، ومرتكزات الموقف العربي.
وتوافق أوزوليني هو موقف أفريقي موحد بخصوص إصلاح مجلس الأمن اعتمدته الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي في قمة أديس أبابا عام 2005، ويطالب بمنح أفريقيا مقعدين دائمين بالمجلس يتمتعان بسلطة النقض (الفيتو) وخمسة مقاعد غير دائمة وأن يكون الاتحاد الأفريقي الجهة المخولة باختيار الأعضاء.
وتزامن هذا الحديث مع خلافات كشفت عنها مصادر دبلوماسية شاركت في اجتماع ريو دي جانيرو، الذي لم يصدر عنه بيان ختامي مشترك، وشهد انقساما بين الدول الأعضاء، بعد اعتراض كل من مصر وإثيوبيا على إصدار بيان يدعم منح جنوب أفريقيا مقعداً دائماً في مجلس الأمن، ما أعاد إشكالية تمثيل القارة الأفريقية في أهم هيئة أممية، وكشف عن تعاظم أزمة الزعامة، وقد يشكل تهديدا لتماسك بريكس.
وقال مصدر دبلوماسي مطلع، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن تحديد هوية الدولتين الأفريقيتين الممثلتين بشكل دائم في مجلس الأمن متروك للاتحاد الأفريقي، وسوف تتم مناقشته بين الدول الأعضاء، والأمر لم يحظ باهتمام دبلوماسي، ومن الصعب تجاوز مسألة التوافق الأفريقي الجماعي وفقا لما جاء في اجتماع أوزوليني بطريقة شفافة، بحيث تكون هناك مواقف موحدة بين الدول الأفريقية، وليس عبر محاباة دولة على حساب أخرى.
وأشار المصدر ذاته لـ”العرب” إلى أن الدول الأفريقية تطمح لحجز ثلاثة مقاعد وليس مقعدين فقط، وثمة تنافس بين أربع دول، وهي مصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا، وأن أول دولتين تنحصر بينهما المنافسة بشكل أكبر، غير أن ذلك لم يخضع بعد لنقاشات رسمية إنما يدور في إطار التشاور بين الدول وفقا للأوزان الإقليمية والقدرات والإمكانيات والجهود التي تقدمها لحماية الأمن والاستقرار داخل دول القارة.
ويرى مراقبون أن خلافات الدول الأفريقية داخل بريكس تطرح تساؤلات حول قدرة التحالف الذي يأخذ في التوسع والتمدد على تبني مواقف متفق عليها، خاصة أنه يواجه موقفا حاسما من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يوجه تهديداته المستمرة نحو الدول التي تتخذ مواقف أكثر قربا من الصين، بالتالي فالانسحاب أو تجميد العضويات أمر ممكن حال كانت للتحالف مواقف مؤيدة لأحد أعضائه ضد دول أخرى داخله أيضا.
وتعد جنوب أفريقيا ضمن الخماسي المؤسس للتكتل إلى جانب البرازيل والهند والصين وروسيا، قبل أن تنضم إليه مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات عام 2023، لتنضم دول إندونيسيا وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وكازاخستان وماليزيا ونيجيريا وتايلاند وأوغندا وأوزبكستان، كشركاء هذا العام، ما يشير إلى وجود دولتين أفريقيتين إضافيتين، هما نيجيريا وأوغندا، وستكون لكل منهما حسابات بشأن مقاعد أفريقيا في مجلس الأمن.
وقد تجعل توجهات الدول في مجموعة بريكس التي قد تكون لديها مسارات متناقضة، المجموعة أمام صعوبة الاتفاقات السياسية، وأن فشل صدور بيان ختامي للاجتماع الأخير، برهن على أن فرص مجموعة بريكس في أن تصبح منافساً جيوسياسياً لمجموعة العشرين أو الاتحاد الأوروبي ستكون ضئيلة.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة إن تجمع بريكس ليس لديه دور في عملية إصلاح مجلس الأمن ويمكنه تبني مواقف داعمة لأي دولة من الدول وإن الدول الخمس المؤسسة إلى جانب الشركاء يمكن أن تعلن تأييدها كمجموعة دول مؤثرة ولديها أدوار متنامية في الوقت الحالي، غير أن ذلك لا بد أن يكون قائما على التوافق بين الدول الأعضاء، وأن النقاشات ستكون أكثر موضوعية في اجتماعات الرؤساء خلال يوليو المقبل أو مع دخول مسألة الإصلاح حيز التنفيذ.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مسألة قيادة القارة الأفريقية معقدة ولا يمكن القول بأن هناك دولة، أو اثنتين، لديها القدرة على الزعامة ولكن وفقا للمتغيرات الإقليمية هناك تعاظم لأدوار عدد من الدول الأفريقية التي لديها وزن وتأثير على مستوى القارة مثل مصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا والمغرب والسنغال وإثيوبيا وكينيا، وكل دولة لديها رغبة في أن تصبح أكثر تأثيرا بما يدعم مصالحها.
