قلق أممي وجدل داخلي بسبب التحركات العسكرية في غرب ليبيا وجنوبها
يتساءل الليبيون عن الدوافع التي قد تكون وراء التحركات العسكرية التي تشهدها منطقتا غرب البلاد وجنوبها، بينما قالت رئيسة البعثة الأممية حنا تيتيه، إن اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 يظل صامدا إلى حد كبير، إلا أن الوضع الأمني لا يزال متقلبا.
وأضافت خلال إحاطتها الدورية الأولى أمام مجلس الأمن الأربعاء أنه “في ظل استمرار الحشد العسكري والتنافس العدائي على السيطرة الإقليمية خاصة بين المجموعات المسلحة في المنطقة الغربية، جددت التحشيدات المسلحة الأخيرة في طرابلس ومحيطها المخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف في العاصمة.”
وتابعت أن “ما يجري في المنطقة الجنوبية، من إعادة هيكلة قوات الجيش الوطني الليبي وترسيخ سيطرتها يستمر في تأجيج التوترات مع الأطراف المحلية وقد أسفر ذلك عن قتال عنيف وخسائر في الأرواح في القطرون،” مشيرة إلى أن “الوضع سيظل هشاً إلى أن تتوفر إرادة سياسية لتوحيد القوات الأمنية والعسكرية في إطار رؤية مشتركة.”
ولتعزيز التواصل وتبادل المعلومات، أوضحت تيتيه أن السلطات الأمنية والعسكرية من شرق ليبيا وغربها أنشأت مراكز أمنية حدودية مشتركة في طرابلس، وقريبا في بنغازي. وتهدف هذه المراكز إلى تعزيز التواصل وتبادل المعلومات في جميع أنحاء البلاد.
وتابعت أن “من بين العواقب المأساوية لانقسام المؤسسات الليبية الفراغ الذي يسمح للأطراف المسلحة بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان دون عقاب، كما أن التصاعد الأخير لخطاب الكراهية العنصري وكراهية الأجانب يُثير قلقاً بالغاً، إذ يُحرّض على العنف ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين والمنظمات الإنسانية التي تُقدّم الدعم المُنقذ للحياة، إن تصوير المهاجرين على أنهم تهديدات أمنية تسبب في خروج مظاهرات والقيام باعتقالات جماعية وتسبب أيضا بحادث إطلاق نار مميت.”
وجاءت إحاطة رئيسة البعثة الأممية في ظل استمرار الجدل الواسع حول التحركات العسكرية التي نفذتها القوة الرابعة من مصراتة في اتجاه طرابلس وتحركات قوات الجيش الوطني من المنطقة الشرقية في اتجاه الجنوب الغربي.
وفي الرابع من أبريل الجاري، حذّر المجلس الرئاسي الليبي، من أيّ تحرّكات للجهات العسكرية والأمنية خارج إطار القانون، مشدّدا على أنّ “خرق التعليمات يعرض مرتكبيه للمساءلة القانونية دون استثناء،” وقال في بيان، إن أي تحركات أو تنقلات للجهات الأمنية والعسكرية “يجب أن تجري بناء على تعليمات صريحة ومسبقة من المجلس والجهات المختصة وضمن الإطار القانوني المحدد،” مجدّدا التأكيد على دوره في “الإشراف الكامل والتوجيه المباشر للعمليات الأمنية والعسكرية كافة.”
ودعا الرئاسي جميع الأطراف إلى الالتزام الصارم بالضوابط والتعليمات المنظمة للعمل الأمني والعسكري، مشددا على أن الأمن مسؤولية جماعية لا تحتمل الاجتهادات الفردية أو القرارات الأحادية التي قد تخل بالاستقرار العام. وفي ظل استمرار حالة الغموض الميداني، أصدر تجمع قادة ثوار ليبيا بيانا حذر فيه من تحركات قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر باتجاه المنطقة الغربية، مشددا على أن أيّ تحرك نحو مدن الغرب سيقابل برد قوي.
◙ المجلس الرئاسي الليبي حذر في الرابع من أبريل الجاري من أيّ تحرّكات عسكرية وأمنية خارج إطار القانون
وأكد على استعداد كتائب وسرايا الثوار، ووحدات من الجيش الليبي (التابع لحكومة الوحدة)، للتصدي لأيّ هجوم، داعيا المجلس الرئاسي لاتخاذ موقف حازم باعتباره القائد الأعلى للجيش الوطني، ودحر ما وصفها بالخلايا النائمة المتعاونة مع حفتر في الغرب، والدول الداعمة له، معتبرا أن أي دعم للعدوان يُعد استهدافا لإرادة الشعب الليبي ولن يُغتفر سياسيا ولا شعبيا، وفق نص البيان.
كما حذر قادة ثوار مصراتة والمنطقة الغربية في بيان لهم، من تحركات قوات المشير خليفة حفتر باتجاه المنطقة الغربية، وقالوا في بيان “نحذر من تحركات ميليشيات تابعة لحفتر باتجاه المنطقة الغربية، وكافة أسلحتنا جاهزة للمواجهة،” مشيرين إلى أن “أيّ تحرك يقوده حفتر سيكون بمثابة إعلان حرب شامل، وسيتم التعامل معه بقوة وحسم كما حدث في أبريل 2019.” وأردف أصحاب البيان “نحذر كذلك من يوالون حفتر في المنطقة الغربية من أنهم سيصبحون أهدافًا مشروعة في تلك المعركة،” وتابعوا “نستغرب صمت لجنة 5+5 ولجنة 3+3 إزاء تحركات حفتر في سرت، التي من المفترض أنها منطقة منزوعة السلاح، ونعتبر صمتهم بمثابة تواطؤ وتهاون يصل إلى درجة الخيانة.”
واعتبر البيان أن “زمن التفاوض مع القتلة قد انتهى، ومشروع الدولة المدنية لن يُقبر على أيدي الجنرالات الطامعين، ومن يريد عودة حكم العسكر سنعيده محمولاً على الأكتاف إلى مزابل التاريخ،” منوهاً إلى أن “ليبيا ليست للبيع والثورة ليست للمساومة، ومن يطرق أبواب الحرب لن يجد إلا الجحيم.”
ويرى مراقبون أن التحشيدات العسكرية لم تصل إلى حدّ الإنذار بالعودة إلى مربع الحرب الطاحنة كتلك التي دارت رحاها في غرب البلاد منذ أبريل 2019، وإنما هناك حالة احتقان واضحة وانتشار واسع لخطاب الكراهية الذي تعمل بعض الأطراف السياسية والقوى النافذة على ترويجه بهدف التغطية على الأزمة المالية والاقتصادية واتساع دائرة الفساد ونهب المال العام والعبث بثروة البلاد وسيادة الدولة.
وفي السياق ذاته، نفى مصدر من اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 ببنغازي صحة الأخبار المتداولة بشأن توجه الرتل العسكري إلى المنطقة الغربية، فيما قالت أوساط مطلعة أن تحرك بعض القوات نحو جنوب غرب البلاد يأتي في سياق التصدي لظاهرتي الاتجار بالبشر وتهريب النفط والسلع التموينية، وكذلك لتأمين بعض الأحداث ومنها ما ستشهده مدينة مرزق خلال الأيام القادمة من تدشين عدد من المنشآت في سياق برنامج إعادة الإعمار بحضور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس الحكومة المنبثقة عنه أسامة حماد وقيادات الجيش.
وبحسب الأوساط ذاتها، فإن مرزق ستكون على موعد مع حدث تاريخي غير مسبوق في الجنوب الليبي خلال الأيام المقبلة، يتمثل في افتتاح أكثر من 16 مرفقا حكوميا تم تأهيلها بالكامل، تشمل مدارس، مراكز صحية، ومقار خدمية، ضمن جهود شاملة لتعزيز الخدمات وتحسين جودة الحياة للسكان المحليين.