وذكر أن الموقف الرسمي داخل الاتحاد الأفريقي بشأن الدولتين اللتين ستكون لهما العضوية الدائمة لم يتحدد، ولكن ما يحدث هو البحث عن إطار توافقي، والاتجاه العام يذهب نحو دول مثل مصر وجنوب أفريقيا إلى جانب نيجيريا، وقد تكون اجتماعات الاتحاد الأفريقي المقبلة ساحة لنقاشات أوسع حول هوية هذه الدول ولن يكون من السهل الوصول إلى توافق سريع ولكن ذلك ليس مستحيلا أيضا.
وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي مؤخرا على “دعم القاهرة لدور لجنة العشرة برئاسة سيراليون المعنية بتعزيز ودعم الموقف الأفريقي الموحد في المفاوضات الجارية بشأن إصلاح مجلس الأمن،” وهي اللجنة التي تشكلت عقب إعلان توافق أوزوليني وتضم دول سيراليون (رئيس اللجنة) والجزائر وليبيا وغينيا الاستوائية والكونغو وكينيا وناميبيا والسنغال وأوغندا وزامبيا.
خلافات الدول الأفريقية داخل بريكس تطرح تساؤلات حول قدرة التحالف الذي يأخذ في التوسع والتمدد على تبني مواقف متفق عليها
وذكر الخبير في الشؤون الأفريقية محمد فؤاد رشوان أن اختيار الدول الأفريقية حال جرى الاستقرار على إصلاح منظومة مجلس الأمن سيكون وفقا لمعايير محددة في مقدمتها مشاركة هذه الدول في قوات حفظ السلام والوضع الديمقراطي داخلها ومدى مساندتها للدول الأفريقية ومواقفها الدولية المعتدلة وانتظامها في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، بالتالي فالحديث عن دعم بريكس دولة بعينها بالطبع لن يحظى بموافقة باقي الدول الأفريقية وهي خطوات تثير خلافات داخل التجمع بلا داع في الوقت الحالي.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن دعم جنوب أفريقيا يأتي من كونها ضمن الدول المؤسسة ولمواقفها القوية في مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإمساكها بزمام المبادرة بشأن التوجه إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة إسرائيل على جرائمها في قطاع غزة، وأن هناك معالم واضحة لعالم متعدد الأقطاب يدفع نحو تصعيد دول استطاعت أن تتخذ مواقف فارقة أفريقيا ودوليا، غير أن الخلاف داخل التجمع لن يكون في صالح توجهاته التي تحمل الجانب الاقتصادي وليس السياسي، وهو محاولة غير مقصودة لتفتيته.
وأشار إلى أن أفكار وتطلعات الزعامة داخل أفريقيا لن تتوقف تاريخيا وأن الثقل الاقتصادي لدولة مثل نيجيريا يجعلها حاضرة الآن في هذه المنافسة إلى جانب دول لديها أدوار تاريخية مثل مصر التي تتحرك في دوائر مختلفة إلى جانب إثيوبيا وهي تلقى دعما من غالبية دول شرق أفريقيا.
ويتصاعد الحديث عن إصلاح مجلس الأمن في وقت تحتفي فيه الأمم المتحدة هذا العام بالذكرى الثمانين لتأسيسها (1945 – 2025)، مع تزايد الشعور العالمي بالاستياء وعدم الرضا إزاء الإخفاق في التعامل مع قضايا إقليمية مشتعلة وعجزها عن القيام بدورها الرئيسي متمثلًا في حفظ السلم والأمن الدوليين ومعالجة بؤر النزاع في مناطق العالم المختلفة.
واستبقتِ الولايات المتحدة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي بإعلان موقف مهم في شأن إصلاح مجلس الأمن وزيادة عدد أعضائه الدائمين وغير الدائمين، وبحسب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، فإن واشنطن تدعم إضافة مقعدين دائمين لأفريقيا في المجلس، إضافة إلى المقاعد غير الدائمة الثلاثة التي تحتلها أفريقيا، ويجري ملؤها بالتداول بين الدول الأفريقية.
وقالت إن هذا إضافة إلى الدول التي تدعم الولايات المتحدة عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وهي الهند وألمانيا واليابان. كما أكّدت غرينفيلد أن واشنطن تدعم أيضا إضافة مقعد يُنتخب لدول الجزر الصغرى النامية.